"جمال مبارك" و "محمد بن سلمان": بين تشابه المسار والمصير
تختلف الرؤية التخصصية حول تقييم الثوات العربية، ففي حين يرى البعض أن هذه الثورات حقّقت أهدافها وأسقطت أنظمة دكتاتورية في العديد من البلدان العربية بدءاً من تونس مروراً بمصر وصولاً إلى ليبيا، يعتبر آخرون أن هذه الثورات العفوية إنحرفت عن مسارها لأسباب تنوّعت ما بين ركوب أجهزة الإستخبارات للموجة الشبابية، ومحاولة بعض الفئات الداخلية تجييرها لصالحها لينتهي الأمر بدكتاتور جديد يصعد على أكتاف شباب الثورة.
الخلاف في التقييم يسري على نقاط متعددة في الموضوع نفسه، سواءً فيما يتعلّق بنهاية الازمات في الدول التي تقطّعت أوصالها بسبب هذه "الثورات"، أو حول الحلقة الأخيرة في السلسلة العربية، فهل هي سوريا أم اليمن أم البحرين أم هناك دولاً جديدة على القائمة تنتظر مخاض الولادة؟
رغم الخلاف على التقييم حول شرعية هذه الثورات إلا أن هناك إجماع في الرأي حول كسر حاجز الخوف للشعوب العربية بأكملها. يوضح أحد المتخصصين في الثورات أن كسر هذا الحاجز يسري على كافّة الشعوب العربية، بما فيها الخليجية، والبحرين خير دليل. ليضيف: السعودية أيضاً على اللائحة.
نجحت الرياض خلال الأعوام الماضية في قطع الطريق على إنتقال عدوى الثورة إلى الداخل السعودي حيث أعلن آنذاك الملك "عبد الله بن عبد العزيز"، حزمة من القرارات الاقتصادية والاجتماعية لإمتصاص العدوى، إضافةً إلى تقديم الدعم السياسي والإقتصادي للرئيس التونسي زين العابدين علي والرئيس المصري "محمد حسني مبارك" الذي سقط في أعقاب ثورة 25 يناير 2011.
لو أردنا الإجابة على التساؤل المطروح أعلاه، قد يكون من المفيد الإستعانة بالتجربة المصرية، لأسباب نطرحها تباعاً، في مقدّمتها الدور الأساسي لكل من السعودية و مصر في القرار العربي.
لعله من أحد أهم أسباب الثورة المصرية هو الحديث عن توريث الحكم من الرئيس حسني مبارك إلى نجله "جمال مبارك"، الذي سطع إسمه في الداخل والخارج على حدّ سواء عبر الدعم اللامحدود الذي سخّره "مبارك" في خدمة مشروعه السياسي. داخلياً تركّزت الأضواء على "إبن الرئيس" وبات الجميع يتسابقون في إرضائه و السير في كنفه حتى قيادات الصفّ الأول في حكم أبيه، من إستخبارات وجيش ورجال أعمال وبات فعلياً "سيّد كل شیئ". وأما خارجياً، نجح الإعلام المصري، ولو جزئياً، في بروبغندا "جمال مبارك" عبر تقديمه كمهندس مجدّد للإقتصاد المصري الضعيف، إضافةً إلى تقديم جمال نفسه كرجل إقتصادي قادر على إخراج الشعب من محنته عبر مقابلات إقتصادية مع وسائل الإعلام العالمية، مقابلات تعدّدت وعنوانها واحد " رجل المرحلة القوي".
إن المراقب للتطورات الأخيرة في السعودية يلحظ جملة من أوجه التشابه، تارةً في الشكل وآخرى في المضمون، رغم وجود بعض الفروقات الجوهرية، فهل سيعيد التاريخ نفسه ما بين "بن سلمان" و"بن مبارك"، أو بالآحرى بين مصر والسعودية.
