#مناهج_التعليم #السعودية : نماذج من التعديلات (4/4)
بقلم: منصور العلي...
في إطار إشتغل معهد "مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" على مراقبة محتوى الكتب المدرسية، وفحص المناهج الدراسية في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في مناطق الشرق الأوسط، لتحديد ما إذا كانت متوافقة مع المعايير الدولية، ومتّسقةً ومبادئ "التسامح" و"السلام" و"الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي"، وغير منكرة، بالطبع، لـ"الهولوكوست" أو مشجّعة على "التطرّف والإرهاب"، راقب الباحثون الإسرائيليون 80 كتاباً مدرسياً سعودياً في السنة الأخيرة، إضافة إلى 180 كتاباً آخر في خلال السنوات الماضية.
المعهد الذي يعرّف عن نفسه بأنه" منظمة إسرائيلية غير ربحية" مقرّها القدس المحتلّة، يقوم بدراسات مطوّلة حول تلك العناوين، ومن ثمّ يبني عليها توصيات تُرفع إلى المنظّمات الدولية المعنيّة بالتعليم والثقافة، لتقرّر هذه الأخيرة حجب مِنح التعليم عن الدول التي تنتهك معاييرها. وهو لطالما اهتمّ بدول عربية مِن مِثل لبنان، وسوريا، والسلطة الفلسطينية، والمغرب، وإيران، ومصر، إلّا أن سعيه وراء "السعودية" بدأ مبكراً، وتحديداً مع بداية الألفية الثالثة؛ إذ راجع معهد "إمباكت- أس إي" المناهج الدراسية السعودية مرّات عدّة في ظلّ تزايد الاهتمام بها عقب هجمات 11 أيلول، حيث كثرت التساؤلات حول الدور الذي لعبه النظام التعليمي السعودي في "ترسيخ التطرّف في عقول السعوديين".
دوافع مختلفة:
أظهرت الدراسة الأخيرة التي صدرت عن المعهد حديثاً أن عملية" الإصلاح" المزعومة التي أجراها النظام السعودي على الكتب الدراسية هي نتاج دوافع مختلفة أبعد من "الانفتاح" أو "التسامح"، في مقدّمتها "النهضة الوطنية" التي يقودها وليّ العهد محمد بن سلمان، والمعروفة "برؤية 2030" ومقتضياتها.
وفي هذا الإطار، سجّل المعهد في دراسة نشرها عام 2020 بعنوان "المناهج التعليمية السعودية 2016 ـ 2019: الدرب المتعرّج نحو هوية جديدة"، أن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والتفسيرات قدّمت «محتوى تحريضياً ضدّ غير المسلمين (اليهود والمسيحيين)»، مثلما استمرّ أيضاً "التوجّه المحافظ بشأن المرأة والهوية الجنسية"، فضلاً عن اعتماد عدد من التعابير" المعادية للسامية". أمّا الدراسات اللاحقة (ديسمبر 2020، سبتمبر 2021 وصولاً إلى يونيو 2022)، فرصدت "تحسّنًا ملحوظًا"، ما بين حذفٍ مباشر للمواد "الإشكالية" أو إعادة لتقديمها؛ إذ حُذفت النصوص والأحاديث التي تعبّر عن" حتمية الصراع الأزلي بين المسلمين واليهود"، كما بعض المواد "المعادية للسامية"..
التعديلات على المناهج:
بداية العام الدراسي 2022/2023، كشف وزير التعليم في النظام السعودي حمد آل الشيخ عن 120 ألف تعديل طال نحو 89 كتابًا قائمًا في المناهج التعليمية السعودية، ليصل مجموع المقررات المستحدثة إلى 52 كتابًا، بعد استحداث 34 كتابًا ومنهجًا.
تاريخيًا، حرص النظام السعودي على توحيد الخطاب الإعلامي بما يوافق التوجهات السياسية. على سبيل المثال، عام 2019، ومع استعار أزمة العلاقات التركية – السعودية على خلفية حادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول، وتزامنًا مع إعلانها الحرب على "التيار السروري" ممثلاً بجماعة الإخوان، ظهرت تعديلات على نسخٍ من منهج التاريخ تصف الدولة العثمانية بـ"الغازية" في معركة تربة مع الدولة السعودية الأولى.
ومع حلول عام 2020، كان النظام السعودي قد أدخل تغييرات واسعة في مناهجها، تناول القسم الأكبر منها تعديلات تمهّد لقبول الشارع السعودي بتطبيع العلاقات مع الكيان المؤقت. هذه التحولات كانت محط ترحيب من المبعوثة الأميركية الخاصة لمكافحة معاداة السامية ديبورا ليبستاد، خلال زيارتها الأخيرة إلى الرياض عام 2022.
في التقرير السنوي الصادر في أيار 2023، تناول معهد IMPACT-se الصهيوني في دراسة، التغييرات التي أدخلت على المناهج التعليمية للنظام السعودي، والتي قضت إلى حد كبير على "معاداة السامية" في الكتب المدرسية.
