استفتاء كردستان العراق...بين الحماسة "الإسرائيلية" العلنية والسعادة السعودية الخفية !!
بدون شك إصرار مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته، على إجراء استفتاء الإقليم، رغم كل الضغوط ومحاولات الإقناع بتأجيل موعد هذا الاستفتاء على أقل تقدير، من أطراف عراقية وإقليمية ودولية، أن هذا الإصرار يعكس دعماً دولياً وإقليميا لخطوة البارزاني، فهناك معلومات تقول ان الولايات المتحدة منحت البارزاني الضوء الأخضر لأجراء الاستفتاء، رغم أنها طالبت إعلامياً بتأجيله وليس الغائه، وقد جاء هذا الموقف الإعلامي مجاراة لموقف الحكومة العراقية، والابتعاد عن المشاركة في مسؤولية هذا التطور الخطير... أما الكيان الصهيوني، فهو الطرف الوحيد الذي هلل علناً واحتفل ودعم الأكراد في خطوة الاستفتاء، ورفع الأكراد، أو بعضهم العلم الصهيوني لدولة في استعراضاتهم وفي احتفالاتهم، في مدن كردستان! وقد أفادت وسائل الإعلام العبرية يوم 25 أيلول 2017ان المئات من الصهاينة، شاركوا في مظاهرة بالقدس المحتلة، تعبيراً عن تأييدهم لانفصال كردستان العراق، وإقامة دولة كردية، ورفع المتظاهرون الأعلام الكردية والإسرائيلية خلال التظاهرة التي نظمها ما يطلق عليه في تل أبيب إتحاد مهاجري كردستان. وكان نتنياهو قد أعلن بحماس تأييد الكيان الصهيوني للاستفتاء الكردي، ودعمه لانفصال الإقليم الكردستاني، بل و قبل ثلاث سنوات كان قد أعلن نتنياهو بأن " إسرائيل تدعم إنشاء دولة مستقلة في الجزء الذي ينعم به الكرد بحريتهم، وقال : يجب أن ندعم تطلعات الكورد المطالبين بالاستقلال، فهم يستحقون الاستقلال " بحسب تعبيره في السياق ذاته اعتبر الدكتور إيدي كوهين، وهو باحث صهيوني ومحاضر في جامعة بار ايلان. خطوة الاستفتاء بأنها "من أهم الخطوات لتحقيق حلم طال انتظاره لسنوات طويلة وإعلان دولة كردستان" !!
وأشار كوهين إلى دور وطبيعة التعاطي الصهيوني مع هذا الكيان الكردي أن أعلن عنه بالقول "إن إسرائيل ستستفيد إقتصادياً وأيضاً امنياً من دعمها لدولة كردستان المستقلة، فهي ستضع حدوداً لتحركات الجهاديين في سوريا والعراق، وعلى تل أبيب أن يكون لها دورها في التغييرات بإقليم كردستان، ولهذا فمن مصلحة القوات الإسرائيلية أن تقوم بتدريب قوات بيشمركة دولة كردستان، ويمكنها أن تقوم بفتح مقر عسكري لها في كردستان، لكي يتمكنوا من حماية دولة كردستان، أيضلً قد يساعد إعلان دولة كردستان إلى عودة اليهود الذين كانوا يسكنون هناك أو في العراق لمناطقهم ومنازلهم التي أخذتها الدولة العراقية، وقد يؤثر هذا الأمر أيضاً على اتفاقات السلام مع العرب". ودعا هذا الباحث الصهيوني الأكراد بحماس إلى إعلان دولتهم بعد إجراء الاستفتاء مباشرة، وألاّ يلتفتوا إلى اعتراضات الدول المجاورة والحكومة العراقية، مطالباً إدارة ترامب بدعم استفتاء واستقلال إقليم كردستان عن العراق !!
