ابن سلمان وستيف جوبز وذو القرنين وأوجه الشبه
الكاتب علي الصالح/ فلسطين..
رغم صعوبة الأوضاع التي نمر بها فلسطينيا، جراء المحاولات الحثيثة لتصفية القضية الفلسطينية، عبر تطبيق ما يسمى «صفقة القرن» الأمريكية التصفوية، وإمعان الإدارة الأمريكية في المزاودة على موقف حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة، في هضم حقوق الفلسطينيين والاعتداء عليها. ورغم خطر فيروس كورونا الذي نواجهه، من دون أن نعرف الكثير عن مسبباته وأساليب مواجهته، باستثناء ما يقوله لنا ذوو الأمر «إغسل يديك لمدة عشرين ثانية على الأقل في كل مرة، وتجنب المصافحة والعناق، وحافظ على التباعد الاجتماعي (تعبير جديد من زمن الكورونا) وهو مسافة مترين من أي شخص من خارج منزلك، وارتدِ الكمامة والقفازات».
رغم ذلك أضحكني حقا ما قرأته مؤخرا من تقارير حول محمد بن سلمان، خاطف ولاية العهد من ابن عمه محمد بن نايف، محتميا بوالده الملك سلمان، أضحكتني طموحاته وتصوراته، أو الأدق تخبطاته التي كما يبدو لا حدود لها. وقلت بيني وبين نفسي، أعان الله أمة لا يعرف أي من حكامها المتحكمين بمصائرها، أو بعض منهم حتى لا نظلم أحدا، قدر نفسه ولا طاقاته.ما قرأته من تقارير حول طموحات محمد بن سلمان «سجان الأمراء من أبناء العمومة، ومن بينهم عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز، نجل عمه الملك الراحل فهد»، وحول الشخصيات الحديثة والتاريخية التي يتمنى أن يكون مثلها، ما دفعني إلى البحث عن أوجه الشبه بينه وبين الشخصيات التي يود أن يتشبه بها أو يطمح للتشبه بها، ووجدتها.
مستشارو محمد بن سلمان ورجال بلاطه والمستفيدون منه أوهموا هذا الشاب المتهور إرضاء لغروره، بأنه كان يمكن أن يكون ستيف جوبز (حسب ما جاء في مقال حول كتاب بن هوبارد مراسل «نيويورك تايمز» لـ12 سنة في بيروت) ذاك الشاب الذي هجره والده السوري ليبقى مع والدته الأمريكية، قبل أن يعرف أنه ترك وراءه شابا عبقريا، ليصبح قبل رحيله بمرض السرطان من أغنى أغنياء العالم، بل أكثرهم شهرة.
وستيف جوبز لمن لا يعرفه نجح في ثمانينيات القرن الماضي هو وصديق له، في اختراع نظام أبل وكومبيوتراته الشهيرة وما لحقها من منتجات أخرى من، آي فون بنسخه المختلفة، وآي باد، والآي بود وإير بود وماك إير وغيرها. بحثت جاهدا عن اختراع لبن سلمان يمكن أن يكون في مستوى، اختراع ستيف جوبز. فوجدته في اختراع «سجن النجوم الستة».
وبينما توصل آخرون من قبل ومن بعد ستيف جوبز إلى اختراعات في مجالات أنظمة الكمبيوتر، فإن احدا لم يتوصل إلى اختراع بن سلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2017. ففي ذاك الشهر، نجح نجل الملك سلمان المدلل، في تحويل فندق ريتز- كارلتون في الرياض إلى سجن ستة نجوم. زج فيه المئات من «الأمراء الفاسدين من أولاد العمومة ورجال الأعمال والمسؤولين من ذوي مليارات الدولارات». وفي ضربة وقائية واحدة فاقت الأرباح والشهرة التي جناها بن سلمان من اختراعه، بمرات عديدة ما جناه ستيف جوبز على مدى عشرات السنوات من حياته. وللتذكير فقط فإن قائمة اعتقالات بن سلمان شملت المئات من أفراد العائلة المالكة، ورجال الأعمال، بمن فيهم حاكم مكة السابق الأمير مشعل بن عبد الله، ووزير الحرس الوطني الأسبق الأمير متعب بن عبد الله، وحاكم الرياض السابق الأمير تركي بن عبد الله، وجميعهم من أبناء الملك الراحل عبد الله، والوليد بن طلال وأولاد الملك فهد منهم عبد العزيز، وطبعا أشقاء محمد بن نايف وهو الأمير الذي اختطف منه بن سلمان ولاية العهد. ولم يفرج عنهم إلا بعد أن جردهم من ثرواتهم، التي قدرت بمئات مليارات الدولارات.
ورغم أن السبب المعلن للزج بهؤلاء في سجن النجوم الستة، هي تهمة الفساد المالي، لكن السبب الحقيقي هو جمع مليارات الدولارات لتغطية تكاليف حرب بن سلمان العبثية في اليمن، وخوفه من انقلاب سياسي ينظمه هؤلاء ضده، كما فعل هو شخصيا مع ابن عمه وحرمانه من ولاية العرش، وكما يقول المثال «الخائن يخون».
