«أولاد العمّ» المطبّعون... التاريخ السري لعلاقة آل سعود بـ«الإسرائيليين» من الملك عبد العزيز 1939... إلى أنور عشقي 2016
لم تكن زيارة الجنرال السعودي ورجل المخابرات السابق أنور ماجد عشقي، إلى الكيان الصهيوني، التي جرت وقائعها خلال شهر يوليو/ تموز 2016، هى الأولى لمسؤول سعودي، ولن تكون الأخيرة.
لكن التاريخ سيسجّل أنّ عشقي ودولته سيدخلونه علنياً، بعد أن كان سرياً، من أسوأ أبوابه، وهو باب «التطبيع» مع كيان محتلٍّ لمقدسات وأرض وحقوق عربية، وقاتلٍ لملايين الضحايا من الفلسطينيين والعرب. سيدخل عشقي التاريخ من أسود أبوابه وأكثرها مذلّة لدولة تدّعي حماية الحرمين الشريفين، دولة قدّمت مبادرة لـ «السلام» عام 2002، أحد أبرز شروطها أنّ التطبيع والعلاقات مع «إسرائيل» مرتهنان بقبولها ردّ بعض حقوق الفلسطينيين. ورغم أنّ ذلك لم يتحقق طيلة الـ 14 عاماً الماضية، منذ إطلاق الملك عبد الله لهذه المبادرة في مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، إلا أنّ عشقي ودولته، قاما بالتطبيع وإعلان بدء العلاقات السياسية والاقتصادية مع «إسرائيل» مجاناً، وفي مخالفة صريحة، حتى لمبادرتهم الفاشلة للسلام !!
علاقات قديمة
إذن هو «العشق» التاريخي بين دولة آل سعود والكيان الصهيوني، والذي لم يعد يطيق أطرافه أن يكتموه، فلقد برح بهم الشوق والهوى!
صحيح أنّ المصالح الجديدة المتمثلة في معاداة الأنظمة الثورية فى المنطقة، ومحاولة بناء حلف جديد يضمّ السعودية و«إسرائيل» وبعض الدول، في مواجهة إيران واليمن وسورية والعراق والمقاومة الفلسطينية واللبنانية وصحيح أنّ ثمّة مصالح جديدة طرأت وزلازل سياسية حدثت طيلة الفترة من 2011-2016 استدعت إعلان «العشق» السعودي لـ «إسرائيل» عبر عشقي ومن قبله تركى الفيصل!
كلّ هذا صحيح… لكن التاريخ يقول إنّ هذا «العشق» والعلاقات الدافئة والسرية كان حاضراً دائماً، وفي هذا البحث سنقدّم بعض صفحات من تاريخ هذا التطبيع السري الذي لم تعد الرياض تنكره، بل هي تتفاخر اليوم به، رغم أنه كان ولا يزال فعلاً فاضحاً في التاريخ العام للأمة والوطن.
