منصة شاهد ترعى التطبيع: "كرنتينا" بيروت بعيون إسرائيلية
أدرك النظام السعودي مبكرا أهمية امتلاكه أذرعا إعلامية قادرة على تسييل سردياته السياسية والثقافية بسهولة وسرعة إلى بيت كل أسرة عربية. ليس مشروع أم بي سي، وحده من يتكفل بهذه المهمة، بل تلقى أيضا على عاتق قناة العربية السعودية ومنصة "شاهد".
لمشروع أم بي سي وحده واهتمام المشرفين عليه على إنشاء تفرّعات تخصصية كـ أم بي سي العراق وأم بي سي مصر وتلك الناطقة باللغة الفارسية، كلّها مشاريع تقوم على محاولة محاكاة المجتمع العراقي، المصري، الإيراني بشكل خاص، لما لهذه الساحات من خصوصية وأهمية في الحسابات السعودية.
لكل قناة ذكرت، برامجها الخاصة، أولوياتها المختلفة، مقدميها ومعدّيها. تتلاقى جميعها في التبعية ووحدة الجهة الممولة والمسيّرة للسياسات الإعلامية فيها.
أتى مشروع منصة "شاهد"، كمحاولة استنساخ لتجربة "نيتفليكس" الأميركية. فتلاقى هدف الأخيرة مع تطلعات النظام السعودي لمستقبل "الترفيه" في "السعودية"، مضافا إليه هدف ربط الانتاج العربي بالمال السعودي، في ظل حالة الركود والضيقة المالية على الساحة المصريّة.
عام 2008، إنطلقت المنصة السعودية لتعلن تقديمها العديد من الأعمال الدرامية العربية، المشتركة والمدبلجة وكذا الإنتجات الخاصة من أفلام ومسلسلات وأفلام وثائقية. وما فتئت أعمالها تثير الريبة والضجة مع كل إعلان عن إنتاج عمل تاريخي، كما حصل مع مسلسل معاوية أو عرضها لأعمال درامية عدّت تشويها للمجتمعات العربية، سيّما "الخليجية" منها، كمسلسل "زوجة واحدة لا تكفي"، الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي.
الحديث اليوم لم يعدّ ينحصر عن تبني منصة "شاهد" المنضوية ضمن شبكة أم بي سي، لأعمال تحوي مشاهد غير أخلاقية، والترويج لأفكار وأنماط حياة دخيلة على البيئة العربية ومحاولة إسقاطها، عن طريق اللاوعي، على المتلقي بكونها شكل من أشكال الحياة القابلة للممارسة، بل توسع ليشمل انتاج أعمال لكتّاب صهاينة.
إذا في جعبة تطبيق "شاهد"، تعاون جديد مع الكاتب الإسرائيلي ادي حيزق Adi Hasak)) لتقديم مسلسل "كرنتينا" (كان اسمه "دهب") الذي تدور أحداثه في منطقة الكرنتينا في العاصمة اللبنانية بيروت. وفي تتبع المعلومات الخاصة بالكاتب، يتضح أن حيزق كان جندياً سابقاً في جيش الاحتلال الإسرائيلي ضمن لواء المظلّيين، وشارك في اجتياح لبنان عام 1982.
ولد الجندي السابق في هولندا عام 1964 وتنقّل بين "إسرائيل" والولايات المتحدة. كما شارك في كتابة مجموعة أعمال أبرزها فيلم From Paris with Love الذي عُرض عام 2010، وفيلم 3 Days to Kill في عام 2014، وباقة قليلة من الأعمال الدرامية من بينها فيلم عن مدينة ميونيخ الألمانية.
العمل الذي صوّر كاملاً في اليونان، استلهمه الكاتب الإسرائيلي من تجربته الخاصة في منطقة الكرنتينا، التي استقر فيها لفترة بعد دخوله البلاد بجواز سفر هولندي، جمع خلالها تفاصيل الحياة في المنطقة اللبنانيةـ، وركب شخصيات عمله مضيئاً على صاحبة عقارات تسعى بشتى الطرق إلى شراء المنازل هناك واستغلال الأهالي الذين ينتمي جلّهم إلى الطبقة الفقيرة. ويتابع "كرنتينا" قصة شابّ هارب من منطقة الفلوجة العراقية، يقرّر فتح ملهى ليليّ في الكرنتينا، ويبدأ بالبحث في كيفية شراء المنازل في المنطقة. وبمشاركة ممثلين لبنانيين وأجانب، سيبصر العمل الضوء على المنصة السعودية. وتشير المصادر إلى أنّ تصوير المسلسل انتهى في الخريف الماضي، لكنه يواجه حالياً مشكلات تتعلق بالإنتاج قد تقف عقبة أمام عرضه على تطبيق "شاهد".
بطبيعة الحال، الشبكة السعودية لا تجد نفسها معنيّة بتقديم معلومات عن الكاتب لا للممثلين ولا لمشاهدي العمل بالتأكيد. الأمر الذي يضع مسؤولية كبيرة على المشاركين بالعمل، للتدقيق في هوية كل شريك في المادة المقدمة للجمهور العربي، صوناً لنفسه من جهة، وإمكانية أن يلعب دور مهم لتنبيه الرأي العام، لما له من تأثير عليهم، من جهة أخرى.
الخبر الذي نقلته صحيفة "الأخبار" اللبنانية، يحيلنا تلقائيا إلى وضع هذا التعاون ضمن سلّة الخطوات التطبيعية بين النظام السعودي والكيان المحتل القائمة منذ سنوات، لكن هذه المرّة من بوابة الحرب الناعمة. فبعد أن اتخذت قناة "العربية" موقفا مُبطنا يدعم سردية الاحتلال لأحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب إبادة تخوضها حكومة نتنياهو، ووصف القناة كما كتّاب الصحافة السعودية لحركة "حماس" بالإرهاب وتحميل الأخيرة مسؤولية الدمار والخراب الذي حلّ بالقطاع، لم ترَ المنصة السعودية من مانع يحول دون انطلاق عجلة التطبيع الدرامي، وإبعاد "شبح" القضية الفلسطينية عن المدركات المعرفية لدى الشباب العربي، في محاولة للمساهمة بتقريب المسافة بينهم وبين تقبّل الأسماء الصهيونية كجزء من الأعمال الدرامية العربية.
أزعجت عملية "طوفان الأقصى" النظام السعودي، وفرضت نفسها إعلاميا بشكل أجبرت قناة العربية ومن خلفها كل الأذرع الإعلامية السعودية لرسم خطط وآليات التعامل معها. فبعد سنوات من العمل على إزاحة النظر عن القضية الفلسطينية وتغييبها إعلاميا عبر إلهاء الشعوب بـ"مسخرة" الترفيه.
يذكر أن الشبكة السعودية استغلت التطبيق في غير موقع، منها شراكتها مع استديوهات "بي بي سي" لإطلاق محتوى الشبكة الإنكليزية المخصّص للأطفال، وجاء ذلك بعد عرض "بب بي سي نيوز عربي" وثائقي "المرتزقة الأميركيون مهام اغتيال في اليمن" الذي تحمّل فيه الإمارات مسؤولية الاغتيالات في اليمن فيما تغسل يد السعودية منها.
في الختام، نكتب كل هذا لنسجل نقطة إضافية في سلّم التطبيع السعودي-الإسرائيلي، ولنؤكد بأن الرياض ماضية في مسار لا عودة عنه، بل أنها ستبذل كل مجهود لشرعنته وتدجينه في الأجيال القادمة .
ارسال التعليق