إصلاح الاقتصاد السعودي يتحقق بتغيير سياسة المملكة (مترجم)
يتحرك الاقتصاد السعودي ببطء شديد، كما أن عملاء البنوك غاضبون وغير مهتمين بأخذ أي قروض، ولكن ربما هناك أخبار جيدة، حيث التوقعات بتراجع الانكماش الاقتصادي الذي شهدته الدولة، فقد أعادت الدولة خصومات الرواتب لثلثي العمال السعوديين بعدما خفضتها في عام 2016، وكان ذلك وفقًا لرؤية عام 2030 لإعادة هيكلة الاقتصاد بعيدًا عن النفط.
خفضت السعودية رواتب موظفي الدولة بنسبة 20%، بجانب البدلات والفوائد، وبما أن ثلثي السعوديين يعملون في وظائف حكومية، فإن هذه التخفيضات كانت أحد الإصلاحات الهامة، متوسط الرواتب في القطاع الحكومي أعلى 1.7 مرة من القطاع الخاص، وبحلول عام 2016 ارتفعت فاتورة الرواتب لتصل إلى 45% من الإنفاق الحكومي.
رأت الحكومة السعودية أن تخفيض الرواتب لم يأتِ وفقًا للهدف المنشود، وبالتالي تراجعت عن القرار، وأعادت الرواتب إلى ما كانت عليه، حيث قادت هذه التخفيضات إلى خفض الإنفاق الاستهلاكي، وبدأ المواطنون يتذمرون، فعلى سبيل المثال تقلص قطاع التجزئة بنسبة 1.2% في عام 2016، بعدما ارتفع 2.8% في عام 2015.
وقام الإصلاحيون السعوديون بقيادة نائب ولي العهد، محمد بن سلمان، بتعديل خطتهم، ومنذ اقحامه إلى الحكم في عام 2015، بشكل رسمي، بدأ بن سلمان في اتخاذ خطوات لتحريك الاقتصاد السعودي بعيدًا عن النفط، ووضع السياسات وفقًا لمدرسة اقتصادات لندن.
رؤية الأمير لعام 2030 تستهدف الابتعاد عن الاعتماد على النفط، وتعزيز القطاع الخاص، والحد من البطالة التي تتجاوز نسبة 30 % من الشباب، بجانب خصخصة 5 % من شركة النفط الحكومية أرامكو السعودية، مما قد يستقطب 100 مليار دولار للمملكة، بجانب إقامة مشاريع أخرى من بينها ترفيهية.
إعادة رفع الرواتب ربما لا تكون الخطوة المثالية، ولكنها كانت الخيار السياسي الوحيد، وكل ذلك يقع على عاتق محمد بن سلمان، لكسب ثقة الجمهور من خلال الإصلاحات التي يصفها بالضرورية لمستقبل الاقتصاد السعودي.
ويراهن فريقه على أن “الانتصارات” المرئية في التصدي للفساد وتحسين الكفاءة البيروقراطية وتعزيز الشفافية ستساعد في إقناع السعوديين بأنهم يستحقون تحمل التقشف في المستقبل.
يحاول الأمير الصغير التأثير على السياسات الاقتصادية للبلاد منذ عام 2015، حيث اجتماعاته المستمرة مع المهنيين السعوديين في مختلف المجالات.
أسلوب محمد بن سلمان في الحوار يعكس أمل السعوديين في الإصلاحات، وبالتالي يقبل المواطنون التغيير، خاصة بعد انخفاض أسعار النفط عالميًّا في عام 2014، وتراجع الميزانية السعودية لتصل إلى العجز المزدوج، وانخفاض الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي السعودي بنحو 200 مليار دولار، مما دفع الحكومة لطرح سندات دولية لجمع المزيد من المال، ورغم ذلك لا يزال هناك انخفاض في الناتج الإجمالي المحلي، كما أن التوقعات طويلة الأجل تتوقع حدوث عجز متزايد.
وراء السياسات المالية والاستثمارات يوجد سؤال ما إذا كان محمد بن سلمان يمكنه تغيير المعادلة الأساسية للسياسة السعودية، والتي تعتمد على رعاية المواطنين بشكل كامل.
غير مسموح للمواطنين السعوديين بسؤال العائلة المالكة عن سياستها، رغم المقاومة البسيطة التي تظهر أحيانًا من المؤسسة الدينية أو المجتمع الليبرالي.
الإصلاحات السياسية لا تصب في مصلحة الاستقرار الأساسي للملكة، وتجعله موضع شك، فإذا كانت الحكومة تريد تقليم شبكة الأمان الاجتماعي، فعليها تقديم شيء آخر ربما مثل الحقوق السياسية.
تحتاج هذه الإصلاحات لسنوات طويلة لتؤتي ثمارها، ولكن مع عدم شعور السعوديين بنتائج الرؤية الملموسة، تذمروا فورًا بعد تخفيض الرواتب بنسبة 20%، فمن الناحية العملية مثلت هذه التخفيضات عبئًا كبيرًا على الطبقة المتوسطة.
يلجأ العديد من السعوديين للتعامل مع القطاع الخاص بسبب سوء نوعية الخدمات الحكومية المجانية، وينطبق ذلك على التعليم.
يعاني السعوديون من مشاكل النقل، حيث الاقتصار على السيارات الخاصة، ومع عدم السماح للنساء بقيادة السيارات يعتمدون على أحد أفراد الأسرة الذكور أو يستقلون سيارات أجرة لإنجاز المهام اليومية، أو الاستعانة بسائق خاص، والذي يكلف الأسرة أكثر من نصف راتبها.
تسعى المملكة لإنشاء مترو في العاصمة الرياض، وحتى الانتهاء من المشروع، ستظل المدينة ممزقة وأمام خيارات محدودة للنقل.
قبل أيام من إعادة رفع الرواتب، ظهرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للاحتجاج، ودعت حسابات على تويتر لعودة التخفيضات، وبعد ساعات قامت الحكومة السعودية بإصدار مرسوم ملكي يفيد بعودتها.
في الفترة المقبلة قد يكون المسار السعودي على خفض الرواتب أقل تركيزًا، وفي تصريح لمحمد بن سلمان، بأن عودة الرواتب جاءت وفقًا للخطة بعد ارتفاع الإيرادات، يبدو أن تفسيره يهدف فقط إلى طمأنة السعوديين بأنهم بين أيدٍ أمينة.
ولكن يبدو أن الأحداث لا تسير طبقًا للخطة، فوفقًا للأحداث، بعد عودة الزيادات، فرضت الحكومة السعودية ضريبة القيمة المضافة والتي ستدخل حيز التنفيذ في عام 2018.
يؤكد المسؤولون السعوديون حرصهم على حماية الرفاهية الاقتصادية للسعوديين، ولكن ما يحدث داخل الوزارات من خفض التكاليف يعكس غير ذلك.
تحاول الحكومة السعودية مكافحة الفساد، فقامت بإقالة وزير الدولة للخدمة المدنية، والذي اتهم باستغلال سلطته لخدمه ابنه في الحصول على وظيفة، في رسالة بأن المحسوبية لن يصبح لها مكان في رؤية 2030.
كل ما يحدث الآن في المملكة مجرد تفاصيل صغيرة يتم الإعلان عنها، ولكن الإصلاحيين يعرفون جيدًا أن الإصلاح الحقيقي سيكون في إعادة بناء أعماق الدولة السعودية، وليس إصلاح أسلوب الحكام، فهناك 13 عامًا طويلة قبل الوصول إلى 2030، وسيكون كل عام أصعب من سابقه.
بقلم : ريهام التهامي
ارسال التعليق