مناهج السلطات #السعودية: جذور #الإرهاب والتكفير (1/4)
بقلم: جعفر الجشي...
كانت خطوات النظام السعودي لإحداث تغييرات في مناهج التعليم تأتي دائماً على وقع ضغوظ أميركية واضحة ومعلنة، الهدف منها الحد من جحافل التكفيريين الذين يصدّرهم النظام السعودي إلى العالم، خصوصا بعدما بدأت الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وحلفاؤها معها، يعانون من إرهاب هؤلاء التكفيريين الذين ترعرعوا على الفكر الوهابي قبل أن يتفلتوا من أي سيطرة استخباراتية كانت تديرهم وتوجههم وتسهل لهم الانتقال إلى ساحات المعارك المفضّلة لدى النظام السعودي وحليفته واشنطن، مثل العراق وسوريا واليمن وقبلها أفغانستان وغيرها.
ولم يخف المسؤولون الأميركيون، ومنذ عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، أنهم يدعمون فكرة أن يبدأ النظام السعودي بتحديث مناهج التعليم باعتبارها الفضاء الأكثر تأثيرا على عقول الطلاب، الذين تظهر الإحصائيات أنهم الأكثر تأثرا وانصياعا وراء الأفكار الوهابية المتشددة، التي لا تكتفي بسلب عقولهم بل تدفعهم إلى الانضمام للتيارات التكفيرية المتشددة في مواطن النزاع.
ومنذ الخطوات الأولى له كولي للعهد، تعهد محمد بن سلمان، بالمضي قدما نحو إعطاء الأوامر بالمزيد من تطوير المناهج التعليمية عبر إعادة صياغة المناهج الدراسية وتحديثها. التعريف السعودي لهذا التحديث هو أن تكون المناهج خالية من أي قيم يمكن الاستفادة منها في تقوية قضايا الأمة، وفي الوقت ذاته إرضاء الأميركيين بمحو ذكر الجهاد والشهادة، ولو كانت بوصلتهما الصحيحة والحقيقة هي المستهدفة.
يذكر أن النظام السعودي سبق أن أجرى حزمة تغييرات تحت عنوان "إصلاحات" في المناهج التربوية بغية تنقية الكتب المدرسية من المواد ذات المنحى الأيديولوجي الوهابي المغالي إلى حد التطرف في الدروس الدينية وغيرها، وذلك عام 2005 في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، بالتزامن مع ما سمي الحرب الأميركية على الإرهاب.
داعش أوضح منتَج سعودي:
شكلت مرحلة ظهور تنظيم داعش الارهابي التكفيري، موسم حصاد المناهج التعليمية السعودية التي سيطر عليها الفكر الوهابي. ولمّا كان مواطنو الجزيرة العربية من المسلمين الشيعة والشافعية والصوفيين ومن غير المسلمين يختبرون الثمار المرة للعقيدة الوهابية يوميا على شكل تهميش وإقصاء وسجن وتعذيب وقتل واعظام وتفجير، شكّلت المرحلة التي بدأت مع الربيع العربي، خصوصا في سوريا، مناسبة لغير مواطني الجزيرة العربية لاختبار وحشية المنتج الوهابي.
يقول أستاذ الفلسفة بجامعة صوفيا أنتيبوليس في نيس بفرنسا عبد النور بيدار، في رسالته المفتوحة إلى العالم الإسلامي أواخر العام 2014 : "إذا كنت تريد أن تعرف كيف لا تنجب مستقبلاً مثل هذه الوحوش (داعش)… لا بدّ أن تبدأ بإصلاح التعليم الذي تعطيه أطفالك برمّته، أن تصلح كلّ مدرسة من مدارسك، وجميع أمكنة المعرفة والسلطة.. هذه وسيلتك الوحيدة كي لا تُنجب مثل هذه الوحوش“.
حينها، وضع بيدار، يده على الجرح المفتوح إذ أكد أن المشكلة تكمن في "التقهقر الوهابي المتعصّب والظلامي الذي ما يزال يعيث فساداً في كلّ مكان تقريباً داخل حدودك (العالم الاسلامي)، وهي وهابيّة تنشرها انطلاقاً من أماكنك المقدّسة في "السعوديّة" كسرطان ينطلق من قلبك ذاته!”… إذًا، فالمشكلة كانت تكمن في التعليم الذي سمحت به وصاغت أسسه الوهابية، ولازالت المشكلة قائمة اليوم، إذ قررت السعودية الوهابية أن تطور مناهج التعليم بما يخدم مشروعها، فها هي بدل أن تُصلح النظام التعليمي، أوغلت في تدميره، مستبدلة الإرهاب التكفيري بالإرهاب الترفيهي. وفي كلا الحالتين، يكون الإسلام الحقيقي وقضايا العرب والمسلمين وقيمهم ضحايا "التطور السعودي" المزعوم.