أولاًًً: جذور العلاقات السرية بين «أولاد العمّ»: آل سعود والإسرائيليين:
يحدثنا التاريخ أنه، وقبل إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين بعد حرب 1948، وتحديداً في عام 1939، التقى الأمير فيصل، بطلب من والده عبد العزيز، وفداً يهودياً صهيونياً، إنّ ثمّة علاقات خفية جرت مباشرة بين الأسرة السعودية الحاكمة والكيان الصهيوني، وعلاقات أخرى، جرت بطريقة غير مباشرة، دخلت فيها واشنطن وبعض عواصم الغرب على خط العلاقات، فزادتها دفئاً وقوة، ولنتأمل بعض الصفحات:
إن أول لقاء سعودي – صهيوني يعود تاريخه إلى عام 1939، عندما عقد بلندن مؤتمر حول القضية الفلسطينية حضره الأمير فيصل، الذي كان آنئذ وزيراً للخارجية، إذ اجتمع الأمير السعودي مرات عدة، منفرداً، بالوفد اليهودي الصهيوني في المؤتمر، حيث كان الملك عبد العزيز يبذل قصارى جهده لتوطيد علاقاته بالأميركيين. وبمرور الوقت، وعندما أصبحت القضية الفلسطينية أكثر التهاباً، أفلح الأميركيون في إقناع الملك عبد العزيز بالتحايل اللفظي من أجل التخلّص من المسؤولية التاريخية، وذلك بإصدار بيان شديد اللهجة ضد اليهود، لكن من دون أيّ تعهّد من جانبه بالعمل ضدّهم. وقد ظهر ذلك بوضوح في حرب عام 1948. واستمرّ هذا الموقف ليكون أساساً للسياسة السعودية حول القضية الفلسطينية، مجرد بيانات فارغة ومسايرة للرأي العام العربي، لكن من دون أيّ التزام. ومن الطرائف التى يذكرها المناضل الشهيد ناصر السعيد فى كتابه «تاريخ آل سعود» أنّ الملك عبد العزيز دأب، حين كان يلتقي الوفود الفلسطينية وبعضها بقيادة الشهيد عبد القادر الحسيني، على أن يشير إلى عينه العوراء التي اقتلعتها إمرأة في إحدى معاركه ضدّ الحجازيين ويقول: فلسطين في عيني، وأصلاًً عينه لم تكن موجودة!! هكذا قال ناصر السعيد!!
التآمر على عبد الناصر والوحدة
وعندما تسلّم الملك سعود الحكم، وبدأ مغامراته مع النظام المصري بعد ثورة تموز/ يوليو 1952، بالاقتراب منها مرّة، والابتعاد عنها مرّات أخرى، شعرت «إسرائيل» بالقلق، واستطاع موفدوها، تحت مظلة شركة «أرامكو»، أن يجدوا طريقهم إلى الملك سعود. ونجحوا في تحريضه ضدّ عبد الناصر، بعد أن أخفقوا في الوصول إلى ولي عهده فيصل، الذي كان معجباً بعبد الناصر، وكان يأمل في أن يكون حليفاً له في صراعه ضدّ أخيه الملك سعود. وفي عام 1958 ومع قيام الوحدة السورية المصرية، تدهورت العلاقات السعودية المصرية إلى حدّ بعيد، وأصبح الملك سعود مقتنعاً بأنّ عبد الناصر، بعد حرب السويس وقيام الوحدة المصرية السورية وحلّ حلف بغداد، يطمع في السيطرة على المنطقة العربية كلها. وكانت «إسرائيل» تعلم بعلاقات سعود بسورية، ونجحت في إقناعه بضرورة استغلالها لمصلحة العائلة السعودية و«إسرائيل» لمهاجمة الوحدة والإجهاز عليها. فبدأت بالعمل فوراً، حيث تمّ تشكيل لجنة سرية مؤلفة من موظفين يعملان في شركة «أرامكو»، الأول ضابط مخابرات «إسرائيلي» يحمل جواز سفر أميركي، يعمل في قسم العلاقات العامة بالشركة، والآخر سعودي، غير معروف، من أصل سوري. وقد توصلت اللجنة إلى أنّ عبد الحميد السراج، الرجل القوي الذي يرأس جهاز المخابرات السورية، يمكن أن يكون المفتاح لضرب الوحدة، لأنه شخص فوق الشبهات ويتمتع بثقة عبد الناصر الخالصة. فأمطروه بالصكوك المالية، التي تسلّمها بدوره وأعلن عنها، في ما بعد، لفضح المؤامرة الموجهة ضدّ الوحدة المصرية السورية، التي تتضمّن في تفاصيلها اغتيال عبد الناصر. وحين حملت وكالات الأنباء خبر الكشف عن المؤامرة، باء سعود بالخسران، ووجد فيصل فرصته للانتقام، فسافر إلى القاهرة وقابل جمال عبد الناصر ليتأكد بنفسه من أنّ المؤامرة جرت حقيقة وليست مجرد دعاية معادية. وما أن قدّم إليه ملف المؤامرة مع الصكوك المالية وأشرطة التسجيل، حتى أعلن براءته منها وحاول استغلالها لإقصاء أخيه سعود عن الحكم.
