اغتيال المعتقلين في السجون السعودية.. نموذج للانفتاح القادم؟!
في ظل غياب العمل الديمقراطي وانعدام الحريات بات مركزا للانتقام من الأفراد وتلقينهم أبشع صور التعذيب والإذلال الجسدي والنفسي، حيث يتفنن السجان بابتداع الأساليب الجديدة لإنهاء حياة إنسان لم يرق إلى صفة مواطن في بلد لا يفقه في المواطنة شيء.
عادت بقوة على بساط البحث مسألة الانتهاكات التي ترتكب بحق المعتقلين في السجون السعودية بعد استشهاد المعتقل حبيب الشويخات من مدينة سيهات بالقطيف بالمنطقة الشرقية في سجون السلطة بسبب حرمانه من العلاج، ما يعيد فتح الباب التساؤلات اللامتناهية حول منظومة الحقوق في المملكة ككل وبالتحديد داخل السجون وآليات الاعتقال والعمل داخل المعتقلات وكيفية إجراء التحقيقات وأي اعتداءات ترتكب بحق الموقوفين، وصولا لإعادة طرح قضية المحاكمات العادلة المفقودة في البلاد وعدم تطبيق أبسط المبادئ القضائية والقانونية.
ففي ظل الصمت المطبق الموجود في المملكة من قبل السلطة حيث لا يتم التصريح عما يجري داخل السجون رغم وجود كثير من المعلومات غير الخافية على أحد حول مدى المساس بحقوق الإنسان المعتقل وعدم توفر أي بصيص أمل للمعتقلين بالحصول على الحد الأدنى من حقوقهم، على الرغم أنه في أي دولة في العالم يجب أن يتم الإعلان عن حقوق وواجبات السجين، ففي الدول الديمقراطية التي تعمل وفق القانون والأنظمة ويحترم فيها الإنسان كإنسان، السجن ليس فقط للتأديب والعقاب بل هو للإصلاح وفرصة لإعادة السجين إلى المجتمع بصورة أفضل وبث روح التفاؤل والحياة فيه من جديد كي يصبح إنسانا ايجابيا منتجا صالحا بعد خروجه. مراكز للانتقام والتعذيب..
أما في المملكة السعودية فالسجن في ظل غياب العمل الديمقراطي وانعدام الحريات بات مركزا للانتقام من الأفراد وتلقينهم أبشع صور التعذيب والإذلال الجسدي والنفسي، حيث يتفنن السجان بابتداع الأساليب الجديدة لإنهاء حياة إنسان لم يرق إلى صفة مواطن في بلد لا يفقه في المواطنة شيء، فالسجين في المملكة السعودية التي تدعي الانتماء إلى الإسلام هو معتقل لأسباب سياسية في كثير من الأحيان لأنه تجرأ على الخروج عن صمته والتعبير عن رأيه في انتقاد السلطة وممارساتها الخاطئة وانتهاكاتها المتمادية، على الرغم من أن هذا الإنسان في قوته وجرأته استطاع التفوق على دول ومنظمات وجهات مختلفة ورؤساء دول ممن دفنوا رؤوسهم بالتراب خشية المصالح وأموال السلطة السعودية، فنرى بعض من يتغنى بشعارات حقوق الإنسان لا يجرؤ على انتقاد الانتهاكات الإنسانية في المملكة سواء داخل السجون أو خارجها خشية خسارة صفقة بيع سلاح من هنا أو إلغاء مشروع استثماري من هناك.
والمنع من العلاج السبب الذي أودى بحياة الشهيد حبيب الشويخات، هو أحد أبرز وسائل التعذيب للمعتقلين في المملكة، حيث يترك الإنسان يعيش مرارة الألم وفقدان الصحة وصولا لحد الموت في أبشع صورة لترك الإنسان يموت ببطء في مخالفة لكل القوانين والقيم الدينية والأخلاقية، فهل تخرج السلطة السعودية للبوح بما جرى مع الشهيد الكويخات وغيره من الشهداء فعلا من دون تزييف أو تحريف؟ هل تجرؤ السلطة السعودية السماح بإجراء تحقيق شفاف حول ما جرى؟ هل تسمح هذه السلطات على فتح السجون أمام المنظمات الدولية والإنسانية وأمام الإعلام؟ هل تجيب هذه السلطة على كل التساؤلات في هذا المجال؟ صمت السلطة وثبوت التهمة..
