الاقتصاد السعودي يمرّ بأسوأ الاضطرابات
يمرّ اقتصاد السعودية بأسوأ اضطراب شهده في تاريخه الحديث، إذ أصبح مألوفاً التباين بين مصيرَي الفشل أو النجاح، في العاصمة الرياض فمن لا يستطيع التكيّف لن يجد سوى التلاشي والموت مصيراً. هذه عُصارة تقرير موسّع للكاتبة فيفيان نيريم نشرته وكالة «بلومبيرج» الاقتصادية الأمريكية.
وأشارت الوكالة إلى الوهن الذي أصاب كثيراً من المؤسسات بسبب التراجع الاقتصادي الكبير الطارئ على السعودية، التي انخفضت فيها مستويات المداخيل، بينما ارتفع معدل البطالة إلى أعلى مستوياته في أكثر من 10 سنوات ليصل إلى 12.9% نهاية مايو الماضي. وتتصاعد المخاوف على أحوال الاقتصاد السعودي، بعدما دفعت سلطاته التكلفة الكبرى للولايات المتحدة، لتمرير الحصار على دولة قطر وتبريره، وتكبدت أكثر من 500 مليار دولار، وهي كلفة يقول محللون إنها كانت كافية لإنعاش اقتصاد المنطقة كلها، وليس السعودية فقط.
في السياق، يورد التقرير أن التباين الصارخ بين الفشل والنجاح يصبح مشهداً مألوفاً أكثر فأكثر بالعاصمة السعودية، حيث تمر المملكة التي مضى على تأسيسها 86 عاماً بأكبر اضطراب في تاريخها الحديث، ضمن سعيها لبناء نموذج اقتصادي رأسمالي على النمط الغربي. فمع تقليص الحكومة الدعم وارتفاع التكاليف، بات بقاء الشركات مرهوناً بيد قوى السوق المختلفة. وتنقل وكالة «بلومبيرج» الاقتصادية عن مديرين شكواهم، قائلين إنهم لا يستطيعون مواكبة مسار الأمور، حتى مع تراجع الدولة عن بعض تخفيضات الإنفاق العام للحفاظ على النمو الاقتصادي. ويرصد التقرير واجهات المحلات الشاغرة على طول الطريق الرئيسي في الرياض، بينما هناك حتماً مستفيدون، مع بحث جيل الألفية عن طرق للاستفادة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي هزّت المملكة خلال العامين الماضيين.
رسالة ولي العهد السعودي تقوم على أن «المقاومة ليست خياراً»، على حد تعبير الوكالة، التي تضيف أن المستقلين من رجال الدين والأسرة المالكة المتهمين بالفساد، وآخرين اعتُبروا معارضين للنظام الجديد، وجدوا أنفسهم وراء القضبان، فيما يأمل بعض أصحاب الأعمال، عبثاً، أن تعكس الحكومة مسارها، كما يقول رئيس شركة «KPMG LLP» في المملكة، عبدالله الفوزان.
«إما أن تتكيّف أو تختفي»، يقول الفوزان الذي تجري شركته التدقيق المحاسبي لآلاف الشركات السعودية، مضيفاً: «لجعل الناس يتغيّرون، عليك أن تصدمهم».
مدفوعاً بهبوط أسعار النفط منذ عام 2014، يحاول حاكم السعودية الفعلي (ولي العهد محمد بن سلمان) تنويع الاقتصاد المعتمد على البترودولار، وإصلاح المالية العامة مع توفير فرص عمل كافية لسكان يزدادون عدداً. وهذا بالنسبة للشركات، يعني نعياً لعصر العمالة الرخيصة والطاقة المدعومة والعقود الحكومية السهلة، بحسب «بلومبيرج».
وفصلت مطاعم ومتنزّهات الخليج، التي تدير شركة «فورشيتا» والعديد من سلاسل المطاعم الأخرى، 500 موظف في السنوات القليلة الماضية، ما أدى إلى تقليص عدد العاملين لديها إلى 700، بحسب مدير العمليات ربيع غسطين. كما أغلقت الشركة حوالي 5 مطاعم كان بينها فرع «Forchetta» الجديد.
الوكالة تنقل عن غسطين قوله: «لم نشعر بالأزمة حتى منتصف عام 2017»، مضيفاً أن المبيعات انخفضت بين 20% و25% في بعض المطاعم، ونحن بحاجة إلى وقف النزيف، الأمر بهذه البساطة».