يحدثنا التاريخ أنّ «إسرائيل» لم تهدأ تجاه عبد الناصر. فقد وجدت في سياسة التأميم فرصتها لاستعداء فيصل، الذي أخذ موقفه يتغيّر إزاء عبد الناصر. وبالفعل، عبّر عن عدائه له علناً. ولم يكن هذا التغيّر سهلاً على فيصل، الذي عرف بالحكمة والتأني في اتخاذ قراراته، وعدم تغيير موقفه بشكل مفاجئ ومن دون مبرّر قوي. لكن الأكثر أهمية، هو أنّ عداءه لسعود كان قد دخل، في الوقت نفسه، طور المواجهة الحادّة. فلماذا تغيّر بهذا الشكل وخسر حليفاً مهماً في العالم العربي، كان يمكن أن يساعده في التغلب على أجنحة سعود الأخرى؟
في «كلية فيكتوريا» في الإسكندرية أوائل الخمسينات التي كانت، في الحقيقة، مركزاً لتجنيد وتخريج عملاء الإمبراطورية البريطانية، كان هناك ثلاثة طلاب يدرسون في صف واحد، هم: شخصية عربية تبوأت عرش الملكية في دولة عربية مشرقية الملك حسين ، كمال أدهم صهر الملك فيصل، الذي أصبح، في ما بعد، مديراً للمخابرات السعودية وعدنان خاشقجي، الذي أصبح، في ما بعد، من أهمّ تجار السلاح في العالم، وذي علاقات وثيقة بالمخابرات الأميركية الإسرائيلية. وقد استطاعت المخابرات الأميركية تجنيد الثلاثة، وغيرهم، لتحمّل المسؤوليات الموكولة إليهم: الأول ملكاً، وكمال أدهم مستشاراً لفيصل ومسؤولاً عن المخابرات، بينما اختار عدنان خاشقجي حقل الإتجار بالأسلحة والعلاقات السياسية العامة وهذه هي الطريقة المهذبة لتجنيد العملاء .
وعندما تبلورت شخصية عبد الناصر السياسية، بعد انتصاره في تأميم قناة السويس، وفشل نظرية ملء الفراغ الأميركية، التي عرفت، في ما بعد، بـ «مشروع إيزنهاور»، أدركت أميركا أنّ رهانها على عبد الناصر كان خاسراً، وتوصلت المخابرات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية إلى وجوب تحجيم عبد الناصر وتخريب علاقاته بالحكام العرب، لأنّ شعبيته الواسعة يمكن أن تشكل خطراً شديداً على مصالح أميركا و«إسرائيل» في المنطقة.
كان هذا الوقت ملائماً لأعضاء «مجموعة فكتوريا» كي ينهضوا بمسؤولياتهم، فبدأ الملك المذكور بإرسال تقارير إلى العربية السعودية ضدّ عبد الناصر، محذراً من طموحاته في المنطقة. وأخذ كمال أدهم يحشو رأس فيصل بالمعلومات الخاطئة، التي عززها بالمعلومات الأميركية التي استطاع الحصول عليها مباشرة من الأميركان، أو عن طريق خاشقجي. وعندما نجحت هذه المجموعة في مهمتها، تدخلت «أرامكو» للمرة الأولى، فأرسلت للملك سعود تقريراً مفصلاً لما أسمته «تحركات عبد الناصر». وكانت المؤامرة التي أنهت الوحدة المصرية- السورية عام 1961 ذروة النجاح لتلك الجهود. وكان التمويل والتعاون بالطائرات والأسلحة والمؤامرات السياسية بين السعودية و«إسرائيل» فى حرب اليمن لاستنزاف عبد الناصر فيها، كما سنفصل لاحقاً.
