نُكتة روجرز وسياسة ترامب وغباء آل سعود
* جمال حسن
الفكاهي الأمريكي ويل روجرز ساخرًا من جهود الرئيس الأمريكي الحادي والثلاثين هربرت هوفر، الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة في الفترة من العام 1929 الى 1933والذي سعى جاهداً لإنعاش الاقتصاد الأمريكي المتدهور آنذاك كما هو الحال حالياً، خرج بعبارة شهيرة لم يكن يريد بها سوى إضحاك الجماهير: «تم تخصيص كل الأموال للطبقات الغنية، على أمل أن تنساب الى المحتاجين»؛ لكنه لم يكن يعلم من أنها ستصبح بعد أعوام قليلة من موته "عقيدة اقتصادية" لدى رؤساء الولايات المتحدة الجدد ستتم بلورتها فيما بعد في نظرية اقتصادية شهيرة.
تعلم الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الدرس جيداً من فكاهة روجرز كما هو شأن رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الذين سبقوه لكنه فاقهم ذكاءاً في كيفية تخويف الأسر الخليجية الحاكمة في مقدمتهم بقرته السمينة الحلوب آل سعود، فرفع نبرته بالتهديد والوعيد منذ اللحظة الأولى لحملته الانتخابية عام 2015، ومقولته الشهيرة لا تزال مرسومة على الطاولة البيضاوية في البيت الأبيض «السعودية بقرتنا الحلوب، التي تدر ذهبا ودولارات بحسب طلبنا.. وعليكم دفع ثلاثة أرباع ثروتكم كبدل عن الحماية التي تقدمها القوات الامريكية لآل سعود داخلياً وخارجياً؛ مهدداً لا تعتقدوا ان المجموعات الوهابية التي خلقتموها في بلدان العالم وطلبتم منها نشر الظلام والوحشية وذبح الانسان وتدمير الحياة ستقف الى جانبكم وتحميكم فهؤلاء لا مكان لهم.. إلا في أحضانكم وتحت ظل حكمكم لذا سيأتون اليكم وسينقلبون عليكم ويقومون بأكلكم.. ولن ندافع عنكم ما لم تواصلوا الدفع لنا» .
أموال بترول شعب الحجاز المسلوب الإرادة ومصادره المعدنية التي عدها وعددها الشاب الطائش والأرعن خلال حواره مع داوود الشريان على قناة الإم بي سي قبل أشهر إبان كان ولياً لولي العهد هي من وجهة نظره ملكاً لأسرته الثرية عسى أن ينساب رشحها نحو سائر أبناء الشعب؛ فكان قد حفظ درسه جيداً في كيفية إستحمار الشارع والتكلم من موقع ملك متوج على العرش وإن الأمور كلها بيده، مستعرضاً خططه الفلكلورية الملونة الخادعة ضمن خطته الفاشلة سلفاً 2030، سعياً منه لإمتصاص نقمة وغضب الشعب الآخذة نحو التضخم ككرة الثلج، نتيجة لسياسات التقشف، والضرائب غير المباشرة، وارتفاع الأسعار، ورفع الدعوم الحكومية، وغلاء المعيشة بالتالي؛ ومستخدماً لغة الأرقام، والتوسع في الحديث عن رخاء مستقبلي قادم للمملكة وشعبها المسكين، كقوله ان قطاع التعدين في السعودية، من ذهب ونحاس وحديد تقدر قيمته بحوالي تريليون و300 مليار دولار، وسيتم توظيف الأموال العائدة من بيع 5 % من اسهم شركة "أرامكو" أو اكثر للاستثمار في هذا القطاع، في رسالة للمواطنين تقول ان المملكة ليست على حافة الإفلاس، وان هناك بدائل أخرى للثروة النفطية.
لنترك "رؤية 2030″ وصحتها وسقمها للاقتصاديين، حيث وسائل التواصل الاجتماعي، وتقارير منظمة أوبك، ووسائل الاعلام العالمية كفيلة بالرد على عكس مدعى الأمير الأرعن وحقيقة السوق النفطية تزيد النفي نفياً مدقعاً حيث الأسعار آيلة الى النزول مع إرتفاع منتوج النفط الصخري الأمريكي بسبب سياسة غباء وتعنت الرياض برفع معدل الانتاج الى أكثر من 10 مليون برميل يومياً فأغرق السوق العالمية بكميات هائلة من البترول وخلق تخمة تسببت في تراجع شديد للإنتاج المحلي بشكل كبير يومياً، فقد أظهرت البيانات الرسمية تراجع صادرات النفط الخام السعودية بمقدار 226 ألف برميل يوميا في أبريل مقارنة بالشهر السابق بسبب سحب المملكة من مخزوناتها، كما ذكر تقرير لوكالة رويترز قبل يومين..
مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» كشفت أن المملكة سحبت من أصولها الاحتياطية نحو 200 بليون ريال خلال شهر آيار الماضي، ما أدى الى تراجع كبير في أصولها مقارنة بشهر كانون الثاني (يناير) الماضي دون الإفصاح عن سبب ذلك، ما يشدد من ظلال شبح الإفلاس على المملكة للمرة الثالثة خلال الأشهر القليلة الماضية وسيدفع بالسلطة الى تجميد أكبر في ما تبقى من المشاريع لمواجهة العجز المالي الذي تواجهه بسبب بذخ الأموال وتراجع أسعار النفط وتكاليف الحرب التي تخوضها في اليمن ودعمها للجماعات الارهابية المسلحة في سوريا والعراق وليبيا. في وقت كشفت قناة “سكاي نيوز عربية” الإماراتية في تقرير اقتصادي أن السعودية قد تتجه لخفض قيمة الريال مقابل الدولار بسبب تآكل احتياطاتها المالية وتراكم مستحقات الشركات لأكثر من 200 مليار دولار، بعد أن سحبت 25 مليار دولار مما تبقى من الاحتياطي خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري.
ورأى الخبير الاقتصادي البارز أمبرز ايفانر بريتشارد في مقاله في صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، أزمة وجودية مع نهاية العقد الحالي، بعد أن غامرت، بإغراق السوق النفطية والحرب على اليمن، أما "بنك أوف اميركا" فقال أن الاقتصاد السعودي محكوماً عليه بالفشل السريع لأنه يقوم بنسبة 90 في المئة على النفط من دون أي بديل اقتصادي أو صناعي آخر . وسط توقع جديد لصندوق النقد الدولي بأن تسجل المملكة عجزأ ضخماً خلال العام الجاري سيتجاوز الـ23% إذا لم يتم خفظ النفقات وهو ما أيده ايفانر بريتشارد أيضاً، ما يعني أن الشعب السعودي أمام تقليص في الرواتب وتصعيداً في التضخم ورفعاً أكثر للأسعار عما قريب . والمسؤول السابق في "المصرف المركزي السعودي" خالد السويلم كتب في تقرير لمعهد "هارفرد" للأبحاث، أن الاحتياط المالي للسعودية كان يمكن أن يزيد مليارات الدولارات عن نسبته الحالية لو أعتمدت الرياض تدوير الأموال بدلاً من استخدامها.
مصدر رسمي قطري رفيع كان ضمن وفد الأمير تميم الى الرياض لحضور القمم الأمريكية - الخليجية - الاسلامية الثلاث، أوشى لأحدى القنوات العربية عن خطة تطميعية خطيرة على اقتصاد المملكة أطلق عليها بن سلمان اسم «مبادارات رؤية المملكة السعودية للشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية»، وذيّلها بعنوان فرعي “عرض مقدم لرئيس الولايات المتحدة الامريكية المنتخب”، وافق عليها ترامب على ان يتم تنفيذها على مراحل ومكونة من عدة بنود يتعهد خلالها ولي العهد الحالي بتقديم أكثر من 2000 مليار دولار لداعمه في البيت الأبيض يحقق الأخير عبرها حوالي 25 مليون فرصة عمل للأمريكيين خلال السنوات الاربع القادمة (لتأمينها سيبيعون كل املاك الدولة واصولها لتصبح الخدمات المجانية للمواطن شركات خاصة تجبي فواتيرها من الناس)، كما تتعهد الخطة بالتنسيق مع الدول الخليجية الاخرى إنشاء صندوق تمويل مشاريع استثمارية في البنية التحتية الامريكية بقيمة حوالي 100 مليار دولار للمساهمة في تركيز جهود الاستثمار وفق اولويات البرنامج الانتخابي وتشمل الخطة عددا كبيرا من الاتفاقيات والالتزامات السعودية مع واشنطن في مجالات الاستثمار والشراكات الاقتصادية وشراكة استراتيجية في مجال الطاقة والنفط وتحت عنوان تأثير المبادرات الاقتصادية على البرنامج الانتخابي للادارة الامريكية الجديدة.
ارسال التعليق