في خلاصة الدراسة، يتحدث المركز الصهيوني بعد فحصه أكثر من 80 كتاباً في المناهج الدراسية السعودية لعام 2022-2023، وأكثر من 180 كتاباً مدرسياً من المناهج السابقة، عن رصده تعديلات شملت ما يلي:
1ـ إزالة أغلب الإشكاليات المتعلقة بالموقف من اليهود والمسيحيين.
2ـ تخفيف الموقف المتشدد من الكفّار والمشركين، مع إبقاء الإشكاليات القائمة تجاه الشيعة والصوفية.
3ـ استمرار إزالة كل ما يحثّ على الجهاد والاستشهاد.
4ـ إدخال كتابين جديدين تحت مسمى "التفكير النقدي"، يسلطان الضوء على الترويج "للسلام والتسامح".
5ـ إزالة قدر كبير من المحتوى الذي يرفض الشذوذ والانحراف.
6ـ إضافة محتوى جديد ينتقد "الأيديولوجيات الدينية المتطرفة"، بما في ذلك حزب الله وداعش والقاعدة وحركة أنصار الله الحوثية وجماعة الإخوان المسلمين.
يبوّب المركز الصهيوني هذه العناوين بنقاط ثلاث:
1ـ قسم تم حذفه.
2ـ قسم تم التعديل عليه.
3ـ قسم أبقي كما هو.
وهو ما يظهر أن الموقف السعودي من الكيان الصهيوني يجري على مراحل وبشكل تدريجي. أما أبرز ما تم حذفه أو التعديل عليه لمقرارات العام الدراسي 2022/2023 فهو:
أولًا: اليهود والمسيحيون:
رصد المركز الصهيوني إزالة 19 محتوى يتعلق بالموقف من المسيحيين واليهود. وقد تمت إزالة أغلب الآيات القرآنية من كتب الدراسات الإسلامية، والتي تهاجم عبادة الأصنام والشيطان وتشير إلى عذاب الله بتحويل بعض اليهود إلى قرود وخنازير. كما حذفت الآيات التي تتهمهم بالكذب على الله وقتل الأنبياء والخروج عن دين الله، وتدعو لمحاربتهم إلا أن يدفعوا الجزية.
ثانيًا: الجهاد والشهادة:
وفيما يخص الحث على الجهاد والشهادة، أزيل كل ما يعلّم الطلّاب بأن الشهادة من أفضل الأعمال التي تقرّب إلى اللّه وأزيل كل ما يتعلق بالمنحى الروحي والعبادي للشهادة، مع إضافة أن الواجب الجهادي يصدر عن الحاكم فقط. وأضيف جزءٌ يتحدّث عن محاربة الأعداء (أنصار الله والشيعة) من أجل حماية الدين، بوصفه فعلا دفاعيًا وليس هجوميًا.
ثالثًا: الكيان المؤقت والصهيونية:
تعديلات واسعة أدخلت على كتب الجغرافيا والعلوم الاجتماعية واللغة العربية، أبرزها ما يتعلق بتغيير العقلية القائمة تجاه التضامن مع الفلسطينيين ونضالهم، مع خلق معجم مصطلحات جديد تجاه القضية.
1ـ حذف الأشعار من المقررات الدراسية التي تعارض الاستيطان وتتعلق باحتلال الأراضي الفلسطينية.
2ـ حذف اسم "فلسطين" عن الخريطة، مع عدم إضافة أي اسم على النسخة الجديدة.
3ـ إزالة إحدى المتحويات التي تعلّم الطلّاب الرد على المزاعم الصهيونية بأحقيته بالأراضي المحتلة.
4ـ حذف كل ما يتعلق بإيجابيات الانتفاضة والتعاطف مع الفلسطينيين وفضح الديمقراطية المزيفة للكيان المؤقت.
تعديلات على المصطلحات:
تم إدخال تعديلات واسعة على المصطلحات، منها ما شمل تخفيف العداء للكيان المؤقت وعدم الاعتراف به:
1ـ العدو الصهيوني: جيش الاحتلال الإسرائيلي.
2ـ العدو الإسرائيلي: الاحتلال الإسرائيلي.
3ـ الصهاينة: الإسرائيليون.
4ـ تعديلات أجريت على التوّرط البريطاني في إقامة الكيان المؤقت والخطوات المرافقة لذلك.
5ـ إزالة صور للمسجد الأقصى والتعريف بأنه موجود في القدس المحتلة.
6ـ تعديلات على مقرر يتعلق بالموقف السعودي من "الحروب العربية الإسرائيلية" وإزالة الإشارة إلى "الكيان الصهيوني"، وتحول تركيزه إلى "دعم العرب للفلسطينيين".
يذكر أن تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي حول الحرية الدينية في العالم لعام 2022، أشاد بالتحولات الكبيرة التي طرأت على المناهج المدرسية السعودية، مشيرًا إلى تقرير (IMPACT-se) الصهيوني، ومتطرقًا إلى "المحتوى الإشكالي" الذي لا يزال يحتاج إلى تعديل، ومن بين ذلك "تصوير اليهود على أنهم كفًار، واليهود والمسيحيّون في عصور ما قبل الإسلام على أنهم مخطئون ومتآمرون بقصد خداع المسلمين".
ارسال التعليق