ووفقاً للمصادر «الإسرائيلية»، فقد تحركت العربية السعودية لمهاجمة عبد الناصر وفكرة الوحدة العربية. وكان مؤتمر شتورا، في لبنان، تتويجاً لهذا الهجوم. وفي الوقت نفسه، شاركت الصحافة اللبنانية، التي بدأت السعودية بالسيطرة عليها، في حملة دعائية ضدّ عبد الناصر لم يسبق لها مثيل. وفي هذه الأثناء، تمّ تكوين أول مجموعة عمل إسرائيلية سعودية مشتركة، كانت تواصل اجتماعاتها في إحدى الشقق في بيروت، بهدف توجيه الوضع العربي وفق خططها. وبعد ذلك انضمّت إيران – الشاه إلى المجموعة، بعد أن وصل عداؤها لعبد الناصر حداً لا عودة بعده. وكانت المهمة الموكولة لتلك المجموعة هي:
1 ـ صياغة نظرية سياسية متلبسة بلبوس الإسلام، متعاطفة مع الغرب، لاحتواء أيّ آثار جانبية لحركة القومية العربية ضدّ الغرب.
2 ـ تحجيم عبد الناصر.
3 ـ نشر وتعزيز فكرة التحالف العربي الغربي تحت قيادة أميركا، وجعلها مستساغة في الأقطار العربية.
وقد أخذت المجموعة في اعتبارها جميع التجارب التي فشلت سابقاً، مثل «حلف بغداد» و«الحلف الإسلامي» و«مشروع ايزنهاور». وعكفت على إعداد خطة لتحقيق تلك الأهداف. وكانت المهمة صعبة بسبب الظروف الاجتماعية المعقدة في المنطقة، إلا أنّ حرب اليمن وتورّط عبد الناصر فيها، تكفّلت بالأمر كله. بعدها هزم عبد الناصر في عام1967، ثم جاءت السبعينيات والثمانينيات لتمثّل سنوات ازدهار في مجال العلاقات السعودية «الإسرائيلية» السرية والآن العلنية.
فهل أمثال هؤلاء جديرون بالإشراف على الأماكن المقدسة في الحجاز، أو جديرون بأن يؤتمنوا على القضية الفلسطينية. سؤال للأمة وعلمائها وإعلامييها؟!
تحالف في حرب اليمن
ثانياً:التعاون السعودي- «الإسرائيلي» في حرب اليمن ومقاتلة عبدالناصر:
كشفت بعض وثائق المخابرات الأميركية و«الإسرائيلية» التي صارت معلنة الآن، عن حقائق مذهلة عن التعاون التاريخي بين الكيان الصهيوني والكيان السعودي ضدّ عبد الناصر وضدّ الشعوب العربية، وكانت حرب اليمن نموذجاً. لقد انفجرت ثورة اليمن 26 أيلول/ سبتمبر 1963 التي قلبت الوضع كله رأساً على عقب، حيث تدخلت مصر لتأييد الثورة، فتزايد الخطر على العائلة السعودية الحاكمة، التي اعتقدت أنّ الثورة فى اليمن، وتأييد مصر لها، يعنى بداية إيجاد صراع فى المملكة، وتحفيز للمعارضة السعودية، غير الظاهرة للعيان، على البروز.
وفى غمرة ارتباك السياسة السعودية إزاء الثورة اليمنية، ومع تزايد حدّة الصراع على الحكم بين سعود وفيصل، قام كلّ من الملك المذكور وكمال أدهم وعدنان خاشقجي مجموعة فيكتوريا بدورة ناشطة وفقاً لتوجيهات المخابرات المركزية الأميركية، تحت إمرة مباشرة من قبل رئيس مجلس الأمن القومى الأميركي، في ذلك الوقت، المدعو روبرت كومر، الذي كان على صلة قوية بـ«إسرائيل» و«أرامكو».