الأكيد أن الصمت المطبق من قبل السلطة يحمل دلالات مؤكدة بثبوت التهمة عليها بأن القتل يسير على قدم وساق داخل السجون سواء كان قتلا بطيئا أو سريعا حتى إثبات العكس، وصحيح أنه في المبادئ القانونية أنه لا ينسب لساكت قول إلا أنه أيضا هناك من يؤكد أن السكوت في معرض الحاجة بيان، فعدم توضيح كل ما يجري هو تأكيد على تورط السلطة بدماء الشهيد الشويخات وغيره من الشهداء في مراكز القوى الأمنية والسجون، والأساس أن من يدعي محاربة الفساد وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة وسليمة لا يمكن له الركون والقبول بكل ما يجري في المعتقلات ومجال انتهاك حقوق الإنسان.
ولكن عندما يطلب التوضيح الرسمي من قبل السلطة يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هناك تهما جاهزة غب الطلب وتستخدم بحسب الحاجة من قبل المعنيين سياسيا وأمنيا، ويجري إلباس كل شهيد أو أسير التهم بحسب المخطط المعد مسبقا أو تبرير جرائم ترتكب في السجن أو في مختلف المناطق، وقد تمرست قوات الأمن السعودية في إتباع هذا الأسلوب لا سيما بحق النشطاء السلميين وأبناء المنطقة الشرقية، ومؤخرا قتل أحد الشبان في العوامية ولتبرير خطأ وجريمة العناصر الأمنية جرى اتهام الشهيد أنه اشترك مع آخرين بتنفيذ مخططات أمنية في تهمة اعتاد الناس سماعها وهي لغة ممللة وممجوجة لا تقنع أحدا لا في الداخل ولا في الخارج. لتحقيق شفاف ونزيه..
وكشف الحقائق الحل الأنسب لمعالجة الإشكاليات والتساؤلات حول ما يجري فعلا ومنع حصول التباسات إضافية، هو السماح بتشكيل لجان تحقيق دولية أو إسلامية من دول يثبت عدم تورطها بمصالح مباشرة مع القيادة السعودية، لكشف حقيقة ما يحصل في المعتقلات ومنع إخفاء الجرائم التي ترتكب بحق السجناء سواء كانت جرائم تعذيب أو قتل أو غيرهما، والإعلان عن نتائج التحقيقات بشكل واضح وشفاف دون غموض أو تغطية، والهدف هنا يكون كشف مصير الكثير من المعتقلين الذين يعيشون في غياهب السجون وتوثيق الجرائم أن وقعت وإعلان حقيقة صورة المملكة للرأي العام بدل أن تبقى عرضة للشكوك والاتهامات، فلماذا لا تتحرك السلطة السعودية لإظهار الإثباتات على مدى نزاهتها من الجرائم المنسوبة إليها لا سيما مع ارتفاع أعداد الوافيات في السجون سواء بسبب التعذيب أو عدم تقديم العلاج الكافي.
وبالسياق، تجدر الإشارة إلى الأنباء المتداولة التي تؤكد ارتكاب السلطات انتهاكات جسيمة بحق السجناء خلية “الكفاءات” الذين تم تصديق أحكام الإعدام بحقهم من قبل “محكمة الاستئناف” الجزائية بالرياض، حيث يجري التداول إلى إجبار بعضهم على التوقيع على أوراق تجيز للسلطة التصرف بأعضائهم بعد تنفيذ الإعدامات، وهذا الأمر إن تم فهو يمثل قمة الانتهاك لقيمة الإنسان وضربة كبيرة جدا لكل من يحاول الترويج لعدالة وإنسانية هذه السلطة لأن ما يجري يكون ببساطة قتل إنسان للاستفادة والاتجار بأعضائه، أي أنه يتم تلفيق تهمة لشخص ويرتكب بحقه كل ما يرتكب من انتهاكات وصولا لقتله وبيع أعضائه، فعن أي دين أو دولة أو قانون أو مكافحو بعد ذلك يتحدثون؟ وهذه الأمور هي برسم السلطة السعودية أولا التي تعلن عن مشاريع وخطط لنقل البلاد إلى زمن الانفتاح والمدنية، وبرسم كل من يروج لحسن تصرفات ولي العهد محمد بن سلمان وأنه يفتتح سجون باب أول أو معتقلات خمس نجوم في فنادق فاخرة بينما الواقع أنه يمرر جرائم يندى لها جبين البشرية وتحتاج لتدخلات عاجلة من قبل المنظمات الدولية والانتربول لأنه ينذر بوجود عصابات تعمل في هذا المجال ويجب الاطلاع من السلطات السعودية على حقيقة ما يجري وأن كان يتم بمعرفة الأجهزة المعنية في الدولة أم أنه تصرفات لإفراد بغية تحصيل المنافع المادية والمالية؟
بقلم : مالك ضاهر
ارسال التعليق