إصلاحات بن سلمان في الميزان - مشهد "براق" نحو الخارج .. ماذا عن الداخل؟
التغيير
إجراءات سريعة ومتلاحقة اتخذها نظام آل سعود يرى البعض بأن هذه الإجراءات ما هي إلا تحرك لتحسين صورة المملكة التي تضررت كثيراً بعد حادث مقتل خاشقجي واعتقال وتعذيب ناشطات نسويات. آخرون يرون أنها إصلاحات كان لابد منها.
إجراءات متلاحقة اتخذها ملك آل سعود سلمان ويشرف عليها نجله محمد، تتنوع بين الاقتصادي والاجتماعي ضمن خطط لتحديث المملكة المحافظة وجذب استثمارات أجنبية والانفتاح على العالم.
هذه الإجراءات المتسارعة تم استقبالها بطريقتين مختلفين تماماً، فهناك من أثنى عليها ورأى فيها محاولة للقطيعة التامة مع زمن مضى كان فيه المجتمع منغلقاً على نفسه بشدة، وأصبح اليوم يسير في طريق التحديث والانفتاح، على الجانب الآخر، هناك من رفض هذه التغييرات جملة وتفصيلاً، ورأى أنها تتصادم مع قيم وثقافة المجتمع السعودي المحافظ، حتى أن بعض من قبلها رأى أنها صادمة في وتيرتها المتسارعة بشدة.
إصلاحات تخفي واقعاً مظلماً
شملت تلك الإجراءات إلى جانب النواحي الاقتصادية، إجراءات متعلقة بتغيير شكل وطبيعة المجتمع السعودي، وهي في ذلك الإطار مسّت بشكل أساسي المرأة السعودية، كالسماح للمرأة بقيادة السيارات وانتهاء شرط ارتداء النساء أزياء تغطيهن بالكامل، كما أصبح مسموحا لأي رجل وامرأة من الأجانب مشاركة غرفة الفندق دون تقديم ما يثبت الصلة بينهما. وأخيرا أعلنت وزارة الشؤون البلدية والقروية السعودية أنه لم يعد أمرا إلزاميا على المطاعم أن يكون لها مدخل للأسر والنساء وآخر للرجال بمفردهم.
لكن على الجانب الآخر، صدرت قرارات بالقبض على عدة ناشطين مدافعين عن حقوق المرأة، وتعرضت الكثيرات منهن لسوء المعاملة التي وصلت إلى حد التحرش الجنسي والتعذيب. جاء ذلك ضمن حملة أوسع نطاقاً شهدت القبض على عشرات من الكتاب والشيوخ والاقتصاديين والصحفيين وغيرهم.
أيضاً قامت سلطات آل سعود باحتجاز العشرات من الأمراء والوزراء وكبار رجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون في الرياض ضمن حملة لمكافحة الفساد اعتبرها منتقدون استعراضاً للقوة وابتزازاً لخصوم ولي العهد. تلك الإجراءت الإصلاحية والمترافقة مع حملات الاعتقال وإغلاق المجال السياسي وصفتها منظمة هيومان رايتس ووتش بأنها "تغيير فادح الثمن".
وتقول منظمات حقوقية دولية إنه لإظهار أن سلطات آل سعود تطبق إصلاحات حقيقية، ينبغي للملك وولي عهده إدخال إصلاحات جديدة تكفل تمتع المواطنين السعوديين بحقوقهم الأساسية، وأن السلطات تستطيع أن تثبت هذا الالتزام فوراً، من خلال إطلاق سراح كافة المعتقلين تعسفياً أو لتهم متصلة فقط بآرائهم أو تعبيرهم السلمي، بحسب ما قالت هيومن رايتس ووتش.
ويقول الدكتور حمزة الحسن، الباحث والصحفي السعودي المعارض والحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة وستمنستر البريطانية، في مقابلة مع DW عربية إن نظام آل سعود اليوم يشهد بالفعل تحولات اجتماعية كبيرة قام بها محمد بن سلمان، مؤكداً على أنه لا يتفق مع من يقول إن كل ما قام به محمد بن سلمان هو خطأ، "لكني أستطيع أن أميز الدوافع السياسية خلف الفعل الاجتماعي".
