صعود صاروخي لرواتب الموظفين الأجانب ببنوك السعودية
رغم المعاناة التي تواجهها المؤسسات المالية حول العالم، إلى حد تسريح الموظفين، تشهد وظائف البنوك وأجور موظفي القطاع المالي بالسعودية صعودًا صاروخيًا، مدفوعة بتحركات ولي العهد، محمد بن سلمان، نحو تغيير جذري باقتصاد المملكة، وسط منافسة قوية مع إمارة دبي.
وتسبب ذلك في جاذبية القطاع المالي السعودي للموظفين أو المستشارين الماليين بكبريات الشركات المالية العالمية، بسبب المنافسة عليهم مع مؤسسات سعودية، على رأسها صندوق الاستثمارات العامة السيادي، المقدّرة قيمته بنحو 600 مليار دولار، حسبما أورد تقرير نشرته وكالة "بلومبرج".
وأشار التقرير إلى أن اجتذاب الصندوق السيادي السعودي للموظفين من الشركات المالية الأجنبية يُصعب مهمة بنوك وول ستريت، التي تحتاج إلى التوسع بالسعودية في ظل الإصلاح الاقتصادي الضخم بالمملكة.
غير أن شكل الحياة داخل العاصمة الرياض، في ظل القيود الاجتماعية الموجودة حتى الآن رغم محاولات الانفتاح، لايزال عامل تردد للموظفين الأجانب، مثل إتاحة المشروبات الكحولية والمثلية الجنسية، بحسب التقرير.
وتشير تقديرات شركة التوظيف متعددة الجنسيات، هايز بي إل سي (Hays PLC)، إلى أن وظائف البنوك في السعودية يمكنها أن توفر راتبًا لصاحبها أعلى بنسبة 20% تقريبًا من نظرائه في المراكز المالية الغربية.
وأوضح التقرير أن الموظفين الإداريين الذين يقبلون بالانتقال من دبي في الإمارات، إلى السعودية، يمكنهم أن يطلبوا ما بين 20% إلى 35% زيادة إضافية على راتبهم المعتاد، أما أصحاب المناصب الأعلى يمكنهم أن يطلبوا أكثر من ذلك.
الصين قبل عقدين:
وفي هذا الإطار، قالت، نائبة رئيس بنك سيتي جروب لشؤون الشرق الأوسط، كارمن حداد، إن السعودية "تشبه الصين قبل عقدين من الزمن"، مضيفة: "تجلب الإصلاحات الاقتصادية السريعة في المملكة تحديات جديدة مثل المعركة المستمرة لكسب المواهب في القطاع المالي".
وبحسب تقرير لشركة الاستشارات المتخصصة في التوظيف، دارتماوث بارتنرز (Dartmouth Partners)، الصادر عام 2022، فإن نواب المديرين وهي وظيفة متوسطة في مجال البنوك، يحصلون على ما يتراوح بين 225 إلى 255 ألف دولار سنويًا في السعودية، وهو أعلى بنسبة ما بين 10 و20% مقارنة برواتب نفس الوظيفة في لندن.
ويمكن للأشخاص الذين يمتلكون سنوات خبرة أقل الحصول على مسمى وظيفي أعلى في السعودية، وبالتبعية راتب أكبر، مقارنة بالمراكز المالية العالمية الأخرى، بحسب تقرير "بلومبرج".
وكان ولي العهد السعودي قد أكد أن الشركات الدولية التي تريد العمل في المملكة، سيكون عليها التواجد فعليًا على الأرض، من خلال نقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة، كشرط للتعامل الحكومي معها.
ويتطلب ذلك من تلك الشركات تعيين نسبة معينة من الموظفين السعوديين، بجانب إقناع عدد كبير من الموظفين بالانتقال إلى المملكة.
كما يسعى صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى إغراء موظفين في القطاع المالي حول العالم برواتب أعلى بنسبة 30%، بجانب تحمل تكاليف السكن والمدارس لأطفالهم.
وإزاء ذلك، تواجه الشركات المالية الأجنبية معاناة، إذ تحاول جاهدة مجاراة المغريات السعودية، أو تضطر إلى تعيين موظفين محليين أقل خبرة، بحسب تقرير "بلومبرج".
وللبقاء في حالة التفوق، قام صندوق الاستثمارات العامة السعودي بتعيين موظفين من بنوك مثل Goldman Sachs Group Inc. و HSBC Holdings Plc.