وقد جابهت هذه المجموعة مشكلة صعبة وحادّة فى شخص الرئيس الأميركى جون كيندي، الذي كان على علاقة حسنة مع عبد الناصر، حيث كان بين الاثنين إعجاب متبادل، لدرجة أنه اقتنع بالاعتراف بالثورة اليمنية، وأخبر فيصل رسمياً أنّ مخاوفه من عبد الناصر والثورة اليمنية أمور مبالغ فيها، وأنّ على العائلة السعودية أن تصرف اهتماماتها إلى تطوير بلادها، بدلاًً من أن تخوض خصومات لا مبرّر لها.
غير أنّ رسائل كومر، باعتباره مسؤولاً عن مجلس الأمن القومي الأميركي، استمرت بالوصول إلى كيندي، وركّزت على نقطة الضعف لدى أيّ رئيس أميركي، وهي ضرورة حماية أمن «إسرائيل» وتجنّب معاداة السامية. وقد طلب من الرئيس الأميركي أن يخبر الأمير فيصل، لدى اجتماعه به في تشرين الأول – أكتوبر عام 1962، ما يلي:
1 إنّ مساعدتنا لمصر تهدف إلى كبح جماح عبد الناصر واحتوائه، وليس إجباره على الارتماء في أحضان السوفيات.
2 إنه من الضروري للمملكة العربية السعودية أن لا تتبع سياسة التمييز ضد اليهود الأميركيين العاملين فى المملكة، وإذا لم يحترم السعوديون هذا العهد الذي قطعه الملك سعود، فسوف يكون تأثير ذلك سلبياً على علاقات الصداقة السعودية الأميركية، لأنّ «إسرائيل» وجدت لتبقى دائماً.
وقد أبلغت فحوى الرسالة إلى فيصل، وكان الهدف منها ثنيه عن أيّ خطة لديه للتعامل مباشرة مع «إسرائيل» لمجابهة عبد الناصر. وفي غضون أيام قليلة، وصل فيصل إلى لندن لمناقشة كيفية معالجة الوضع في مواجهة الثورة اليمنية والتدخل المصري، اللذين كانا خطراً يهدّد كلاً من الحكم السعودي واستمرار الوجود البريطاني في اليمن الجنوبي، بل ويشمل فى تهديده كلّ منطقة الخليج وتدفق النفط، الذي يشكل شريان الحياة بالنسبة للغرب.
وتحرك على الفور كومر مع «مجموعة فيكتوريا»، وإذا كان كيندي لا يريد اتخاذ موقف أميركي بشأن اليمن، استجابة للضغط السعودي، فإنّ البريطانيين كانوا مستعدّين ليفعلوا ذلك، لأنهم شعروا بالخطر المباشر في عدن، آخر معقل للإمبراطورية البريطانية في الوطن العربي، والذي يسعى عبد الناصر لإزالته.
كانت الاستراتيجية «الإسرائيلية» هي أن تضع، ولأول مرة، فيصل على اتصال مباشر مع «إسرائيل»، بواسطة عضو مجلس العموم البريطاني، المحافظ الصهيوني الميول، الذي ترأس ما يسمّى «جماعة السويس»، المدعو جوليان إيمري، وذلك بالتعاون مع النائب ثم الوزير البريطاني دنكان سانديز، الذي كان يزايد على «الإسرائيليين» في عدائه لعبد الناصر. ولكي يعطى الاجتماع أهمية خاصة، قام السير دوغلاس وايت، رئيس جهاز التجسّس البريطاني «أم. أي. 6» بتقديم فيصل إلى إيمري، وحضر القسم الأول من الاجتماع.
