أولهم مملكة آل سعود.. تداعيات كورونا تهدد منتجي النفط بـ "سيناريو كارثي"
التغيير
يبدو أن فيروس كورونا المستجد الذي تفشى في الصين له أثر أكبر من كونه مرضاً خطيراً على صحة الإنسان؛ إذ يتعدى إلى تهديد كبير لاقتصادات عدة دول.
هذا ما تكشف عقب توقف العديد من القطاعات الصناعية الصينية نتيجة انتشار الفيروس، ليتبين لاحقاً حجم تأثير الصين على العالم.
وتعتبر الدول التي تزود بكين بالنفط، وأبرزها آل سعود، أكثر الدول التي يتهدد اقتصادها توقف القطاع الصناعي الصيني، بحسب ما تشير إليه أرقام الصادرات النفطية إلى الصين.
وبالنظر الى نمو استهلاك الصين والهند فقد مثلتا نحو شطر النمو العالمي في العقدين الماضيين، وظل متوسط طلب الدول الصناعية المتقدمة –المتمثل في مجموعة الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية– شبه ثابت خلال الفترة بين عامي 2000 و2019، حيث كان نحو 47.83 مليون برميل يومياً عام 2000، وبقي تحت مستوى 48 مليون برميل يومياً في 2019.
الصين أكثر الدول استهلاكاً للنفط
تأتي الصين على رأس الدول التي تضخم فيها استهلاك النفط، حيث ارتفع من 4.6 ملايين برميل يومياً عام 2000 إلى 13.1 مليون برميل يومياً في 2019، مرتفعاً 185%، وتعتبر الصين أكثر البلدان استهلاكاً للنفط من بين البلدان غير المنتجة له.
وتحل الهند في المركز الثاني في استهلاك النفط عالمياً، حيث ارتفع استهلاكها بما يقل قليلاً عن ثلاثة ملايين برميل يومياً في عام 2019.
ونتج من النمو السريع لاستهلاك الصين والهند النفطي تضاعف أهميتهما للدول المصدرة للنفط، حيث تستوردان معظم استهلاكهما من الخارج.
وحلت الصين مكان الولايات المتحدة بمرتبة أكبر مستورد للنفط في العالم، وأزاحت الهند اليابان عن المركز الثاني في استيراد واستهلاك النفط.
آل سعود أكبر موردي النفط للصين
وتعتبر مملكة آل سعود أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين، لا سيما مع تعرض الواردات من إيران وفنزويلا إلى الانخفاض بسبب عقوبات أمريكية.
وبحسب بيانات من الإدارة العامة للجمارك في الصين تصل شحنات النفط السعودي إلى 7.17 ملايين طن شهرياً، أي ما حجمه 1.74 مليون برميل يومياً.
ومع عدم القدرة على احتواء فيروس كورونا الجديد حتى الآن، تقول تقارير صينية إن الطلب على النفط في البلاد تراجع بمقدار ثلاثة ملايين برميل يومياً؛ أي بما يعادل 20% من إجمالي الاستهلاك تقريباً.
وتشير التقارير الواردة من الصين إلى أن كثيراً من الشركات العالمية الكبرى اضطرت لوقف الإنتاج في مصانعها بالصين وخارجها؛ نتيجة انتشار الفيروس الذي تسبب في انقطاع سلاسل إمدادات لوازم الإنتاج القادمة من المصانع الصينية.
وفي شأن قطاع النقل العالمي تم تعليق خدمات النقل البحري والجوي من وإلى الصين، وكذلك عدد من الدول الآسيوية الأخرى.
وحسب دراسة تحليلية نشرها "مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، على موقعه الرسمي، فإنه مع انتشار فيروس "كورونا" من المتوقع أن تعرف أسواق النفط ضغوطاً أقوى في الفترة المقبلة؛ إذ يرجح انخفاض الطلب العالمي على الخام نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي والآسيوي.