وفي الحقيقة إن العلاقة، الكردية- الصهيونية، قديمة تمتد إلى حقبة الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، وكتبت عنها الكتاب الصهاينة ومنهم ينكدمون في كتاب له عن العراق، وكيف أن العدو كان يزود البيشمركة في عهد المّلا مصطفى البارزاني والد مسعود بالأسلحة والمعدات العسكرية لمواجهة الجيش العراقي، موضحاً أن هناك مستشارين أمنيين وعسكريين صهاينة كانوا يقودون معارك الأكراد مع الجيش العراقي، ويقدمون معلومات دقيقة عن تجمعات وتحركات القطعات العسكرية العراقية في المناطق الكردية في ذلك الوقت.ومنذ ذلك اليوم وحتى اللحظة ظل التواصل قائماً، والتعاون بين الطرفين في كل المجالات تتسع آفاقه ويتعزز باستمرار، والقضية باتت معروفة... ما يهمنا هو الحماس الصهيوني لهذا الاستفتاء والاحتفال به. وهو الذي دفع بقائد قوات البيشمركة الكردية الجنرال سيروان بارزاني إلى تقديم الشكر لهؤلاء الصهاينة بقوله " نمر الآن بحالة معقدة للغاية، إذ نشاهد اليوم المرحلة الانتقالية في تاريخ الأكراد.ولن ننسى أولئك الذين قدموا لنا دعماً جدياً.ومن بينهم إسرائيل. "وأضاف سيروان بارزاني زاعماً أن العدو لا يزودهم بالأسلحة، وإنما يقدم لهم الدعم السياسي والمعنوي، ويقول " لا حدود لنا مع هذه الدولة ولا مجال جوياً مشتركاً، لذلك لاتصل أي مساعدة عسكرية منها، إلا أن هناك دعماً سياسياً ومعنوياً. ونحن ممتنون لرئيس الوزراء الإسرائيلي على هذه المساعدة " على حد قوله.
واللافت أن الحماسة السعودية وأيضاً الإماراتية لا تقل هيجاناً عن تلك الحماسة الصهيونية للاستفتاء الكردي في إقليم كردستان العراق، لكن هذه الحماسة ظلت خفية تجرى وراء الكواليس، ولكن على الرغم من محاولات الإخفاء هذه انعكست بشكل واضح في تغطية هاتين الدولتين الخبرية، تغطية تبرز فيها شكل واضح حالة التشفي والانحياز المبطن للأكراد، وتحميل الحكومة العراقية المسؤولية عما وصلت إليه الأمور في كردستان...
والى ذلك أفادت صحيفة التايمز البريطانية في عددها ليوم 20 أيلول2017، بأن دولاً عربية تتفق سراً مع "إسرائيل" على تأيد انفصال كردستان، موضحة أن ذلك يأتي تماشياً مع مقولة عدو عدوي هو صديقي ! وبحسب التايمز فأن " إسرائيل تدعم الاستفتاء علناً، والمملكة العربية السعودية سراً، معتبرة أن كلّا البلدين يعتقدان أن انفصال كردستان سيجعلهما يحظيان بمزايا وجود وكيل لهما يشارك إيران حدوداً جبلية ممتدة ".
وتقول الصحيفة البريطانية، أن تصريحات ومواقف قد صورت عن مسؤولين إماراتيين تدعم انفصال كردستان عن العراق، من بينها رئيسة مركز الأمارات للسياسات ابتسام الكتبي، التي وقعت مذكرة تفاهم مع الإقليم مطلع العام الجاري 2017 للمساعدة على تنظيم عملية الاستفتاء حسب موقع العربي الجديد. وأكدت في تصريحات لها أنه إذا أعلن عن استقلال كردستان بشكل كامل عن بغداد، فأن أبو ظبي ستعترف بهذا الاستقلال، من جهته قال " معهد دراسات دول الخليج العربية " الذي يعمل لصالح أبو ظبي من العاصمة الأمريكية واشنطن، في تقريره الأسبوعي في 2/10/ 2017 ، أن أبو ظبي والرياض " قد تقبلان بالنهاية بدولة كردية في شمال العراق لمنع تزايد نفوذ إيران في ذلك البلد العربي المنهك بالحروب " على حد زعم هذا المعهد. ويشير هذا المعهد في تقريره " من المستبعد أن تبدي أبوظبي والرياض، رفضا مطلقا لإقامة دولة كردية مستقلة تماماً لأنه في حال رأت بأن مثل هذا المشروع سيؤدي إلى تقويض نفوذ إيران بتعزيز مركز المسلمين السنة والأكراد في العراق، وتقوية الروابط مع حكومة بغداد وبعض الجماعات الشيعية السياسية فأن المعادلة ستتغير كثيراً بالتأكيد "! وختم المعهد المذكور تقريره بقوله " إذا ما وجدت السعودية والإمارات ودول خليجية وعربية أخرى نفسها أمام خيارين، إما الموافقة على دولة كردية في شمال العراق، أو تزايد النفوذ الإيراني في عراق موحد، فأنها من المرجح ستتخذ الخيار الأول على الرغم من الألم الذي سيسببه تفكك دولة عربية كبيرة كالعراق هذا ويؤكد عميد الاعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي، معن حمية، في مقاله المنشور على موقع صحيفة البناء بتاريخ 25ايلول 2017...