في كتابه «الصراع على اليمن» ذكر إيمري أنه أخبر فيصل بأنّ نجاح الكولونيل عبد الناصر في الحصول على موطئ قدم في الجزيرة العربية، التي هي مركز أهمّ الاحتياطات البترولية في العالم العربي، والعالم قاطبة، ينذر بالشرّ، وينبغي على جميع الأطراف المتأثرة مصالحها مقاومته. وقد أخبر فيصل أنّ أيّ محاولة لمواجهة ناصر عسكرياً، سوف تسحق، وأنّ الحلّ هو إقحام اليمن في حرب أهلية، يكون لـ«إسرائيل» فيها دور أساسى ومباشر. هذا بالإضافة إلى إيجاد تحالف قوي بين النظامين السعودي والأردني، وإنهاء حالة التوتر الموجودة بينهما.
وفي الإتجاه ذاته، سعت بريطانيا رسمياً، محاولة تغيير الموقف الأميركي إزاء ناصر والثورة اليمنية.
قاعدة «إسرائيلية» في السعودية
وشهدت المناقشات بين لندن وواشنطن خلافات حادّة حول الأسلوب الأمثل لمعالجة الأزمة اليمنية والتعامل مع عبد الناصر فى اليمن، وقد ارتاعت لندن من إلحاح كيندي على إيجاد تسوية في اليمن، ما دامت بريطانيا لا تعتبر الثورة حركة ضارّة. لذلك، تحركت بالتعاون مع «إسرائيل» لإثارة القوى الضاغطة ممثلة بشركات النفط والبنوك، التي، إذا وجهت ضغوطها، استطاعت أن تنجز شيئاً.
وعلى الرغم من كلّ ذلك، فإنّ كيندي اعترف بالنظام الثوري في اليمن، وإنْ كان اعترافه هذا مصحوباً ببعض الشروط، وعلى ما يبدو، فإنّ فيصل ربما كان مقتنعاً بأنّ التعاون مع «إسرائيل» يجب إلغاؤه بعد الإطاحة بسعود وتتويجه ملكاً مكانه، لكن موافقته في اجتماع تشرين الأول/ أكتوبر 1962 على التعاون السعودي «الإسرائيلي» لمهاجمة الثورة وعبد الناصر، أوجدت وضعاً على أرض الواقع لا يمكن إلغاؤه أو التخلص منه بسهولة، ويعتبر هذا التعاون مهماً جداً، كونه أول تعاون تآمري مع «إسرائيل» موجّه ضدّ أكثر من دولة عربية. ولتدعيم هذا التعاون، نجح كومر في إجبار أميركا على إرسال سرب جوي إلى المملكة العربية السعودية، للبقاء هناك، تدليلاًً على تصميم أميركا في الدفاع عن النظام السعودي، ومنع أيّ هجوم على حدوده. وقد تمّ ذلك بسبب إلحاح الخطة السعودية «الإسرائيلية» عليه.
تمكّن خاشقجي من الحصول على ميزانية غير محدودة لشراء الأسلحة اللازمة للمرتزقة «الإسرائيليين» والبريطانيين، الذين تقرّر إرسالهم إلى اليمن، وكذلك، لتسليح القبائل التي انحازت إلى جانب الملكيين والسعودية.
كذلك، حصل كمال أدهم على ميزانية مفتوحة لرشوة القبائل اليمنية ومواجهة متطلبات الجانب «الإسرائيلى»، تحت ستار مساعدة العناصر اليمنية. وبالإضافة لكلّ ذلك، اتخذت إجراءات أخرى مثل:
1 ـ استئجار الجنود المرتزقة العائدين من بيافرا والكونغو.
2 ـ إعلان جوليان إيمرى النائب البريطاني الصهيوني، ودنكان سانديز، عن تشكيل مكتب باسم «لجنة الدفاع عن اليمن الإمامية»، مستخدمين الضابط البريطاني المرتزق جون كوبر لشراء وتأجير المرتزقة. وشكلت وحدة عمل لهذا الغرض مقرّها في سلون ستريت بلندن.
