
السلطات السعودية مستعدة للإطاحة باستثماراتها مع الصين خوفا من أمريكا
"تخوّفاً من توسّع النفوذ الصيني في المنطقة" هو المبرر الجاهز لكل مستجدّ يطرأ على التواجد الأميركي عسكريا وأمنيا وسياسيا في المنطقة. أبرز حالة تم إسقاط هذا التبرير عليها كان بعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأولى له منذ ترؤّسه للبيت الأبيض إلى "السعودية" بعد أن كان قد توعّد بـ"نبذ" نظام محمد بن سلمان على خلفية اغتياله لكاتب العمود في "الواشنطن بوست" جمال خاشقجي.
وكذا فيما يخصّ ما جرى تناوله مؤخرا حول احتمالية الإسراع بتوقيع اتفاقيات ثنائية أمنية بين "السعودية" وأميركا دوناً عن "إسرائيل"، تسمح للأولى بامتلاك قوة نووية سلمية، قال مناصرو هذا الاحتمال أن على أميركا أن تخشى من خيار شراكة بين "السعودية" والصين تفضي إلى بناء الأخيرة محطة نووية في "السعودية" بما "يعزز من نفوذها في المنطقة".
وفيما كانت هذه القراءات تخرج باستنتاجات مفادها أن ابن سلمان كان يستغل هذا الأمر للضغط على أميركا لتقديم تنازلات حول شروطها لمساعدتها في دخول النادي النووي، إلا أنها مخاوف بقيت قائمة في حسابات البيت الأبيض، وهي نفسها التي ارتكزت عليها المداولات الأخيرة التي تقول بأن اتفاقا ثنائيا قد يتم؛ منفصلاً عن اتفاقية التطبيع بين "السعودية" و"إسرائيل"، وهو ما شكك به عدد من المحللين ولم يُنفَ أو يُثبت بشكل قاطع. يُضاف إليها القلق العارم الذي عاشته واشنطن على خلفية "الصلح" الذي رعته بكين بين طهران و"الرياض"، وما تبعه من إعادة واشنطن شدّ عصب حلفائها في المنطقة.
ما سبق كان بمبادرة أميركية لاحتواء "الحليف" وضمان وجوده الدائم في حظيرتها، أما حديثاً فقد أثار تصريح مسؤول سعودي في صندوق الاستثمارات العامة الأمر مجددا. حيث صرّح أميت ميدا رئيس صندوق الاستثمار السعودي الجديد المتخصص في استثمارات الذكاء الاصطناعي وصناعة أشباه الموصلات إن بلاده ستسحب استثماراتها من الصين إذا طلبت منها الولايات المتحدة ذلك.
ونقلت "بلومبيرغ" عن الرئيس التنفيذي لشركة آلات :"حتى الآن كانت الطلبات هي إبقاء سلاسل التصنيع والتوريد منفصلة تماما (بين المكون الصيني والأميركي)، لكن إذا أصبحت الشراكات مع الصين مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة، فسنسحب استثماراتنا".
على هامش المؤتمر العالمي لمعهد ميلكن في كاليفورنيا، قال ميدا للوكالة: نسعى إلى شراكات موثوقة وآمنة في الولايات المتحدة. أميركا هي الشريك الأول بالنسبة لنا والسوق رقم واحد في مجال الذكاء الاصطناعي والرقائق وأشباه الموصلات. وأضاف: "شركة آلات ستعلن عن شراكات مع شركتين أميركيتين للتكنولوجيا بنهاية يونيو/حزيران، وستشارك في الاستثمار مع شركة استثمار أميركية".
وحول المحادثات الجارية بين البلدين حول مجموعة من قضايا تتعلق بالأمن القومي، ذكرت "بلومبيرغ" أن المسؤولين الأميركيين أبلغوا نظراءهم السعوديين أنهم بحاجة إلى الاختيار بين التكنولوجيا الصينية والأميركية، في مشروعهم الهادف لبناء صناعة أشباه الموصلات في السعودية.
ووفقا للوكالة فإنمساعي "السعودية" للريادة الإقليمية في مجال التكنولوجيا المتقدمة، تأتي في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بالتدقيق بشكل متزايد في علاقات دول الشرق الأوسط مع الصين، بسبب المخاوف من أن دولا مثل السعودية أو الإمارات العربية المتحدة يمكن أن تكون بمثابة قنوات لبكين للوصول إلى التكنولوجيا التي تُمنع الشركات الصينية من شرائها من الولايات المتحدة.
وطلبت الولايات المتحدة بالفعل من شركة الذكاء الاصطناعي G42 ومقرها أبوظبي التخلص من التكنولوجيا الصينية، مقابل استمرار الوصول إلى الأنظمة الأميركية التي تدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ومهدت هذه الاتفاقية الطريق لاستثمار شركة مايكروسوفت الأميركية مبلغ 1.5 مليار دولار في G42.
وكانت التسريبات التي تتحدث عن استبعاد الطرف الإسرائيلي والإبقاء على اتفاقية أمنية بين "السعودية" وأميركا، جاد على إثر تصريحات أطلقها وزير الخاجرية الأميركي أنتوني بلينكن خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في العاصمة السعودية: “أعتقد أن العمل الذي تقوم به المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة معًا فيما يتعلق باتفاقياتنا الخاصة، قد يكون قريبًا جدًا من الاكتمال”.، وهو ما ردده نظيره السعودي فيصل بن فرحان قائلا أن التوصل لاتفاق ثنائي بات "قريب جدا جدا جدا".
ذكرت المصادي الإعلامية أن تطلعات إدارة بايدن إلى تسوية إقليمية مهمة في أعقاب الحرب على غزة قد لا تتحقق على الفور، ومع ذلك، فإن تشكيل تحالف استراتيجي قوي مع السعودية يمكن أن يساعد في مواجهة النفوذ المتزايد للصين وروسيا في المنطقة. خاصة في ظل التقارب السعودي الأخير مع الطرفين من بوابة الاقتصاد.
ولكن في المقابل نوهت الصحيفة البريطانية "الغارديان" أنه لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت الإدارة والكونغرس على استعداد للتوصل إلى مثل هذه التسوية. ذلك لوجود مؤشرات على عدم اليقين داخل إدارة بايدن، حيث أن المسؤولين الذين أصروا في السابق على أن الاتفاقيات الأمريكية السعودية تعتمد على التطبيع السعودي "الإسرائيلي" والتقدم نحو "حل الدولتين"، أصبحوا الآن أقل تحديدا بشأن هذه المسألة في الأيام الأخيرة.
كما حثّ معهد "بروكينغز" الأميركي سابقا على لزوم الاستعجال بتوقيع الاتفاقية مع "السعودية"، لأن التأخر فيها يُفقد الولايات المتحدة أي فرصة للمشاركة في البرنامج النووي للسعودية، بما في ذلك النافذة التي ستوفرها للقدرات والخطط السعودية وفرصة ممارسة التأثير على جوانب البرنامج المتعلقة بمنع الانتشار والضمانات والسلامة والأمن. وسوف تلجأ المملكة إلى حكومات أخرى موردة للطاقة النووية، بما في ذلك تلك التي ستكون أقل تطلباً من الولايات المتحدة فيما يتعلق بقيود نقل التكنولوجيا، والضمانات، وغيرها من ضوابط منع الانتشار.
ارسال التعليق