مركز تدريب:
ومن بين المجتمع المالي في الرياض، أصبح البنك البريطاني، الذي يوظف حوالي 200 مصرفي في المملكة، بأنه "مركز تدريب" للمصرفيين والمسؤولين المحليين، وفقًا لأحد كبار المسؤولين التنفيذيين الذي طلب عدم الكشف عن هويته.
ويعقد البنك حدثًا سنويًا للخريجين في الرياض، وهو الحدث الذي تضخم مع تزايد عدد الموظفين المحليين الذين يغادرون للوظائف الحكومية العليا أو المزيد من المناصب العليا في المنافسين.
ومن بين السعوديين الذين شغلوا مناصب سابقة في HSBC وانضموا إلى صندوق الاستثمارات العامة: عبد الله شاكر وفهد السيف، بحسب المصادر.
كما أن محافظ الصندوق السيادي، ياسر الرميان، انضم إليه من وحدة الخدمات المصرفية الاستثمارية التابعة للبنك السعودي الفرنسي، والتي كانت حتى وقت قريب مدعومة من قبل بنك كريدي أجريكول.
ولسنوات فضل المصرفيون والاستشاريون التنقل بين دبي والرياض، عبر رحلة الطيران الرحلة التي تستغرق ساعتين صباح يوم الأحد والعودة مساء الخميس، لكن مع تحول معظم الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا إلى أسبوع العمل من الاثنين إلى الجمعة، فإن هذه الرحلة لم تعد أمرا ليس سهلاً كما كان من قبل، إذ يجبر ذلك العديد من المصرفيين على العمل لمدة 6 أيام في الأسبوع.
ولجذب العمال الأجانب على المدى الطويل، تتخذ السعودية خطوات لتخفيف القواعد المتعلقة بقواعد اللباس الصارمة، والفصل بين الجنسين، لكن العديد من الأجانب يترددون في الانتقال إلى مكان يفتقر إلى المشهد الاجتماعي المزدهر وتوافر الكحول، الأمر الذي يجعل مراكز المال العالمية الأخرى أكثر جاذبية لدى بعضهم.
وهنا تشير "بلومبرج" إلى أن بعض المغتربين يشكون أيضا من أن الرياض "مدينة صحراوية مملة مع القليل من الترفيه وقليل من الأنشطة التي يمكن للأطفال القيام بها".
ولذا يفضل العديد من كبار المصرفيين البقاء في دبي بدلاً من نقل عائلاتهم بشكل دائم إلى الرياض، وفقًا للعديد من كبار المسؤولين التنفيذيين الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم.
نظام السعودة:
كما أن نظام "السعودة" يساهم في تردد عديد الموظفين الأجانب رغم عروض الرواتب المغرية، إذ تختار البنوك والشركات المالية أحيانًا ترقية الموظفين السعوديين كأولوية.
وقامت "مورجان ستانلي" بترقية رئيسها التنفيذي في السعودية، عبد العزيز العجاجي، إلى منصب رئيس إقليمي مشترك لأعمالها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ليحل محل أحد المخضرمين القادمين من دبي.
كما عينت لازارد المحدودة مؤخرًا سارة السحيمي، وهي واحدة من أكثر المصرفيات خبرة في المملكة، لقيادة أعمالها الاستشارية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خارج الرياض.
وإزاء ذلك، يشير الباحث بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، روبرت موجيلنيكي، إلى أن تحول السعودية إلى مركز ماليً موثوق يحتاج إلى الوقت، وأضاف: "ترغب المؤسسات المالية والأفراد العاملين في هذا المجال، في الشعور بالثقة بكل هذه الإصلاحات والقرارات الاقتصادية، بجانب وجود البيئة الاجتماعية والاقتصادية المناسبة على المدى الطويل".
وكانت السعودية قد أنشأت مركز الملك عبد الله المالي، في العاصمة الرياض بتكلفة بلغت 10 مليارات دولار، والذي بدأ مؤخرًا في جذب شركات عالمية، حيث تمتلك شركة "علي بابا" الصينية مكاتب هناك، إلى جانب عدد من البنوك المحلية، وتخطط "جولدمان ساكس" للانتقال إليه في وقت لاحق هذا العام.
ارسال التعليق