أن هذا التحالف بين انفصاليي شمال العراق والدول الخليجية والعدو الصهيوني، خضع للاختبار من خلال تقديم الدعم والمؤازرة للمجموعات الإرهابية لارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر في العراق وسوريا، ولم تتأخر "إسرائيل" في استقبال جرحى المجموعات الإرهابية وعلاجهم في مستشفياتها، وكلما كان يضيق الخناق على المجموعات الإرهابية كانت تؤازرهم بالقصف الجوي والمدفعي. كما أن الدول الخليجية- العربية. فتحت كل خزائنها لتمويل الإرهاب وسخرت وسائل إعلامها دعماً له، وليس سراً أن آلاف العناصر الإرهابيين الذين تقهقروا أمام الجيش العراقي والحشد الشعبي فروا إلى مناطق سيطرة البارزاني، وحظوا بمعاملة أكثر من جيدة هناك، وربما صاروا جزءاً من المجموعات التي تحت أمرة البارزاني " . على أن معطيات ومؤشرات كثيرة تؤكد ان الحماس الصهيوني لانفصال كردستان العراق، ليس حباً بالأكراد، وإنما لإنجاز اللبنة الأولى، لإقامة قاعدة صهيونية جديدة على غرار الكيان الغاصب، في قلب المنطقة، لمنح المشروع الصهيوني الأمريكي المتراجع والمتصدع دفعاً وزخماً جديداً وإضافياً، حيث يسعى الصهاينة، عبر الكيان الجديد، إلى تحويله إلى منطلق لجهدهم في تدمير الدول العربية والإسلامية وتخريبها اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وعلى كل الأصعدة، ولدفع هذه الدول إلى التقسيم والتجزئة، وبدون شك أن السعودية هي الدولة الأكثر عرضة لهذا التقسيم بحسب ما يراه أكثر المحللين والمراقبين.
المشكلة هو هذا التصور الخاطئ عند قيادات الدول الخليجية العربية، فهي ترى أن تحالفها مع الكيان الصهيوني سوف يحميها من شعوبها ومما تسميه الخطر الإيراني وهذا تصور أثبت الواقع والتجربة خطأه، بل أكد خطره على هذه الأنظمة نفسها، لأنها:
1- إن التحالف مع هذا الكيان ودعمه في التآمر على الأمة، زاد من نفوذ إيران، فإذا كان هذا النفوذ يقتصر على لبنان، أصبح اليوم في سوريا وفي العراق، وكلما افتعل هؤلاء بؤرة ساخنة في جسد المنطقة، سيزيد ذلك من نفوذ إيران، لأن شعوب المنطقة تلجأ إليها من الدواعش و الصهاينة، ومن فتن أمريكا وحلفائها وعملائها، وهذا ما بات واضحاً وجلياً، ولا أدري لماذا يصر هؤلاء القيادات على المضي في هذا الطريق غير الصحيح، الّا اللهم، أنهم مُقادون لا يملكون إرادة الاختيار، وهو على ما يبدو كذلك.
2- إن مقولة أن اللجوء الى الكيان الصهيوني والتماهي مع مشاريعه، مقولة خاطئة مئة بالمئة،أولاً لأن الكيان يبحث عمن يحميه، ولعل قادة دول الخليج العربية يتابعون ما تنقله صحفهم، عن المسؤولين الصهاينة قولهم، أنهم باتوا مهددين من حزب الله، وانه بات ليس بإمكانهم الانتصار في أية معركة قادمة مع إيران وحزب الله، وهذا الأخير، بات يضاهي أقوى الجيوش الأوربية، إلى ما إلى ذلك من التصريحات والاعترافات التي يدلي بها المسؤولون الصهاينة، بل إن نتنياهو وليبرمن وغيرهم يلحون على التحالف مع الدول الخليجية لمواجهة إيران وحلفائها، لأن الكيان الصهيوني غير قادر على المواجهة لوحده، فهو يريد توظيف إمكانيات كل هذه الدول في المواجهة، ولذلك فمن باب أولى على هذه الدول، اتباع أحد أمرين إما الذهاب إلى تحسين العلاقات مع إيران وتوقي " شرها "، ولديهم معها مشتركات كثيرة، أكثر مما هو موجود مع الكيان الصهيوني، سيما وأنها تبدي استعدادها بين الحين والآخر على تمتين هذه العلاقات مع جيرانها العرب، وإما الوقوف على الحياد، على الأقل فيه ضمانة لعدم تحويل هذه الدول إلى محرقة للكيان الصهيوني وسياساته الطائشة والمعادية للأمة.
