بقلم: محمد عايش/ كاتب صحفي فلسطيني... لا يوجد أبشع ولا أسوأ من علماء السلاطين، الذين يوظفون الدين في خدمة السياسة من أجل إضفاء «الشرعية الدينية» على أنظمة سياسية دنيوية من صنع البشر، كما لا يوجد أبشع ولا أسوأ من عالم أو شيخ يُصدر الفتاوى الدينية على أساس سياسي، وبحسب المصلحة التي تمليها عليه الأجهزة الأمنية في بلده، وليس التعاليم السماوية للدين الذي يعتنقه.

أحد علماء السلاطين أطل على شبكات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية، بفتوى دينية يُحرم فيها الهتاف للمسجد الأقصى، ويهاجم تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، معتبراً أن ما فعله عدد من المعتمرين الأتراك داخل المسجد الحرام، بأن هتفوا للمسجد الأقصى وأدانوا الاحتلال الإسرائيلي ليس سوى «بدعة» محرمة ولا تجوز.

الشيخ ذاته الذي لا يتورع ولا يخجل عن تحريم الهتاف للمسجد الأقصى، ولا يخجل من توجيه السباب والشتائم للأتراك ورئيسهم، هو ذاته لم نسمع منه أي فتوى تُبين لنا حكم قتل الأطفال والمدنيين الأبرياء في اليمن وليبيا، ولا حكم اعتقال أكثر من 60 ألف مسلم في بلد عربي آخر، ولا حكم قتل وتقطيع البشر بالمنشار الكهربائي، وإخفاء جثثهم..

فكل هذا حلال في الدين الذي يعتنقه فضيلة الشيخ، أما الهتاف للمسجد الأقصى بين الصفا والمروة فهو «بدعة محرمة»! في الدين الذي يعتنقه فضيلة الشيخ قتل الأطفال حلال، أما لو سألته عن حكم الأغاني والموسيقى فلن يتردد عن القول إنها حرام!

وفي الدين ذاته الذي يعتنقه «الشيخ» نفسه فإن الزنا يكون حلالاً، إذا ارتكبه الحاكم، بينما لا يتورع عن تحريم مصافحة المرأة أو الحديث إليها أو الاختلاط بها، ما دامت الفتوى لـ»الغلابة» من عوام الناس!

علماء السلاطين في عالمنا العربي مخلوقات عجيبة أيضاً، فهم لا يتورعون عن إصدار فتوى دينية ومن ثم يصدرون عكسها بعد سنوات قليلة، وكأن الدين الاسلامي يتغير في بداية كل عام، أو مع تغيير النظام السياسي.

فالقتال في سوريا ضد نظام بشار الأسد كان في دين هؤلاء «جهاداً» حتى عام 2016، بعدها ومن دون مقدمات أصبح «إرهاباً» ولا يمكن لأحد أن يفهم متى يكون القتال «جهاداً» ومتى يصبح «إرهاباً» إلا إذا فهم الموقف السياسي للدولة التي ينتمي اليها ذلك «الشيخ المزور»، لأن الإرهابي هو كل من يعارض النظام السياسي الذي ينتمي له ذلك «الشيخ».

علماء السلاطين ليسوا ظاهرة جديدة، كما أن استخدام الدين في السياسة ليس جديداً، فمنذ الأمويين وعلى امتداد تاريخنا العربي والإسلامي، وهذه الظاهرة موجودة، لكن ما يميز المرحلة التي نعيشها اليوم هو «الفجور»، أي الفجور في النفاق للحاكم ونظامه السياسي.

كما أن علماء السلاطين أصبحوا هذه الأيام أكثر انكشافا من ذي قبل بسبب وسائل التكنولوجيا الحديثة، وشبكات التواصل الاجتماعي، وبفضل شبكة «يوتيوب» التي تحتفظ للشيخ بفتاواه القديمة والجديدة، وتجعل بمقدور أي شخص أن يرصد تناقضاته، التي تكشف كيف يُصدر فتواه بناء على تعليمات دنيوية لا نصوصا دينية.

وبسبب هذه الظاهرة فان الحديث النبوي الشريف قال بوضوح «إذا رأيتَ العالم يتقرب من السلطان فاعلم بأنه منافق»، بينما نجد اليوم علماء لا يتقربون فقط من السلطان، بل يأتمرون بأمره ويصدرون الفتاوى بناء على رغباته، ويقبضون المال منه ثمنا لذلك، وصولاً الى إصدار الفتاوى غير المنطقية المغلفة بالسياسة، وهي فتاوى لا يُصدق العقل أنها من دين الله في شيء.