رحلة تطبيع السعودي مع إسرائيل من عشقي إلى القبة
لا تحظى "إسرائيل" برضى وقبول الشارعين العربي والإسلامي؛ إذ ومنذ احتلالها فلسطين لا تزال فكرة التطبيع معها من المحرمات.
ورسمياً، ترتبط "إسرائيل" بعلاقات دبلوماسية فقط مع الأردن ومصر، لكن الفترة الأخيرة شهدت تقارباً غير مسبوق من جهة السعودية، التي تسير في طريق التطبيع العلني مع الاحتلال، كما يرى مراقبون.
إذ مع صعود محمد بن سلمان إلى سدة الحكم وتوليه منصب ولاية العهد، لوحظ وجود بعض العلاقات بشكل مباشر وغير مباشر مع "إسرائيل"، تُوِّجت بزيارة عدد من الشخصيات السعودية لها، وإبرام اتفاقيات عسكرية، وأمنية، واقتصادية.
وتحرص "إسرائيل"، بشكل دائم، على إخفاء أسماء الدول العربية التي تُقيم علاقات سياسية واقتصادية أو أمنية معها؛ خوفاً من المواقف الشعبية الغاضبة.
- علاقة تصاعديةوبدأت العلاقات السعودية - الإسرائيلية تأخذ منحنى تصاعدياً، بدأ بتبادل الزيارات، وتوقيع الاتفاقيات العسكرية، والأمنية، والاقتصادية، حسبما نقل الإعلام الإسرائيلي.
وانتقلت العلاقة بين المملكة و"إسرائيل" من مرحلة الأحاديث الإعلامية إلى أرض الواقع، من خلال لقاءات جمعت مسؤولين من البلدين بشكل مباشر، ليعطوا بذلك إشارة بدء الظهور للعالم، وإنهاء مرحلة التخفي الطويل في العلاقات فيما بينهم.
وجمع أول لقاء تطبيعي بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين، بالعاصمة المصرية القاهرة، في 9 مارس الماضي، حسبما كشف "الخليج أونلاين" حينها، لينطلق معه قطار التطبيع، في المجال العسكري، والإعلامي، والاجتماعي.
وعقب هذا اللقاء، رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بهذا التطور بشكل كبير، وقال: "إن هناك تطوّرات إيجابية غير معروفة للرأي العام، تتضمن تطور العلاقات مع الدول العربية".
كذلك، كشفت القناة العاشرة الإسرائيلية، في أبريل الماضي، عن زيارة وفد رسمي إسرائيلي رفيع للرياض مؤخراً، ضمن سلسلة زيارات مماثلة للمملكة في الفترة الأخيرة.
المختص في الشأن الإسرائيلي، سعيد بشارات، يرى أن العلاقات الإسرائيلية-السعودية تشهد في هذه الفترة جرأة وتقدُّماً واسعاً من حيث التعاون الأمني والاقتصادي، وتبادل الزيارات لعدد من الشخصيات، وفتح المجال الجوي السعودي أمام الطيران الإسرائيلي.
ويقول بشارات في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "إن الإسرائيليين أنفسهم لم يتوقعوا درجة الانفتاح الكبيرة من قِبل السعوديين تجاه إسرائيل، حيث عززت السعودية هذا الانفتاح بتبادل استخباراتي، وعقد صفقات اقتصادية وعسكرية".
وبحسب مراقبين، لم تكتفِ السعودية بعودة العلاقات بينها وبين "إسرائيل"؛ إذ أبدت استعدادها لتعديل مبادرة السلام العربية، حسبما كشفت القناة الإسرائيلية العاشرة في نوفمبر الماضي، وقالت إن رسائل بهذا الشأن نقلتها السعودية وبعض الدول الخليجية إلى الإسرائيليين من خلال مبعوثين دوليين، منهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
- التطبيع العسكريوأثمرت الزيارات المتبادلة بين السعودية و"إسرائيل" عقد الرياض صفقة لشراء منظومة "القبة الحديدية" الدفاعية التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في إسقاط صواريخ المقاومة الفلسطينية.
وكشفت مصادر لـ"الخليج أونلاين"، في سبتمبر الجاري، أن هذا التطور كان نتاجاً لتوافقات سياسية بين الرياض وتل أبيب، حيث انتقلت الثقة المتبادلة والمتطورة إلى المضمار العسكري، والاتفاق بين الجانبين على تبادل الخبرات وشراء منظومة أسلحة ثقيلة ومتطورة.
وبيَّنت المصادر أن السعودية سعت خلال الفترة الأخيرة، إلى شراء منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية المضادة للصواريخ، وأنها أقنعت الجانب الإسرائيلي ببيعها عبر وساطة قوية بذلتها الولايات المتحدة الأمريكية، خلال اللقاءات الثلاثية السرية التي جرت في واشنطن.
