التمييز مستمر ضد المرأة من خلال نظام ولاية الرجل
أكدت منظمات حقوقية أن التمييز مستمر ضد النساء والفتيات في السعودية من خلال نظام ولاية الرجل، مطالبة الرياض بتعزيز حقوق المرأة تحت إشراف اللجنة المعنيّة بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة.
وفي 9 أكتوبر 2024، قامت لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة بفحص سجلّ السعوديّة خلال دورتها الخامسة للاستعراض الدوري.
وبعد استعراضها لسجلّ السعوديّة، أصدرت اللجنة ملاحظاتها الختاميّة بشأن سجلّ البلاد فيما يتعلّق بحماية حقوق المرأة في 29 أكتوبر 2024، وحدّدت أكثر من عشرين مجالًا رئيسيًّا للقلق فيما يتعلّق بتنفيذ السعوديّة لالتزاماتها بموجب اتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو)، التي صدّقت عليها في عام 2000.
وقد أصدرت اللجنة توصيات تتعلّق باستهداف المدافعات عن حقوق الإنسان، واستخدام عقوبة الإعدام، وعدم حماية العاملات المنزليّات المهاجرات، واستمرار نظام ولاية الرجل الفعلي، وغيرها من القضايا المتعلّقة بحماية حقوق المرأة في السعوديّة.
وحثت اللجنة الدولة الطرف على اعتماد وقف للعمل بعقوبة الإعدام، ووقف إعدام جميع النساء المحكوم عليهنَّ بالإعدام حاليًّا، والنظر في تخفيف جميع أحكام الإعدام إلى أحكام بالسجن.
وقد أُثيرت هذه التوصيات في ضوء استمرار السعوديّة في الإبقاء على عقوبة الإعدام في أنظمتها وممارساتها، وإعدام ما لا يقلّ عن 11 امرأة من جنسيّات مختلفة بين يناير 2020 ويوليو 2024.
كما حثّت اللجنة السعوديّة على ضمان قدرة المدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات، وخاصّة اللواتي يدعون إلى إلغاء نظام ولاية الرجل، على القيام بعملهنَّ المشروع وممارسة حقوقهنَّ دون التعرّض للمضايقة والمراقبة والاعتقال التعسّفي والمحاكمة.
وسلطت الضوء أيضًا على إساءة استخدام نظام مكافحة الإرهاب (2017) ونظام مكافحة جرائم المعلوماتيّة (2007) لاستهداف المدافعات عن حقوق الإنسان انتقامًا لممارستهنَّ حقّهنَّ في حرّيّة التعبير، وإخضاعهنَّ للاعتقال التعسّفي، والأحكام بالسجن لفترات طويلة، والإجراءات العقابيّة مثل حظر السفر لفترات طويلة.
لم تتناول السلطات السعوديّة القضايا المتعلّقة بمحاكمة المدافعات عن حقوق الإنسان خلال الاستعراض، وبدلًا من ذلك ذكرت أنّ أكثر من 50 إصلاحًا أو إجراءً تشريعيًّا ومؤسّسيًّا وقضائيًّا وإجرائيًّا قد كُرّست لحقوق المرأة وتمكينها خلال الفترة المشمولة بالتقرير، بما في ذلك اعتماد نظام الأحوال الشخصيّة الجديد.
وكاشفة عن صورة مختلفة تمامًا في ملاحظاتها الختاميّة، لاحظت اللجنة بقلق أنّ العديد من التشريعات تنتهك اتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة وأنّ النظام المحلّي لا يقدّم تعريفًا للتمييز ضدّ المرأة وفقاً للمادّتين 1 و2 من الاتفاقيّة.
كما لاحظت بقلق أنّ نظام الأحوال الشخصيّة يشترط على الزوجات طاعة أزواجهنَّ “بطريقة معقولة”، ويسمح للأزواج بجعل دعمهم المالي “مشروطًا بطاعة الزوجة”، ويجيز زواج الفتيات دون سِنّ 18 عامًا في بعض الحالات.
في الواقع، لا يزال التمييز ضدّ النساء والفتيات يُرتكب من خلال نظام ولاية الرجل. وعلى الرغم من أنّ السلطات السعوديّة قد نفّذت إصلاحات في نظام ولاية الرجل في السنوات الأخيرة، مثل السماح للنساء بالحصول على جوازات سفر والحصول على سجلّ عائلي والسفر دون إذن ولي الأمر الذكر، إلا أنّ جوانب مختلفة من النظام لا تزال سارية المفعول قانونًا وممارسةً.
وقد أشارت اللجنة إلى أنّ “النساء لا يزلنَ بحاجة إلى إذن ولي الأمر الذكر للحصول على الخدمات الصحيّة، والتي تتضمّن خدمات الصحّة الجنسيّة والإنجابيّة، وأنّ الجوانب المختلفة لزواج النساء وحياتهنَّ الأسريّة لا تزال تعتمد على إذن ولي الأمر، ممّا يسهّل العنف المنزلي ويحدّ من وصول النساء إلى العدالة.
