ابن سلمان يسعى لتعزيز نفوذه عالمياً.. بلعبة خطرة
بقلم: منير الصادق...
يقوم محمد بن سلمان، المتخم بالمال الناجم عن طفرة النفط، بتحركات في السياسة الخارجية والأعمال يختبر فيها ما إذا كان من الممكن عدم الانحياز إلى جانب في المنافسات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.
ما ورَدَ أعلاه خلاصة تحليل نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية حول تحركات النظام السعودي في المضمار الدولي مؤخرا، والذي حاول تعزيز مكانته لدى كل من الصين، بالسماح لها بأن تكون راعيا ووسيطا لإعلان عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وأيضا التقرب من الولايات المتحدة بإبرام صفقة ضخمة لشراء طائرات من شركة “بوينج” الأميركية بقيمة تجاوزت 35 مليار دولار، ما سيوفر عشرات الآلاف من الوظائف هناك.
واعتبر التحليل أن اتفاق استعادة العلاقات مع إيران، بوساطة ورعاية صينية، ينطوي على “براغماتية ذكية” من قبل ولي العهد السعودي، والذي كان يتهم بالتهوّر في اتخاذ القرارات الخارجية.
وستهدئ الصفقة السعودية – الإيرانية التوترات في جميع أنحاء الخليج، وتقرب النظام السعودي من أكبر شريك تجاري له، الصين، دون تنفير أكبر شريك أمني لها في واشنطن، حيث قال المسؤولون الأميركيون إنهم يرون أن الوفاق بين الرياض وطهران أمر إيجابي.
تعزيز مكانة النظام في واشنطن ويعتبر محللون أن النظام السعودي، مثل الهند وتركيا والإمارات، قوة متوسّطة الحجم تبحث عن مزايا لأن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة يواجه تحديا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا والسياسة الخارجية الصينية الأكثر حزما.
ويبدو أن قادة النظام السعودي عازمون على استخدام أسعار النفط المرتفعة لتمويل طموحات البلاد في أن تصبح لاعبا تجاريا عالميا مع اقتصاد مزدهر غير نفطي، وهم يعتقدون أن هذا قد يكون آخر طفرة نفطية، بحسب التحليل.
وتحقيقا لهذه الغاية، أعلن ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان عن تدشين شركة طيران وطنية سعودية جديدة، بالتزامن مع بدء صندوق الثروة السيادية للمملكة كان ينهي صفقة بقيمة 35 مليار دولار على شكل طائرات تجارية من شركة “بوينغ”، وهو ما يمثل دفعة لشركة تصنيع أميركية كبرى ستنشئ عشرات الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة.
وقال مستشارون سعوديون إن صفقة “بوينغ” تهدف جزئيا إلى تعزيز مكانة المملكة في واشنطن، وإظهار أن العلاقات لا تزال ودي، حتى بعد أن وافقت منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، التي يقودها النظام السعودي وحلفاؤه مع روسيا، على خفض إنتاج النفط في أكتوبر الماضي ضد رغبات واشنطن، مما دفع البيت الأبيض إلى اتهام الرياض بدعم موسكو في حربها على أوكرانيا.
وفي الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الأميركي واقتصادات أوروبا وكثير من الاقتصاديات النامية ارتفاعات في معدلات التضخم والركود، توسع الاقتصاد السعودي بطريقة تعد الأسرع عالميا الآن، ما دفع محمد بن سلمان إلى العمل على تعزيز نفوذ الملكة عالميا، بما يليق مع هذه الطفرة الاقتصادية، بما في ذلك مقاومة النفوذ الأميركي.
وتقول كايرن يونج، باحثة أولى في جامعة كولومبيا، تعليقا على هذا: “إنها أيديولوجية سعودية أولى إلى حد كبير.. إنهم يرون العالم بطريقة ناضجة للتأثير والتدخل ولتعزيز مصالح الدولة السعودية”.
ماذا بعد؟ أدرك النظام السعودي عام 2019 عندما تعرض لهجمات من قبل حركة أنصار الله اليمنية ردا على العدوان على اليمن، باستهداف مواقعه النفطية الرئيسية، دون رد فعل أميركي واضح، أنه لم يعد بإمكانه الاعتماد على الضمانات الأمنية التاريخية من الولايات المتحدة، والتي يشعر هو والقادة العرب الآخرون بالقلق من أنها تركز الآن بشكل أكبر على أجزاء أخرى من العالم.