وأضافت أن مصافي النفط الحكومية الصينية، وفي مقدمتها "مؤسسة البترول الوطنية الصينية، و"بتروتشاينا"، قلصت طاقة تكرير النفط الخام بنحو 1.5 مليون برميل يومياً حتى الأسبوع الثاني من فبراير الماضي، مبينة أن هذا التقليص اضطر الشركات الصينية لإعادة جدولة شحنات استيراد الخام من بعض دول العالم، ومن ضمنها الدول منتجة النفط في الشرق الأوسط.
وتوقع آخر تقرير لوكالة الطاقة الدولية تراجع الطلب العالمي على النفط في الربع الأول من عام 2020، للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية عامي 2008 و2009، نظراً إلى تفشي الفيروس عالمياً، مبيناً أن عواقب الفيروس بالنسبة إلى الطلب العالمي على النفط ستكون كبيرة.
المخاوف من آثار فيروس كورونا المستجد دفعت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في أكثر من عام في التداولات الأخيرة، والأنظار تتجه إلى اجتماع "أوبك+"، يوم الجمعة (6 مارس الجاري)؛ في محاولة لتخفيف الضغوط على الخام.
الكويت تبحث عن أسواق جديدة
الكويت تأكدت أنها في موقع لا تحسد عليه؛ إذ تعد الصين أبرز أسواقها المستهلكة للنفط، وبدأت البحث عن أسواق نفط جديدة.
وبحسب ما أوردت صحيفة "القبس" الكويتية، الاثنين (2 مارس الجاري)، قالت مصادر نفطية موثوقة إن الكويت تبحث عن بدائل وأسواق جديدة لتسويق نفطها؛ بهدف تعويض الفاقد من الكميات المخصصة لأسواق شرق آسيا.
وأوضحت المصادر أنه في حال استمرار تفشي فيروس كورونا في شرق آسيا، خلال شهر مارس الجاري؛ فإن التداعيات الاقتصادية السلبية ستتفاقم إلى حد كبير، ما يؤثر سلباً على الدول المنتجة للنفط خلال شهري أبريل ومايو المقبلين.
وقالت المصادر نفسها إنه مع الإغلاق الواسع للاقتصاد الصيني فإن صادرات دول المنطقة شهدت انخفاضاً بنسب متفاوتة، مشيرة إلى أن الصين تستورد من الكويت 500 ألف برميل يومياً، وقامت فعلياً بتخفيض وراداتها النفطية من الكويت.
السيناريو الكارثي
خبراء أكدوا أن تداعيات انخفاض الطلب العالمي على النفط بقيادة الصين سيكون "كارثياً" على دول أخرى تعتمد في وارداتها على النفط، وتأتي مملكة آل سعود في مقدمتها.
وقالت إيلين فالد، خبيرة أسواق الطاقة الأمريكية في تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" للأنباء، في فبراير الماضي، إن المخاوف من التداعيات الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا دفع أسعار النفط العالمية إلى أقل مستوياتها منذ أكثر من عام، رغم خفض الدول المنتجة لإنتاجها منذ أكثر من عام.
وأضافت: إن هذا "يهدد بصدمات اقتصادية للدول النفطية تفتح الباب أمام اضطرابات سياسية وإقليمية في هذه الدول".
ذكرت إيلين فالدي: "إننا لا نعرف حتى الآن التأثير الكامل لانتشار الفيروس على الطلب العالمي على الطاقة، وبخاصة إذا انتقل التباطؤ الاقتصادي من الصين إلى باقي دول العالم".
وتابعت: "يمكن أن يتمثل السيناريو الكارثي لصناعة النفط في تراجع أسعاره إلى ما بين 30 و35 دولاراً للبرميل من خام برنت القياسي، واستمرار هذه الأسعار المنخفضة لعدة أشهر".
ووفق قولها: "سيمثل هذا الموقف مشكلة وتهديداً بالنسبة للدول المنتجة للنفط، التي ستكون أكثر حدة من تلك التي واجهها منتجو النفط عندما انخفضت الأسعار إلى 40 دولاراً أو 35 دولاراً للبرميل، عامي 2015 و2016".
ارسال التعليق