وفي تناقض صارخ مع ادعاء الوفد السعودي بأنه “لا توجد قيود على حرّيّة حركة أي فرد، إلا بموجب النظام أو الحكم القضائي”، وثّقت منظّمات حقوق الإنسان استخدام السعودية لحظر السفر التعسّفي وغير الرسمي المفروض على المدافعين عن حقوق الإنسان وأُسَرهم، أحيانًا دون أمر من المحكمة.
فعلى سبيل المثال، حُكم على لجين الهذلول بحظر سفر لمدّة عامين وعشرة أشهر بعد الإفراج عنها من السجن في عام 2021 كجزء من إدانتها.
وعلى الرغم من انتهاء حظر سفرها رسميًّا في 13 نوفمبر 2023، حاولت السفر في فبراير 2024 وأُبلغت على الحدود أنها لا تزال تخضع لحظر سفر دائم. كما تخضع أسرتها لحظر سفر منذ عام 2018 دون أيّ أمر قضائي.
وقد أوصت اللجنة بأن تقوم السعوديّة “برفع حظر السفر المفروض حاليًّا على المدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات، والتأكّد من أنّ المدافعين عن حقوق الإنسان، وخاصّة أولئك الذين يدعون إلى إلغاء نظام ولاية الرجل وحظر السفر، يمكنهم بحرّيّة […] ممارسة حقوقهم في حرّيّة التعبير”.
وأخيرًا، شدّدت اللجنة على قلقها إزاء عدم حماية العاملات المنزليّات المهاجرات، اللواتي يُستثنين صراحةً من الحماية بموجب نظام العمل، بما في ذلك القضايا الرئيسيّة المتعلّقة بالحدّ الأقصى لساعات العمل، وأجر العمل الإضافي، والإجازة السنويّة، والإجازة المرضيّة.
كما سلّطت الضوء على أن العمّال المنزليّين المهاجرين يخضعون لنظام الكفالة الذي لا يزال يربط وضعهم القانوني بأرباب عملهم، ممّا يعرّضهم لخطر الإساءة الاقتصاديّة والجسديّة والاتجار والاستغلال.
وقد حثّت اللجنة السعوديّة على تعديل نظام العمل لتوسيع نطاق حمايته ليشمل جميع العمّال المهاجرين. كما دعت الدولة الطرف إلى إنشاء آليّات شكاوى سرّيّة ومستقلّة للعاملات المهاجرات للإبلاغ عن عقود العمل المسيئة وإجراء عمليّات تفتيش دوريّة منتظمة لأماكن عمل النساء ومهاجعهنَّ.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الوفد السعودي في هذا الاستعراض قد ترأّسته هيئة حقوق الإنسان السعوديّة. وفي حين تقدّم الهيئة نفسها على أنها مؤسّسة وطنيّة مستقلّة لحقوق الإنسان، فقد أُرسلت أيضًا كرئيس لوفد حكومي للدفاع عن موقف المملكة.
وتقوّض هذه الممارسة استقلاليّة هيئة حقوق الإنسان السعوديّة وتتعارض مع مبادئ باريس، التي تنصّ على أنه “لا ينبغي لمؤسّسات حقوق الإنسان الوطنيّة المشاركة كجزء من وفد حكومي خلال الاستعراض الدوري الشامل، أو خلال الاستعراضات الدوريّة أمام هيئات المعاهدات، أو في الآليات الدوليّة الأخرى التي تَرِد فيها حقوق المشاركة المستقلّة لمؤسسات حقوق الإنسان الوطنيّة”.
وفي ملاحظاتها الختاميّة، حثّت اللجنة السعوديّة على ضمان استقلاليّة هيئة حقوق الإنسان السعوديّة عن الحكومة.
وقد أكّدت منظّمات المجتمع المدني المشاركة في الاستعراض أنّ هيئة حقوق الإنسان السعوديّة تدعم صورة “مواتية وتقدّميّة” للنهوض بحقوق المرأة، والتي تفشل في الاعتراف بالواقع القاسي لانتهاكات حقوق الإنسان والتمييز القائم على النوع الاجتماعي الذي تتعرّض له النساء في السعوديّة.
وقبل الاستعراض، تلقّت اللجنة رسائل من منظّمات المجتمع المدني المحليّة والإقليميّة والدوليّة لتقديم معلومات حول كيفيّة تقييم امتثال السعوديّة لاتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة.
وخلال المرحلة السابقة للدورة، دُعيت الجهات الفاعلة في المجتمع المدني أيضًا لتقديم معلومات شفهيّة إلى أعضاء اللجنة في كلّ من الجلسات العلنيّة والمغلقة.
فعلى سبيل المثال، أدلت الناشطة السعوديّة في مجال حقوق الإنسان، لينا الهذلول، بيانًا شفهيًّا علنيًّا، حيث ذكّرت اللجنة بأنّ شقيقتها، لجين، قد شاركت في استعراض السعوديّة الأخير في عام 2018، وتم اعتقالها لاحقًا بسبب مشاركتها.
وعلى الرغم من الإفراج عن شقيقتها منذ ذلك الحين، إلا أنها لا تزال تخضع لحظر سفر دائم تعسّفي غير قانوني كعمل انتقامي وذلك لتقييد عملها في مجال حقوق الإنسان وحقّها في حرّيّة التعبير وحرّيّة الحركة.
ارسال التعليق