3 ـ تشكيل إيمري مع فتزوري ماكلين، زوج ابنة هارولد مكملان، لجنة في مجلس العموم البريطاني تحت شعار «عدن لن تلحق السويس»، هدفها الإعلان مباشرة أنّ بريطانيا تدعم وتشارك في كلّ شىء يفعله النائب الصهيوني المحافظ جوليان إيمري.
4 ـ تحرك الضابط البريطاني المرتزق جون كوبر عبر الحدود السعودية إلى منطقة الجوف اليمنية، ليشكل أول وحدة عمل سعودية – «إسرائيلية» مشتركة، لتوجيه جنود المظلات الإسرائيليين من أصل يمني، الذين سينزلون ليذوبوا في المجتمع اليمني، كما هو مقرّر، حيث سيقودون عمليات تخريبية.
5 ـ افتتاح مكتبين لتجنيد المرتزقة أحدهما في لندن والآخر في عدن للغرض نفسه. وكان المكتب الثاني تحت إشراف سكرتير الحاكم البريطاني في عدن، الضباط في القوات الجوية الملكية أر.أ.اف أنتوني ألكسندر بويل، كما أشارت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية في عددها الصادر في 9 آيار/ مايو 1964. وذكره أيضاً، أنتونى ماكلير في كتابه «المرتزقة».
6 ـ كما كان مقرّراً أن تتحرك بريطانيا، بواسطة هؤلاء المرتزقة، عبر الحدود، بينما تتحرك «إسرائيل» من جدة وجيبوتي لإنزال الأسلحة لهؤلاء المرتزقة ومؤيديهم في الجبال اليمنية.
7 ـ إفتتاح مكتب إرتباط سعودي «إسرائيلي» في بيروت، إبعاداً لتلك الأنشطة عن الأراضى السعودية. وقد أقلق وجود المكتب فؤاد أيوب – اللبناني، فأرسل تفاصيل نشاطه، آنذاك، إلى القاهرة، لكى يحمي نفسه من عواقب نسج المؤامرات في لبنان ضدّ مصر.
وكان هدف العملية «الإسرائيلية» البريطانية – السعودية المشتركة، استنزاف طاقات مصر في اليمن، ومحاولة إسقاط النظام الثوري هناك. ولعبت المخابرات السعودية دوراً أساسياً وخطيراًً جداً، في تاريخ العرب الحديث، بتبذيرها المال على «إسرائيل» وتآمرها السري معها، إذ تشير بعض المصادر إلى أنّ السعودية ربما كانت هي المموّل الحقيقي لتحقيق مشروع الغزو «الإسرائيلي» للأرض العربية عام 1967. وكانت أيضاً، الطرف العربي الوحيد الذي عرف بخطة الغزو عشية الخامس من حزيران/ يونيو عام 1967. وكان إلى الجانب «الإسرائيلي» في أغلب الحروب رغم الادّعاءات والأوهام التي روّجت عن حرب النفط عام 1973 وما يجري اليوم ضدّ سورية ولبنان ومقاومته حزب الله وقوى المقاومة الفلسطينية، بل وضدّ مصر في سيناء مع جماعات الإرهاب الوهابية، وبعد مهزلة التنازل المصري عن جزيرتي تيران وصنافير، الذي جاءت لكي تضع السعودية، بأوامر أميركية، قدماً لها في اتفاقية «كامب ديفيد»، وأن تكون بداية للتطبيع والعلاقات العلنية بدل تلك السرية… كلّ هذه الأدوار السعودية التاريخية، تؤكد على الروح التآمرية ضدّ قضية العرب المركزية قضية فلسطين، وتؤكد أنها تخدم وتعمل بإخلاص لصالح العدو الصهيوني منذ نشأت المملكة 1932 وحتى يومنا هذا 2016 .
بقلم : د. رفعت سيد أحمد
ارسال التعليق