ولو كان حقا، كما زعم بن سلمان، أن سبب الاعتقال يأتي في إطار سياسته الجديدة لمحاربة الفساد المالي، لما غض الطرف عن فساد الموالين له، وما واصل هو شخصيا الفساد المالي والسياسي، بإنفاق أكثر من450 مليون دولار على يخت، و300 مليون يورو في شراء منزل في فرنسا، ونحو450 مليون دولار في شراء لوحة ليوناردو دافنشي «سالفاتور مندي».
لم تقف طموحات بن سلمان عند ستيف جوبز، بل تمنى أن يكون «الإسكندر الأكبر الجديد» المعروف بالإسكندر المقدوني، وذي القرنين، وهو أحد أشهر القادة العسكريين والفاتحين عبر التاريخ. وبحلول عامه الثلاثين، كان الإسكندر قد أسس إحدى أكبر وأعظم الإمبراطوريات التي عرفها العالم القديم، التي امتدت من سواحل البحر الأيوني غربًا، وصولاً إلى سلسلة جبال الهيمالايا شرقًا. وتمكن من كسر الجيش الفارسي وتحطيم القوة العسكرية للإمبراطورية الفارسية الأخمينية، وفي نهاية المطاف من الإطاحة بالشاه الفارسي دارا الثالث، وفتح كامل أراضي إمبراطوريته.
ومن أوجه الشبه بين الإسكندر الأكبر وبن سلمان، أن الإسكندر تتلمذ على يد الفيلسوف والعالم الإغريقي الشهير أرسطو، بينما تخرج بن سلمان من جامعة الملك سعود في الرياض. ووجه الشبه الآخر أن الإسكندر المقدوني، ومع بلوغه سن الثلاثين كان يجلس على عرش أكبر امبراطورية عرفها التاريخ، بينما كان بن سلمان عندَ بلوغه الثلاثين يجلس على عرش دولة يفترض أن تكون من الأكثر ثراء في العالم، وكان يحتل منصب وزير الدفاع، وقاد بن سلمان بالاغراءات المادية أكبر تحالف عسكري إسلامي ضد الشعب اليمني لمحاربة جماعة الحوثيين، الذين نجحوا في الانقلاب على النظام المدعوم سعوديا، واعتبرت مجلة «لوبوان» الفرنسية أن «وسائل الدولة السعودية الثرية في خدمة ملك عديم الخبرة»، أدخلت بلاده في حرب لا نهاية لها في اليمن، وهي هاوية مالية أدت إلى واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم. ورطة عسكرية ومالية لا يعرف بن سلمان كيف يخرج منها، بعدما فشل، فشل ذريع في إلحاق الهزيمة بالحوثيين المدعومين إيرانيا، ناهيك من إلحاق الهزيمة بالدولة الفارسية، كما فعل الإسكندر. وورط بلاده في حرب مدمرة ضد الشعب اليمني راح ضحيتها حتى الآن عشرات الآلاف، وتسبب في انتشار الدمار والأمراض والمجاعات.
وخلافا للإسكندر المقدوني الذي كانت حياته سلسلة من الانتصارات كانت حياة بن سلمان مسلسلا من الإخفاقات، وفشل في جميع المعارك التي خاضها، عسكرية كانت أم سياسية، أم حتى اقتصادية خلال السنوات الخمس الماضية، وأغرق بلاده بديون تصل إلى نحو 250 مليار دولار.
وأختتم بالقول إنه وبعيدا عن طموحاته الشخصية، فإن بن سلمان أبى إلا أن يتشبه بعقله المدبر محمد بن زايد الحاكم الفعلي للإمارات، حتى في طريقة الترويج للتطبيع مع دولة الاحتلال. فبينما رتب بن زايد للقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح برهان في أوغندا في فبراير/شباط الماضي، كشف موقع «أفريكا إنتلجنس»، المختص بنشر الأخبار الخاصة، أن محمد بن سلمان، طلب من رئيس موريتانيا التواصل مع نتنياهو. وحسب الموقع، فإن بن سلمان وخلال زيارة محمد ولد الغزواني للرياض في فبراير الماضي، وهو الشهر نفسه الذي التقى فيه نتنياهو مع برهان، حاول إقناعه بضرورة تفعيل العلاقات مع تل أبيب. وتابع أن «الرئيس الغزواني فوجئ بعرض من محمد بن سلمان للتواصل مع نتنياهو، ورد ببديهية سريعة قائلا، إن الأمر يتطلب سياسة عربية موحدة تجاه إسرائيل».
وحتى في هذه المهمة فشل بن سلمان. فلا طال بلح الشام ولا عنب اليمن. ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه وتصرف على أساسه.
ارسال التعليق