ولحماية خططه الطموحة للتنمية الاقتصادية، أدرك ولي العهد أنه بحاجة إلى البحث شرقا عن شركاء إضافيين ، وفقا لمسؤولين سعوديين.
في السنوات الأخيرة، ساعدت الصين النظام السعودي في بناء صواريخه الباليستية الخاصة، واستفادت من الاستشارات بشأن برنامج نووي، وبدأت بكين الاستثمار في مشاريع محمد ابن سلمان، مثل نيوم، المدينة الجديدة المستقبلية، كما حثت الصين المسؤولين السعوديين على إنشاء صناعة دفاعية محلية، بينما وقعت روسيا اتفاقية تعاون نووي مع المملكة.
بدأ النهج الجديد لمملكة آل سعود تجاه الشؤون الخارجية، والذي كان على مدى عقود يدعم بشدة سياسة الولايات المتحدة وغير راغب في التحولات الدراماتيكية، يتغير، مع صعود محمد بن سلمان.
وكان هذا النهج مفاجئا، قياسا إلى ما عرفه العالم عن تهور الأمير وعدم نضجة، منذ صعوده السريع إلى السلطة، حيث تدخل في الحرب الأهلية اليمنية بعنف، وقاد حصارا لقطر مع بعض جيرانه، وأجبر رئيس وزراء لبنان السابق سعد الحريري على الاستقالة، وجاء مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في تركيا ليزين الصورة القاتمة لولي العهد. الحرب الروسية – الأوكرانية ويرى التحليل أن الحرب في أوكرانيا قدمت للسعوديين ما يرون أنه فرصة لتأكيد مصالحهم في عالم لم تعد فيه الولايات المتحدة هي القوة العظمى بلا منازع، حيث اعتبرت الرياض أنها تستطيع دعم أوكرانيا والعمل مع روسيا في “أوبك+” في نفس الوقت.
ومنذ الخلاف مع واشنطن في أكتوبر الماضي، حاول المسؤولون السعوديون نقل موقف أكثر حيادية بشأن الحرب. في الشهر الماضي، أرسل محمد ابن سلمان وزير خارجيته إلى كييف، للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والإعلان عن مساعدات إنسانية بقيمة 400 مليون دولار.
بعد أسبوعين، أجرى الوزير السعودي محادثات في موسكو مع نظيره الروسي وعرض المساعدة في التوسط لإنهاء الصراع. ويقول بعض المحللين إن الأمير محمد يستخدم علاقات أوثق مع الصين وروسيا لكسب نفوذ لعلاقة أمنية أمريكية أعمق يقاومها البعض في واشنطن.
ولا يزال المسؤولون السعوديون يتفاوضون بشأن الضمانات الأمنية الأميركية التي يمكن أن تقنع الرياض في نهاية المطاف بتطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وهو قرار من المحتمل أن يكون بعيدا بعض الوقت بسبب المقاومة الداخلية، واحتدام الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والمعارضة في واشنطن تلبية المطالب السعودية.
وينقل التحليل عن سينزيا بيانكو، زميلة أبحاث خليجية في المجلس الأوروبي، قولها إن السعوديين “يتعاملون مع الجميع – “إسرائيل” وإيران والصين والولايات المتحدة وروسيا والأوروبيون – ويتسمون بالغموض بشأن ما يريدون القيام به وما هو هدفهم النهائي”.
لكن مسؤولون سعوديون قالوا إن ولي العهد محمد ابن سلمان أكد في جلسات خاصة أنه يتوقع أنه من خلال تدافع القوى الكبرى ضد بعضها البعض، يمكن للنظام السعودي أن يضغط في نهاية المطاف على واشنطن للتنازل عن مطالبها للوصول بشكل أفضل إلى الأسلحة الأميركية والتكنولوجيا النووية.
وقالت بيانكو إنه بدون اتخاذ إجراء حاسم من واشنطن لمنع الرياض من تعميق العلاقات مع الصين وروسيا، فمن غير المرجح أن يتراجع السعوديون.
ارسال التعليق