أردوغان باع دم خاشقجي لابن سلمان
بعد سنوات من التهديد والوعيد الذي أطلقه الرئيس التركي رجل أردوغان لمعاقبة قتلة خاشقجي، أعلنت أنقرة إغلاق هذا الملف وتسليمه للقاتل في الرياض. هي خطوة أثارت استفزاز كل الذين انتظروا تحقيق العدالة التي وعدت بها تركيا، للانتقام من قاتل خاشقجي. قرار لا يزال منذ أيام يثير تفاعلات نشطاء ومغرّدين على مواقع التواصل الاجتماعي اعتراضاً على وعود لم تتحقّق.
صدر القرار عن محكمة اسطنبول في:4:أبريل/ نيسان:2022، والتي أعلنت:وقف المحاكمة في مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصليّة السعودية باسطنبول عام 2018، ونقل القضيّة إلى السلطات السعودية.:تصدّى:قاضي المحكمة في اسطنبول للأمر، وقال: "قرّرنا إحالة القضية إلى السعودية". جاء ذلك بعد أن طالب المدعي العام بوقف المحاكمة في قضية مقتل خاشقجي ونقل الملف إلى "السعودية".:كما قضت المحكمة آنذاك بضرورة مطالبة وزارة العدل بإبداء رأيها في نقل الملف، كخطوة تمهيدية.:وبعد رأي الوزارة، أُعلن أخيراً عن نقل ملف جمال خاشقجي إلى الرياض.:
أثبتت أنقرة في التخلّي عن ملف خاشقجي أن الغلبة للمصالح السياسية والاقتصادية على القيم الأخلاقيّة في العلاقات الدولية، فها هو بدأ يظهر الثمن الذي تقدمه تركيا مقابل تحسين العلاقات مع أطراف أخرى كالولايات المتحدة والكيان المؤقت و"السعودية"، سبق وأدرجتها في لائحة الخصوم. فمنذ قرابة العام، وتحديداً مع وصول جو بايدن إلى سدّة الرئاسة الأميركية، و الرئيس التركي يعيد هندسة علاقاتها مع الدول والأطراف الأخرى نتيجة توعّد بايدن بالإطاحة به، ومن هنا أيضاً يمكن قراءة تغيير الموقف التركي حيال مصر، ثم الإمارات. جاء ذلك في وقت تسعى تركيا لجذب استثمارات تساعدها على تجاوز أزمتها الاقتصادية، من خلال تجاوز الخلافات مع الرياض.:
يرى مراقبون أن القرار التركي بمثابة إغلاق نهائي لملف جريمة خاشقجي. المراقبون انتقدوا القرار التركي الذي قارنوه بالإجراءات التركية السابقة حين رفضت تركيا التغطية على الجريمة، وكانت سبباً للتشهير بـ"السعودية" في كلّ أنحاء العالم، وفي تدويل القضية. لكن مع مرور الوقت، قامت حكومة إردوغان بالعديد من المنعطفات في علاقاتها مع عدة دول، ومن بينها وضع قضيّة خاشقجي في مكان آخر. كما فقدت اسطنبول، بمقتل خاشقجي، مكانتها كملاذ للمعارضات. ورأى المراقبون أن طلب المدعي العام نقل المحاكمة إلى الرياض لا يوجد له تفسير قانوني، ويمكن تسمية هذه الخطّة بالسياسية والجغرافيا السياسية والمصالح الاقتصادية، وليس بالعدالة والقانون.:
الجدير بالذكر أنه بعد مرور أيام على مقتل خاشقجي، وتقطيعه بالمنشار في القنصلية السعودية، سرّبت المخابرات التركية تفاصيل الجريمة إلى صحف تركيا وعالمية عن تلك الجريمة. حينها أوحت التسريبات بأن أردوغان سعى للإطاحة بمحمد بن سلمان، وكاد يُفلح في مسعاه هذا، لولا أن تدخّل الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، لإنقاذ ابن سلمان. فقد أصرّ الجانب التركي، منذ البداية على أن جمال خاشقجي دخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، ظهر يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول، ولم يخرج حيًّا. وقد احتاج الأتراك يومين حتى أكملوا الاستماع لتسجيلات التنصّت على القنصلية ليعلنوا أن جمال خاشقجي قتل داخل مبنى القنصلية، وفي جناح القنصل العام نفسه، وأنه قتل بصورة وحشية وقطعت جثته.:
السلطات التركية سارعت آنذاك لفتح تحقيق جنائيّ في واقعة اختفاء خاشقجي، في حين بدأ المحققون تسريب ما توفر لهم من معلومات، بما في ذلك أسماء وصور مجموعة الاغتيال، وحركة المجموعة طوال يوم الاغتيال وحتى مغادرتها من مطار إسطنبول، وحركة عدد من السيارات المشتبه فيها والتابعة للقنصلية. وما إن بدأت التسريبات حتى أدرك المسؤولون السعوديون أن الأتراك توصلوا إلى معرفة حقيقة ما حدث، فاتصل ابن سلمان بهم وعرض اللقاء لحل الإشكال دون جدوى.
وفي تلك الأثناء أرسلت الرياض مدير جهاز الاستخبارات السعودية، خالد الحميدان إلى أنقرة لمعالجة ما بدا أنه يتطور سريعًا إلى أزمة في علاقات البلدين، حيث وفر الأتراك للمسؤول السعودي فرصة الاستماع لشريط صوتي قصير، يكشف ما حدث لجمال خاشقجي منذ دخوله القنصلية وحتى قتله على يد مجموعة الاغتيال السعودية.:أنكر الحمدان، أي دور لجهازه في العملية، وأبلغ الرياض بخطورة الموقف، ما دفع سلمان بن عبد العزيز للتدخل وإرسال خالد الفيصل لمعالجة الأمر. ولكن عروض خالد الفيصل بتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين وتلميحه إلى إمكانية رفع الحصار عن قطر، فشلت في إقناع الأتراك بتغيير مسار مقاربتهم للحادثة.:
أما اليوم فيبدو أن تركيا قد عادت للعروض السعودية التي سبق وتجاوزتها، أي قبول المساعدات الاقتصادية من الرياض مقابل إغلاق ملف خاشقجي. هذه الاستدارة في الموقف التركي تتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا، وفي ظل تدهور الليرة التركية، وتراجع النمو الاقتصادي. ذلك أن ما يجعل أردوغان في المشهد السياسي حتى الآن هو قدرته على الحفاظ على تماسك الاقتصاد المحلي ومن هنا استطاع تقديم نفسه كمرجعية إسلامية تعني الكثير من المسلمين وليس فقط الأتراك. بالتالي هذا التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد، تدفع الرجل لإعادة بناء توازنات دولية جديدة مع العديد من دول المنطقة وفي مقدمتها "السعودية" لضمان وصوله إلى الرئاسة في الانتخابات المقبلة.
ارسال التعليق