إلغاء الجلد وإعدام القُصَّر في مملكة آل سعود إصلاح قضائي أم تبييض سياسي ولماذا الآن؟؟
التغيير
قراران لافتان، اتخذتهما سلطات آل سعود، خلال يومين، ربما يحملان الكثير من الدلالات؛ الأول هو إلغاء عقوبة الإعدام على مرتكبي الجرائم من القصر، والثاني إلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير.
ومنذ سنوات تلح منظمات حقوقية دولية، على المملكة لإلغاء هاتين العقوبتين، ضمن مطالب أخرى بإلغاء أشكال أخرى من العقاب البدني، مثل قطع يد السارق، أو قطع الرأس في جرائم القتل والإرهاب.
ويطبق النظام القضائي السعودي، 3 أنواع من العقوبات، هي الحد، والقصاص، والتعزير.
والحد عقوبة وردت في القرآن الكريم، مثل جلد "الزانية" و"الزاني"، أما القصاص فهو معاقبة الجاني بمثل ما فعله بالمجني عليه مثل القتل بالقتل والجرح بالجرح، أما التعزير فهو متروك للقاضي في الجنايات التي لم يرد فيها نص حد أو قصاص.
وسيترتب على القرارين، إقرار العديد من العقوبات البديلة إلى جانب عقوبة السجن والغرامة، وإدخال تعديلات جوهرية على النظام القضائي في المملكة.
عقوبة الجلد
يطبق قضاء آل سعود عقوبة الجلد على مرتكبي مجموعة متنوعة من الجرائم في مملكة آل سعود، من بينها السكر العلني.
ووفق الوثيقة الصادرة عن المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية في المملكة)، فإن عقوبة الجلد التي جرى إلغاؤها سيتم استبدالها بعقوبة السجن أو الغرامة أو بهما معا، أو أي عقوبة بديلة مثل الإلزام بتقديم خدمات اجتماعية ونحو ذلك.
ويأتي على رأس أشهر قضايا الجلد في تاريخ المملكة، الحكم على المدون السعودي "رائف بدوي" بألف جلدة (بواقع 50 جلدة بشكل أسبوعي) حتى انتهاء عقوبته، والسجن 10 سنوات بتهمة سب وازدراء الإسلام، مطلع 2015.
وأثارت عقوبة "بدوي" انتقادات واسعة في الخارج، ووضعت المملكة في مواجهة عاصفة انتقادات حقوقية كبيرة، ووصفتها الأمم المتحدة، في بيان، بأنها "عقوبة وحشية وغير إنسانية"، وطالبت الخارجية الأمريكية وقتها بإعادة النظر في القضية.
وتحت وطأة تدخل البرلمان الأوروبي، ومنح "بدوي" جائزة "ساخاروف لحرية الفكر" في العام 2015، إضافة إلى تدهور صحته، اضطرت الرياض إلى عدم استكمال تنفيذ العقوبة.
إعدام القُصَّر
وبحسب بيان صادر عن رئيس هيئة حقوق الإنسان بنظام آل سعود، "عواد العواد"، فإن الأمر الملكي بإلغاء عقوبة الإعدام للقصر "يعني أن أي شخص حُكم عليه بالإعدام في جرائم ارتكبها عندما كان قاصراً لم يعد يواجه خطر الإعدام".
وسيتم استبدال العقوبة الملغاة، بالحكم بسجن الفرد مدة لا تزيد على 10 سنوات في منشأة احتجاز للأحداث، وفق البيان.
وخلال العام الماضي، نفذت سلطات آل سعود في المجمل، أحكام الإعدام بحق 184 شخصا، بينهم 6 نساء و178 رجلا، كان أكثر من نصفهم بقليل مواطنين أجانب، مقارنة بـ149 شخصُا في عام 2018، بحسب منظمة "العفو" الدولية.
ويصف "العواد" ما حدث بأنه يوم مهم للسعودية، ومجرد واحدة من الكثير من الإصلاحات في الآونة الأخيرة بالمملكة، وخطوة مهمة إلى الأمام في برنامج المملكة لإصلاح حقوق الإنسان، بما يتفق مع المعايير الدولية.
كذلك وضعت الوثيقة الصادرة من المحكمة العليا بنظام آل سعود، الخطوة في سياق "الإصلاحات والتطورات المتحققة في مجال حقوق الإنسان بتوجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز وبإشراف ومتابعة مباشرتين من قبل محمد بن سلمان".
اللافت أن إلغاء إعدام القُصر، وعقوبة الجلد في قضايا التعزير، جاء قبل أقل من مرور 48 ساعة، على وفاة المفكر والحقوقي السعودي "عبد الله الحامد" في أحد سجون آل سعود.
وربما يراد من وراء الخطوتين، تذويب الزخم الذي صاحب وفاة "الحامد"(69 عاما) جراء تعرضه لإهمال طبي، ورفع لافتة تحمل "إنجازا" إصلاحيا سينسب لمحمد بن سلمان.
ومنذ تضرر صورته الإصلاحية إلى حد كبير جراء مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، داخل قنصلية آل سعود بإسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2018، يسارع "بن سلمان" الخطى نحو إبراز وجه أكثر انفتاحا للمملكة في عهده، ما يعمل على خفيف حدة الانتقادات الدولية لبلاده.
ففي غضون أقل من 3 سنوات من توليه منصب ولاية العهد منتصف 2017، أنهى "بن سلمان" حظرا دام عقودا على قيادة المرأة للسيارة، وسمح للسعوديات بدخول ملاعب كرة القدم، وأتاح للمرأة بمملكة آل سعود السفر إلى الخارج دون إذن ولي الأمر، وكذلك ألغى سياسة فصل النساء في المطاعم.
لكن بموازاة ذلك، فإن أوساط حقوقية، ودوائر غربية، ترى أن "ابن سلمان" عزز سلطة القمع في بلاده، وهو قمع بلغ ذروته في جريمة قتل الصحفي "جمال خاشقجي" في قنصلية آل سعود في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وفيما يبدو، فإن قرارات آل سعود الأخيرة تخاطب الخارج أكثر من الداخل، ضمن محاولات "بن سلمان" لإعادة لتسويق نفسه ورؤية لإصلاح المملكة، خاصة بعد تعرض سمعته لأضرار كبيرة بسبب الممارسات القاسية مثل قتل "خاشقجي" وحرب اليمن.
وداخليا، يمكن للقرارات الأخيرة أن تساعد في تخفيف الاحتقان المجتمعي المتزايد بسبب خطط التقشف وزيادة الأسعار، مع رهان خاص على الشباب بوصفهم الشريحة الأكثر اهتماما بالانفتاح والتحرر من التقاليد والقوانين المتشددة، أكثر من أي شيء آخر.
ارسال التعليق