أوجه التشابه
رغم وجود إجماع على شمولية النظام المصري في عهد "مبارك"، إلا أن النظام كان في مرحلة من الإستقرار سريعاً ما تبدّلت ناراً وشناراً على رأس الهرم في مصر مع الحديث عن توريث الحكم. هذا الأمر يسري على السعودية، فرغم الإنتقادات العديد على النظام السعودية، لناحيتي الشكل والمضمون على حدّ سواء، إلا أن هناك نوعاً من الإستقرار الذي رسّخته العادة بتوارث الحكم ما بين أبناء "عبد العزيز"، إلا أن إنتقال الحكم حالياً إلى الأحفاد (أحد المحمدين) سيوجد نوعاً من عدم الإستقرار حاول الملك سلمان، على شاكلة الملك عبدالله، وأده في مهده.
الملك سلمان، وتحت ذريعة ضخ الشباب في مجلس الوزراء، عيّن نجله "محمّد "رئيساً للديوان الملكي ولاحقاً وزيراً للدفاع فولياً لولي العهد، إضافةً إلى رئاسته لمجلس الشورى الإقتصادية وشركة أرمكو. "محمد بن سلمان"، وعلى شاكلة "جمال مبارك" بات الشغل الشاغل للإعلام السعودي سواءً من الناحية العسكرية (عاصفة الحزم والتحالف الإسلامي العسكري) التي أطاحت بالأمير مقرن من ولاية العهد، أو الإقتصادية (رؤية المملكة 2030) ليتقدّم على نده "جمال مبارك" مستفيداً من ميّزة العسكر لأسباب تتعلّق بهيكلة الجيش المصري ودوره الفاعل من ناحية، وضعف الهيكلية العسكرية في السعودية حيث بات "بن سلمان" الآمر الناهي في العسكر والأمن إثر تعيينه "خالد الحميدان" رئيساً للإستخبارات العامّة، بدلاً من الأمير "خالد بن بندر" في خطوة تهدف لإبعاد بعض أقطاب العائلة عن مفاصل الحكم لأن الخطر القادم سيبدأ بالأقربين.
لم يتوان الملك سلمان، وعلى شاكلة حسني مبارك، عن تقديم الدعم اللامحدود الذي سخّره لنجله في خدمة مشروعه السياسي العسكري والإقتصادي محاولاً إظهاره رجل المرحلة القوي، ما دفع ببعض الدبلوماسيين الغربيين لتسميته بـ"سيد كل شيئ".
"محمد بن سلمان" فعل تماماً كـ"جمال مبارك" من خلال الهيمنة على الإقتصاد، مع إضافةً العسكر والإستخبارت إلى جعبته، وفعل كنظيره المصري عبر تسويق نفسه للخارج من خلال وكالة "بلومبيرج" الذي قدّمته كرجل إقتصادي قادر على إنقاذ إقتصاد بلاده المتردي، كما هو الحال مع "جمال مبارك". بن سلمان، سلك درب مبارك عبر الضرب على وتري الشباب والبطالة لغايات معروفة.
يبدو واضحاً التشابه بين صعود الشابين عبر الأباء في سلّم الحكم، إلا أن التجربة الأولى أطاحت بالأب ونجله على حدّ سواءً، فهل سيعيد التاريخ نفسه، عبر ثورة تبدأ من داخل العائلة الحاكمة وتضرب أطناب السعودية خلال الفترة القادمة في حال أصدر الملك قرار بعزل رجل الإطفاء وصاحب الدور المهمّش "بن نايف" (بناءً على طلبه كما في كافّة القرارات الملكية) وتعيين نجله محمّد بدلاً منه، أم أن المرض سيكون أسرع، فيعيد التاريخ تجربة الملك عبدالله مع نجله متعب الذي جّرده بن سلمان من قوات النخبة في الحرس الوطني، كما فعل مع بن نايف في الداخلية، عبر إلحاق هذه القوات بوزارة الدفاع؟
إن تسرّع "جمال مبارك" في إستلام الحكم من أبيه بسبب كبر سنّه (84 سنة حينها) كان سبباً في إسقاط " حسني مبارك من الحكم، فهل ستنهي حماسة الشباب أو الخشية من مرض الملك سلمان(81 عاماً) الحياة السياسيّة لنجله محمّد؟ فالأیام القادمة حبلی بالوقائع و الاحداث وكل حبلى لا بد يوما ستلد.
ارسال التعليق