وأوضحت أن الصفقة من المحتمل أن تدخل طور التنفيذ خلال شهر ديسمبر المقبل، وستصل إلى الرياض أول منظومة للقبة الحديدية، وسيتم وضعها على حدودها مع دولة اليمن؛ بسبب كثافة الصواريخ التي تُسقطها عليها جماعة الحوثيين، بحسب ما أبلغته الرياض الجانب الإسرائيلي والوسيط الأمريكي.
المحلل سعيد بشارات ذكر أن تقرير "الخليج أونلاين"، الذي كشف عن شراء الرياض منظومة "القبة الحديدية" الدفاعية العسكرية من "إسرائيل"، تداولته بشكل واسع وسائل إعلام إسرائيلية محلية، متطرقةً إلى قوة العلاقات بين البلدين.
ويضيف: "استضافت وسائل الإعلام الإسرائيلية مسؤولين في الجيش والدولة؛ للاستفسار عن الصفقة العسكرية مع السعودية، ولكنهم لم يتلقوا أي أجوبة حولها".
- التطبيع الإعلاميعلى صعيد متصل، ظهرت ملامح التطبيع الإعلامي من خلال بث قناة "العربية" السعودية فيلماً وثائقياً في يوليو الماضي، أفردت فيه مساحة واسعة لمؤرخِين "إسرائيليِّين" كبار؛ للحديث عما تعتبره حق "إسرائيل" في فلسطين، و"النكبة التي تعرَّض لها الإسرائيليون"، حسب رؤية القناة.
وقالت القناة في شرح نشرته على موقعها الإلكتروني: "إن الوثائقي، المكوَّن من جزأين، يُعيد صياغة قصّة ولادة إسرائيل كما يراها العرب والإسرائيليون؛ من خلال نصٍّ خالٍ من الأيديولوجيا أو التحزّب".
وأضافت: "كما أنه يُعيد النظر في اللحظات الرئيسية من القرن العشرين (الذي شهد النكبة والنكسة) عبر شهادات ومقابلات مع شهود عيان ومؤرّخين من كلا الجانبين (فلسطينيين وإسرائيليين)، مدعومة بصرياً بصور أرشيفية اكتُشفت حديثاً".
وفي أعقاب بثّ الفيلم، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً واسعاً، وغضباً كبيراً عبّر عنه ناشطون عرب من خلال تغريدات أدانت سلوك القناة، التي ينتهج ممولوها تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" بشكل بدأ يأخذ منحى علنياً.
وتساءل ناشطون عما إذا كان عرض الفيلم يأتي في إطار التمهيد لتنفيذ "صفقة القرن" التي تروّج لها وتدعمها أطراف عربية، في محاولة للوصول إلى تطبيع علني كامل مع الاحتلال الإسرائيلي.
وفي نوفمبر الماضي، نشر الصحفي والمدون الإسرائيلي "بن تزيون"، على حسابه في موقع "إنستغرام"، صوراً له من داخل الحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة، وأخرى مع سيدات في المملكة منتقبات وأخريات غير منتقبات.
- التطبيع الاقتصاديوبدأ التطبيع الاقتصادي بين "إسرائيل" والسعودية، مع تحليق أول طائرة تتبع الخطوط الجوية الهندية بداية شهر مارس الماضي، من نيودلهي متوجهةً إلى "إسرائيل"، مروراً بالأجواء السعودية، وذلك في رحلة تاريخية هي الأولى من نوعها، وفقاً لصحيفة "هآرتس" العبرية.
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيانٍ حينها: "إن تل أبيب تعتبر المسار الجديد مهماً"، مشيرة إلى أن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أثار المسألة مع نظيره الهندي ناريندرا مودي عندما التقيا، في يوليو 2017، بإسرائيل، وفي يناير الماضي بالهند".
وبيَّنت أن المسار الجديد سيخفض أيضاً الأسعار، وسيعزز الاستثمار والسياحة من الهند إلى "إسرائيل".
وعن هذه الجرأة السعودية في توثيق علاقاتها مع "إسرائيل"، يُرجع المختص في الشأن الإسرائيلي "بشارات" ذلك إلى قوة العلاقات التي تربط السعودية بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما سمح لها بالدخول في علاقات مع الإسرائيليين.
وتعتبر "إسرائيل"، وفق بشارات، "السعودية حليفاً أمنياً واستراتيجياً وسياسياً يجب الحفاظ عليه وتقوية العلاقات معه"، كما قال.
ارسال التعليق