والتحديات التي يواجهها مديرون مثل غسطين هائلة. فخلال هذه السنة وحدها، لجأت الحكومة إلى رفع أسعار الكهرباء والبنزين، وأدخلت الضريبة على القيمة المضافة، وطلبت من الشركات دفع رسوم إضافية لتوظيف أجانب، علماً أن كثيرين منهم يحصلون على رواتب أقل مما يحصل عليه السعوديون.
وقد غادر مئات آلاف العمال الأجانب البلاد، وانحسرت قاعدة الزبائن، ليس فقط في المطاعم والمتاجر، بل أيضاً في المدارس الخاصة وشركات الاتصالات. وفي هذا الإطار، ومع بداية تطبيق السياسات التي تعتبرها السلطات السعودية «إصلاحية»، في سياق تنويع مواردها وتقليل الاعتماد على النفط، أصبحت المملكة تشهد موجة من إقبال العمال الأجانب على مغادرتها بأعداد قياسية، بعدما فرضت السلطات رسوماً عالية على الوافدين والشركات التي تسرّح أفواجاً من العاملين لديها في صراعها من أجل البقاء داخل اقتصاد أصابه الركود في مقتل.
فقد أكدت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية أن عدد المغادرين للمملكة ضرب مستوى قياسياً تجاوز 667 ألف أجنبي منذ بداية عام 2017، بسبب السياسات «الإصلاحية»، استناداً إلى بيانات رسمية.وهذا يحصل فيما تواجه شركات الاتصالات العديد من التحديات التي تعكس مزيداً من الخسائر، آخرها شركة الاتصالات المتنقلة «زين»، التي تعد ثالث شركة للاتصالات النقالة في السوق السعودية، والتي حققت خسائر قدرها 115 مليون ريال (30.6 مليون دولار) بنهاية النصف الأول 2018.
الباحثة المقيمة لدى «معهد دول الخليج العربي» في واشنطن، كارين يونج، تصف اقتصاد السعودية بأنه «سفينة كبيرة» تغيير وجهتها ليس أمراً سهلاً. إذ لن تكون موجة الشركات العصرية، مثل شاحنات الطعام وصالات الرياضة النسائية، كافية لإجراء تحوّل في القطاع الخاص داخل المملكة، مضيفةً: «لا أزال أرى الدولة مركزيّة بالنسبة إلى الاتجاهات العامة للنشاط الاقتصادي». وثمة خطر آخر يحيط بالمملكة، بحسب وكالة «بلومبيرج»، وينبعث من أن الخطة قد توسّع الفوارق بين الأغنياء والفقراء، وكذلك بين المحافظين والنخبة الكوزموبوليتانية، مشيرةً إلى وجود تذمّر فعلي من موجة الغلاء، فيما تصل نسبة البطالة بين السعوديين إلى 13%. وكان قطاع البناء والتشييد واحداً من أكثر القطاعات تضرراً من الانكماش الاقتصادي. ومع تقليص الدولة الإنفاق العام، انخفض عدد العقود، وأخّر المسؤولون سداد المدفوعات للمقاولين، فتعثّرت الشركات العملاقة، أو انهارت.
ويشير تقرير «بلومبيرج» إلى أن الشباب يمثّلون أيضاً أكبر تحدٍ للأمير، بخاصة أن حوالي 70% من سكان السعودية البالغ عددهم 21 مليوناً، هم دون سن الـ35، وهم يتوافدون أكثر فأكثر على سوق العمل. وفي الوقت الذي تحاول الحكومة التحكّم بإنفاقها على الأجور، يُلقى عبء استحداث فرص العمل على الشركات الخاصة والشركات الناشئة.
في السياق، قال المدير المالي في «شركة العثيم القابضة»، صالح العثيم: «هم يحتاجون أولاً إلى وضع الأموال في المجالات التي يُحتمل أن تنجح».
وينتهي العثيم إلى القول إنه «يتعيّن على الناس تبنّي المخاطرة في الصناعات التي لا تنطوي على مخاطر عالية»، مضيفاً: «لا يمكن للقطاع الخاص أن يجلس فقط ويراقب ما تفعله الحكومة».
ارسال التعليق