عام 2014، قدّر موقع “Daily Paul” الأميركي المتخصص في الشؤون الأمنية عدد المقاتلين السعوديين في صفوف داعش بسبعة آلاف مقاتل ليحتلوا بذلك المرتبة الأولى في عدد المقاتلين لناحية الجنسية. وأقرت صحيفة “الحياة” السعودية في أكتوبر 2014 بأن المقاتلين السعودين نفذوا 60% من العمليات الانتحارية لداعش في العراق.
ولم يقتصر نشاط الانتحاريين السعوديين على سوريا والعراق، بل كانت التفجيرات والهجمات المسلحة في الإحساء والقطيف والدمام، وكذلك في الكويت من صنع أيهديهم أيضا.
مناهج التعليم مصنع الإرهاب:
لعقود طويلة، منذ نشأة الكيان السعودي في 1932، ظلت جذور التكفير تكمن في مناهج التعليم التي تُقدم للأطفال، وينشأ عليها جيلا بعد جيل، في الجزيرة العربية، وأبناء الدول التي تفتح على أراضيها مدراس سعودية من واشنطن إلى جاكرتا، مروراً بالرباط والجزائر ومدريد إلى باريس وروما وبرلين وبون الألمانيتين وفيينا وموسكو، وصولاً إلى اسطنبول وأنقرة، ومن ثم إسلام أباد إلى كراتشي فنيودلهي وصولاً إلى بكين، حتى جيبوتي. وقبل أن تقرر بريطانيا وإيرلندا إغلاق هذه المدارس.
ومنذ اليوم الأول الذي قرر فيه النظام السعودي رسم سياسته الخاصة بالتعليم بدأت المشكلة التعليمية. فقد أخذ التعليم على عاتقه، وفقا لسياسة النظام، أن يعكس التصور الديني الرسمي الذي يتبناه باعتباره النموذج الوحيد والشرعي القابل للتعليم، فيما تعتبر بقية المدارس العقائدية والفقهية مرفوضة وغير معترف بها رسميا، بل وينبغي محاربة "ضلالها وبدعها" حسب تصنيف وزعم الفرقة الوهابية المتطرفة.
حقبات متعددة مرّ بها التعليم لدى النظام السعودي، بدءًا من الستينيات إبان حكم فيصل بن عبدالعزيز، حين ازداد نفوذ جماعة الاخوان المسلمين في النظام السعودي الذي احتضنهم في إطار صراعه مع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر. فلعبوا الدور الأهم في تحديث مجال التعليم وصياغة البرامج التربوية، في ظل عجز المؤسسة الوهابية عن القيام بهذا الدور، وفق ما يوثق كتاب "زمن الصحوة.. الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية".
وبعد أحداث سبتمبر عام 2001، كُتب الكثير في الصحافة العربية والغربية عن ضغوط مارستها الإدارة الأميركية للدفع باتجاه تغيير المناهج التربوية، التي قيل يومها إنها تقف وراء العنف الذي يُمارس باسم الدين.
حتى صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية كتبت في 3 فبراير 2003 عن ذلك. ونقلت تصريحاً لوزير التعليم السعودي محمد الرشيد آنذاك: “يقول الناس ان النظام التعليمي هو السبب في المواقف العنيفة ضد البلدان والاديان الاخرى، ولكن هذا ليس صحيحاً. ولو كان صحيحاً فإن كل السعوديين الذين تلقوا تعليمهم تحت هذه المناهج كانوا سيشاركون في هذه الاعمال”.
إلا أن الصحيفة أوردت ما يرد على كلام الرشيد، فكتبت: "قامت السلطات السعودية بمراجعة كل الكتب الدراسية بحثا عن أية مظاهر للتطرف ووجدت ان 5 في المائة من المواد المقررة يجب حذفها"، إلا أن تنقيح المناهج التربوية لم يكن جدياً، لأن الفريق الذي وضع منهج التعليم الديني في المدارس الحكومية هو نفسه من قام بالمراجعة مبقياً على المضمون ذاته.
صورة تشكيل العقل التكفيري على يد النظام السعودي تظهر من خلال البحث في مقرر التوحيد المعتمد في المناهج الدراسية، وتتضح أكثر عندما يُعتمد المقرر نفسه، المستند إلى كتاب "التوحيد" لمحمد بن عبدالوهاب، ككتاب كان يُدرس في المدارس التي أقامها تنظيم داعش في مدن كحلب والرقة.
كان كل ذلك في وقت لم يكن النظام السعودي قد رفع لواء الترفيه بعد، ولم يكن التغيير المعمول به حاليا ضمانة لمستقبل النظام وطموح ولي العهد الحالي محمد بن سلمان السلطوي، الذي دُفع بموجب تغير الظروف الإقليمية والدولية بطريقة لا تناسب الرهانات السعودية التاريخية، إلى محاولة بناء "هوية سعودية جديدة" قائمة على نبذ التاريخ الأسود لآبائه وأجداده والتسويق لمشروع جديد يكون ركيزته الاساسية "الانفتاح على الجميع" بمَن فيهم كيان الاحتلال الصهيوني، وبموجبات كثيرة لهذا الانفتاح، بما فيها تغيير المناهج التعليمية بما يُرضي "اليهود والنصارى".
ارسال التعليق