ويرى الباحث والكاتب السعودي المقيم في لندن أن النظام السعودي لديه مشكلتين أساسيتين: مشكلة لها علاقة بالمرأة لأن سمعة السعودية في هذا الإطار سيئة جداً والمشكلة الأخرى تتعلق بالاقتصاد نفسه وأن هذا الوضع الاقتصادي حتى يتغير يجب أن يشارك فيه نصف المجتمع المعطل وهي المرأة، "وبن سلمان يشعر بالضغط عليه في قضية المرأة، ولهذا فبعد أن نضجت قضية المرأة اختطف الخطاب الحقوقي النسوي ورسم نفسه محرراً للمرأة، ثم سجن النساء اللواتي قمن بعمل جبار خلال السنوات الماضية، كما قام بترفيع نساء جدد لكي يلمعن صورة النظام في الخارج وأمام الأمريكيين تحديداً".
يتفق ما يقوله الحسن مع تعيين نظام آل سعود لأول سفيرة سعودية، وهي ريما بنت بندر سفيرة المملكة في واشنطن، والتي تغرد باستمرار داعمة لقرارات ولي العهد:
ويرى حمزة الحسن أن الإجراءات التي تنفذ حالياً في السعودية لا يوجد بينها والأحداث التي تقع من حين لآخر رابط زمني أو أنها تحدث كرد أو نتيجة لها، مثل اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي أو حادث إطلاق النار في قاعدة أمريكية والمتهم فيه مواطن سعودي اتهم بالتشدد. ويضيف موضحاً أن هذه الإجراءات وراءها استراتيجية وليس لتلك القرارات علاقة بالأحداث الجارية، "فأصل الاستراتيجية قائم ومرسوم وواضح والتنفيذ يتم من قبل وقوع مثل هذه الأحداث".
الإجراءات الإصلاحية.. حجر في بحيرة ساكنة
لكن الكاتب الصحفي والروائي السعودي هاني نقشبندي يختلف مع هذا الطرح. ويشبه نقشبندي ما يحدث في السعودية ومجتمعها المحافظ "كبحيرة هادئة وساكنة تماماً، وبالتالي فأي حجر صغير يلقى فيها سيحرك المياه بشكل كبير".
وقال إن المجتمع السعودي ولسنوات طويلة كان محط الأنظار وذلك لوجود بعض القرارات غير المقبولة لا داخلياً ولا خارجياً؛ كمسألة منع المرأة من قيادة السيارات، "وبالتالي فأي قرار يتصل بهذه القضية مهما كان بسيطاً كان يأخذ أبعاداً وصدى كبيراً للغاية وليس للآلة الإعلامية السعودية دور في هذا الأمر أبداً وهي لم تقم في ذلك بتضخيم الحدث وإنما المنظومة الإعلامية الدولية هي من غطت الحدث بكثافة شديدة".
تغييرات سريعة.. أكثر من اللازم!
ربما تكون قطاعات واسعة من المجتمع السعودي ذي الأغلبية الشبابية قد تقبلت تلك التغييرات التي يجريها ولي عهد آل سعود لكن الاعتراض الذي برز على السطح هو السرعة التي تتم بها تلك التغيرات.
ويؤكد الدكتور حمزة الحسن، المعارض السعودي البارز، على أن "الترفيه أمر جيد بلا جدال، لكن الجرعة خارجة عن إطار الضبط والحدود والقيم المجتمعية". ويرى الحسن أن "المجتمع السعودي خنقته الوهابية التي تتحرك منذ عقود بأمر القيادة السياسية".
وبحسب حمزة الحسن فإن هناك ضيقاً مكتوماً وخصوصاً في نجد حاضنة الوهابية، مشيراً الى أن محمد بن سلمان "يريد تغيير الشخصية السعودية كاملة وهذا مستحيل أن يحدث بهذا الشكل وهذه الوتيرة، لأن الجرعة زائدة عن الحد وفيها استفزاز لكل القيم المجتمعية ومتصادمة معها".
وقال إن أحد مظاهر رفض هذا التغيير شديد السرعة لوجه المجتمع السعودي وقوع هجمات على حفلات ترفيهية في أماكن مختلفة، "وهذا كله بسبب الاستفزاز، لأن ابن سلمان يريد حرق المراحل. بلد مغلق منذ 100 عام وفجأة يريد عمل هذا الانفتاح بهذا الشكل فأنت لا يمكنك أن تجعل الأمر على ما هو عليه في الإمارات والبحرين والكويت، وأن ذلك التحول السريع سبب صدمة دينية وحضارية وثقافية ما سينتج عنه رد فعل مضاد وعنيف، فأنت لا يمكنك أن تجعل من الدرعية لاس فيغاس في يوم وليلة".
ارسال التعليق