واشنطن تغرق في مستنقع اليمن (مترجم)
وصل وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، إلى السعودية في 18 إبريل الجاري، للاجتماع مع العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، ومسؤولين رفيعي المستوى، في إطار جولة إقليمية تضمنت أيضًا جيبوتي ومصر وإسرائيل وقطر.
وأشاد رئيس البنتاجون بالمملكة التي وصفها بأنها “أفضل شركاء مكافحة الإرهاب لدى واشنطن”، وهذا يسمح بتعزيز دورها القيادي الإقليمي لاستعادة الاستقرار في هذه المنطقة الرئيسية من العالم.
وفي اليوم التالى اقترح مسؤول من الإدارة أن يقوم دونالد ترامب بزيارته الأولى للسعودية كرئيس للولايات المتحدة، وبينما تحدث ماتيس مع محمد بن سلمان، نائب ولي العهد السعودي ووزير الدفاع، قال ماتيس إن قوة السعودية تخدم مصالح واشنطن.
وبناء على زيارة محمد بن سلمان للبيت الأبيض في مارس الماضي، والتي وصفها المسؤولون السعوديون بأنها نقطة تحول تاريخية في العلاقات الأمريكية السعودية، ساعدت زيارة ماتيس الأخيرة الرياض في تعزيز الثقة السعودية في نهج إدارة ترامب المؤذي تجاه إيران.
وبعد الثناء على دعم السعودية لمصر والأردن، أحد حلفاء الولايات المتحدة المقربين، أدان ماتيس دعم إيران لحزب الله اللبناني والرئيس السوري بشار الأسد، وكذلك نشر قوات عسكرية خاصة في سوريا.
أعرب ماتيس عن دعم البيت الأبيض للحل الدبلوماسي للحرب الأهلية في اليمن، والذي يتضمن ضم الحوثيين إلى مائدة المفاوضات، وهنا يبدو أن إدارة ترامب بدأت ترى أن العمل العسكري لا يمكنه تحقيق السلام في اليمن، ولكن الإدارة ترى أيضًا أنه يجب توجيه ضربات كثيرة للحوثيين قبل جلبهم إلى مائدة المفاوضات من أجل التسوية، حيث ذكرت وكالة أنباء أسوشييتد برس أن المسؤولين الأمريكيين أكدوا أن الضغوط العسكرية المكثفة على الحوثيين ضرورية لإنهاء الأزمة اليمنية.
وطالب ماتيس بإزالة القيود التي فرضتها الإدارة السابقة على دعم التحالف الذي تقوده السعودية، الأمر الذي سيؤدي على سبيل المثال إلى زيادة الدعم العسكري الأمريكي لقوات الإمارات في اليمن دون الحاجة إلى موافقة البيت الأبيض على كل حالة على حدة.
وتعتقد المصادر السعودية والإماراتية أن الأمريكيين سيشاركون في الضربات للبنية التحتية للبحر الأحمر اليمني لإضعاف الحوثيين وحلفائهم.
وفي إطار رئاسة باراك أوباما، ساعدت الولايات المتحدة التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، ابتداء من مارس 2015، من خلال توفير الأسلحة وأجهزة المخابرات والتزويد بالوقود للطائرات الحربية السعودية، على الرغم من الإدانة الواسعة من منظمة العفو الدولية، التي ذكرت أن التحالف الذي تقوده السعودية يشن ضربات عشوائية وهجمات غير متناسبة على المراكز المدنية، بالإضافة إلى استخدامها للقنابل العنقودية المحظورة دوليًّا.
ومع ذلك فإن إدارة أوباما رفضت في نهاية المطاف اقتراح أبو ظبي بشن هجوم مدعوم من الولايات المتحدة على الحديدة، ميناء اليمن على البحر الأحمر ذي الثروات الاستراتيجية، وتعتقد الإدارة السابقة أن محاولة القيام بهذه الحملة الخطرة لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، مما قد يدفع البلاد إلى مجاعة جماعية.
