ابن سلمان: المصير المعلّق
اسعد ابو خليل-الاخبار
ليس من المبالغة القول إن مصير محمد بن سلمان معلّقٌ في يد بايدن. بايدن يستطيع أن يحيي محمد بن سلمان وأن يميته، أن يرفعه إلى العرش، أو أن يطيحه. لا يمكن لمحمد بن سلمان أن يرتقي إلى العرش إذا لم يرضَ عنه جو بايدن. بايدن يقرّر من سيكون الملك المقبل في السعوديّة بعد وفاة الملك سلمان. محمد بن سلمان لم يعد حرّاً كما كان في عهد ترامب (كان التواصل بينه وبين جاريد كوشنر يوميّاً على الـ»واتسآب»)، وإن كانت حريّته مقيّدة لأن رضى ترامب عنه كان مشروطاً بنفقات باهظة لصفقات أسلحة ولتقرّب مستمرّ مع الحكومة الـ«إسرائيل»يّة. مقابل الامتثال لأوامر كوشنر، سمحت إدارة ترامب لمحمد بن سلمان بالقيام بمغامرات، من خطف واعتقال الحريري إلى قتل خاشقجي إلى تسعير الحرب الوحشيّة في اليمن. بايدن قيّد نفسَه بوعود في الحملة الانتخابيّة إذ هو وصف الحكم السعودي بالنظام «المارق» (هذه ترجمة رديئة لكلمة إنكليزيّة لكن هذه المصطلحات يُترجمها عادة عاملون في منظمات الأمم المتحدة من العرب الأميركيّين أو المستشرقين الأوروبيّين). لم يكتفِ بذلك بل وعد بايدن بمحاسبة محمد بن سلمان على جريمة قتل خاشقجي—والأخير عزيز على قلوب أسوأ الصحافيّين العاملين في واشنطن. (هؤلاء أحبّوا خاشقجي ليس فقط لأنه كان «مُدبِّر الإعلام» لأكثر من أمير سعودي وكان يسهّل عمل المراسلين الغربيّين في المملكة بل لأنه أيضاً كان في سنة معارضته في واشنطن يوقّع على مقالات تقول ما يريد الصحافيّون الليبراليّون الغربيّون أن يقولوه بلسان عربي—لكن بالإنكليزيّة لأن للبروباغندا أحكاماً لغويّة). بايدن قال إنه لم يجد أي جانب حسن في شخصيّة محمد بن سلمان.أدرك ابن سلمان أن زمن ترامب قد ولّى وأن هناك ثمناً لرضى بايدن عنه. تأخر بايدن في مهاتفة الملك سلمان كما أنه اشترط عدم وجود محمد بن سلمان أثناء المكالمة، كأنه يستطيع أن يضمن ذلك. حتماً كان محمد بن سلمان حاضراً للمكالمة الوجيزة. الأثمان التي يتوجّب على محمد بن سلمان دفعها باهظة: الاستمرار في طلبات مشتريات السلاح الذي يضخّم الخزانة الأميركيّة، وإنهاء حرب اليمن. كما أن أميركا سمحت لـ «إسرائيل»» بالمضي في عدوان تمّوز ضد لبنان في ٢٠٠٦، فإنها عندما وصلت إلى اليوم الثالث والثلاثين قالت للعدوّ: لقد سمحنا لكم بثلاثة وثلاثين يوماً وعجزتم عن تحقيق النصر ضد حزب لبنان. لو استمررتم ثلاثين يوماً إضافيّة لن تحقّقوا النصر. ساعدت أميركا «إسرائيل» على تقبّل الحقيقة: أن «إسرائيل» أُذلَّت على أرض المعركة كما لم تُذلّ في تاريخها (وعبّرت القيادة الأميركية عن ضيقها من الفشل الإسرائيلي لأن القيادة العسكريّة الأميركيّة كانت تاريخيّاً تكنّ إعجاباً بالقدرات الحربيّة للجيش. انخفضت مرتبة «إسرائيل» في نظر المنظّرين العسكريّين هنا) وجد جيش «الأيام الستة» من يذلّه على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً. وكما قال عامر محسن قبل أيّام، كانت رحلة الاجتياح الإسرائيلي» في زمن المقاومة الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة لا تستغرق أكثر من ساعات.
قرّر فريق بايدن إنهاء حرب اليمن، ووليّ العهد المعتد—كانَ—بنفسه في الإعلام يقرّر فجأة تقديم مبادرة سلام عن اليمن، والمبادرة تسمح بإدخال المواد الغذائيّة إلى ميناء الحديدة (هذه هي معايير النظام السعودي الذي يزعم أنه منع استيراد الخُضر والفواكه من لبنان فقط بسبب شحنة مخدّرات، فيما هو كان قد خفّض التبادل التجاري مع تركيا بنسبة ٩٨٪ فقط لأن الحكومة التركيّة فضحت محمد بن سلمان في تورّطه في قضيّة قتل وتقطيع جمال خاشقجي). والمبادرة السعوديّة ترافقت مع كلام جديد من محمد بن سلمان عن عروبة الحوثيّين (بقي له أن يفتي في عروبة اللبنانيّين من الذين يحاربون ««إسرائيل»»، لأن مفهوم العروبة السعودي-الإماراتي يحرم العروبة عن أعداء «إسرائيل» ويسبغها على التطبيعيّين وعلى نتنياهو. هذا يفسّر لماذا تحوّل كل أعوان وأزلام جيش الاحتلال «الإسرائيلي» في لبنان في سنوات الحرب إلى عروبيّين جدد). ومحمد بن سلمان قرّرَ أيضاً التواصل مع النظام الإيراني مباشرة بعد أن كان النظام السعودي يرفض ذلك. كل هذا يُعدّ أثماناً يدفعها محمد بن سلمان للرجل الذي سيقرّر مصيره. ولا شكّ في أن بايدن تراجع عن وعوده وعن تصويره المهين للنظام السعودي، لأن المؤسّسة الاستخباراتيّة-العسكريّة الحاكمة في واشنطن لا تريد إفساد العلاقة مع الحليف السعودي بل هي تريد استنزافه وابتزازه وتركيعه (أكثر). وهذا هو زمن الابتزاز الأميركي للنظام السعودي. لن تستشير إدارة بايدن أي نظام عربي في اتفاقها مع إيران، وهي تستشير «إسرائيل» لكن نفور بايدن من شخص نتنياهو كبير (نتنياهو جعل من «إسرائيل» في أميركا «ماركة» موصوفة بالحزب الجمهوري، وهو أكبر ضرر يلحق بروباغندا «إسرائيل» في أميركا منذ عام 1942 عندما قرّر بن غوريون نقل مركز الثقل الصهيوني من أوروبا إلى أميركا، وكان ذلك بمثابة الرهان على قوة صاعدة في غمرة حرب عالميّة طاحنة). وبايدن سيحبّذ المزيد من التقارب العلني بين محمد بن سلمان وبين حكومة العدوّ، ومحمد بن سلمان سينفّذ أوامر بايدن ويطيع، ولو طلب منه نقل الكعبة إلى تل أبيب. قد نشهد زيارة لمحمد بن سلمان لتل أبيب، إما قبل تولّي العرش، أو بعده مباشرة في صفقة قد يعقدها مع أميركا).
ارسال التعليق