وتعتبر الحديدة نقطة دخول رئيسية للمساعدات الإنسانية لليمن، والقصف السعودي- الإماراتي على الحديدة قد يجلب معاناة الشعب اليمني إلى مستوى جديد، خاصة إذا كان الحوثيون يستعدون لشن حرب شاملة متوقعة من أجل الميناء، واقترح التحالف الذي تقوده السعودية وضع الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة، إلا أن الأمم المتحدة رفضت هذه الفكرة.
وتنظر إدارة ترامب حاليًّا في تعزيز الدعم الأمريكي لعملية سعودية وإماراتية متوقعة، تهدف إلى طرد مقاتلي أنصار الله من هذا الميناء. ومما لا شك فيه أن شواغل الإدارة السابقة كانت أكثر مما يبررها، ومن المؤكد أيضًا أن مثل هذه العملية تأتي بتكاليف هائلة لسكان اليمن وجميع الجهات الفاعلة المشاركة في القتال.
لم يتخذ البيت الأبيض قرارًا بشأن الحديدة، إلا أنه يجب أن ينظر في مخاطر زيادة الدعم الأمريكي للقصف السعودي – الإماراتي على مرفأ البحر الأحمر، لأن ردود الفعل ستكون عنيفة تجاه السعوديين، إذا تسبب ذلك في مجاعة جماعية في أنحاء البلاد التي مزقتها الحرب.
وعلى الرغم من أن إدارة ترامب أظهرت دعمها لبيع الأسلحة للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، إلا أن الكونغرس يواصل أداء دور رئيسي في هذه المبيعات، واعتمادًا على الكيفية التي تتكشف بها الأزمة اليمنية في الأشهر المقبلة، قد يبدأ المشرعون الأمريكيون في التشكيك في مصلحة الولايات المتحدة في دعم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن واتخاذ موقف مختلف عن البيت الأبيض بشأن بيع أسلحة متطورة للمملكة في هذه المرحلة.
وإلى جانب مخاطر تفاقم الأزمة الإنسانية والرأي العام، هناك أيضًا عوامل استراتيجية هامة على أرض الواقع للنظر فيها، أولًا أهمية ميناء الحديدة كمنفذ وظيفي للبلاد، وحال قصف هذا الميناء يمكن لقبائل يمنية لا تدعم الحوثيين أن تأتي إلى صفهم.
ثانيًا نظرًا لأن الإدارة تركز على مواجهة الجهات الفاعلة السلفية في اليمن، وبصفة أساسية تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش، فإن تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد يمكن أن يقدم بسهولة لمثل هذه التنظيمات أرضًا خصبة لتوسيع وتعزيز نفوذهم.
إن السعوديين، الذين ذلوا بسبب عدم قدرتهم على استعادة “الحكومة الشرعية” في اليمن، وسحق الحوثييين، وإعادة السلام إلى اليمن حتى الآن في حملتهم العسكرية المستمرة منذ 25 شهرًا، يأملون في أن يزيد ترامب من الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده الرياض، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من رئاسته ترك ترامب وحكومته دول الخليج العربي متفائلة بشكل متزايد إزاء تبني واشنطن لموقف أكثر عدوانية تجاه إيران، بعد ثماني سنوات، مما اعتبره معظم قادة دول مجلس التعاون الخليجي قيادة أمريكية ضعيفة وغير حاسمة خلال رئاسة أوباما.
قرار الإدارة في الحديدة سيكون واحدًا من أوائل وربما أهم القرارات التي ستتخذ بشأن اليمن، ومن المؤكد أن دعم الولايات المتحدة القوي للحملة السعودية – الإماراتية لإنهاء السيطرة الحوثية على الميناء سيعزز بالتأكيد ثقة الرياض وأبو ظبي في البيت الأبيض، حيث تعتبر دول الخليج العربي غزو الحديدة مكسبًا رئيسيًّا في معركة بين الوكلاء السعودية وإيران للتأثير على مضيق باب المندب الاستراتيجي، إلا أن ذلك يشكل مخاطر كبيرة من حيث انتشار المجاعة ورد فعل المجتمع الدولي، وإمكانية سيطرة تنظيم القاعدة وداعش في شبه الجزيرة العربية.
ترجمة : ريهام التهامي
ارسال التعليق