3- إن التحالف مع هذا الكيان واللجوء إلى أحضانه وتأييد مشاريعه، إنما هو انتحار لهذه الدول، فأغلب المحللين والخبراء يؤكدون أن العدو يستهدف وبالتعاون مع أمريكا تقسيم دول المنطقة برمتها بما فيها الدول الخليجية العربية نفسها، ولو رجعنا إلى خرائط التقسيم الأمريكية والصهيونية، كتلك التي نشرتها صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية في نهاية عقد التسعينات، أو تلك التي وضع أسسها وحدودها بن غوريون عام 1958م، نجد أن السعودية مقسمة إلى ثلاثة أقسام أو أكثر، حيث تؤشر هذه الخرائط، إلى أن مكة والمدينة تشكل قسماً وكياناً على شاكلة الفاتيكان ونجد تشكل قسماً آخر، أما المناطق الشرقية، الأحساء والقطيف والغنية بالنفط فتلحق بالبحرين...ولذلك فأن حماسة النظام السعودي وأيضاً الإماراتي لاستقلال كردستان العراق، كالذي يغرس الخنجر الصهيوني في جسده...ذلك انه، وكما قلنا قبل قليل، أن حماسة الكيان الصهيوني لانفصال كردستان، لأنه يريد الكيان الكردي منصة لتقسيم باقي دول المنطقة، وهذا ما يؤكده الكثير من الخبراء والمحللين...ففي هذا السياق يقول أمين عام المؤتمر القومي العربي زياد حافظ في مقالته المنشورة في2/10/2017..".. إن وجود الصهيوني المعروف برنار هنري ليفي في مكتب الاقتراع يثير الريبة إذا ما تم الانفصال الأحادي بتشجيع صهيوني. فالقتل والدمار الذي لحق بليبيا وفي أوكرانيا وسوريا من جرّاء دعم شخصيات صهيونية معروفة بكراهيتها للعرب أمر مقلق للغاية في الحد الأدنى وينذر بما يقدم عليه العدو الصهيوني وحلفائه في المستقبل لا سمح الله. غير أننا نعتقد أن الصهاينة يستعملون الانفصال الكردي ليس إيماناً بحقوقهم، بل لاستخدامهم في عداء الكيان للعرب وللمسلمين أجمعين. فالورقة الكردية هي ربما آخر الأوراق بيد الكيان الصهيوني لاستنزاف دول الجوار بدءاً بمحور المقاومة وحتى الصديق تركيا، فالكيان أولاً وأخيراً عدو العرب والمسلمين ".ويقول الكاتب الأردني فؤاد البطاينة في مقالته المنشورة في 25 أيلول2017..."في المحصلة على الدول العربية أن تفهم بأن الأزمة الكردية الحالية محلها بين أمريكا والكرد هي كركوك وليست فكرة الدولة. وعنوانها للعرب هو جدية مخطط تقسيم المنطقة، وان قيام تلك الدولة مسألة تتجاوز خطر تقسيم العراق أو سلخ جزء من أراضيه إلى زرع قاعدة إسرائيلية أمريكية متقدمة باسم الكرد في المنطقة في مواجهة تركيا وإيران وضاغطة على الدول العربية..." وكما تقول بعض الصحف العربية " إن تيار الأسرلة " في الوسط الكردي وتحديداً في أربيل يعمل وبصورة استفزازية على مراكمة المزيد من الكراهية الكردية – العربية خدمة للمشروع الإسرائيلي، وينتشي حالياً ببعض المقالات التي تكتب في الصحافة الإسرائيلية والتعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي التي تعلن دعمها للكرد في الاستقلال، متناسياً المستقبل وبشكل خاص الجغرافيا والعمق الاستراتيجي للكرد، واعتقد هنا أن هذا التيار يسارع الخطى نحو نحر حق الكرد في تقرير المصير، ويحيله إلى أداة بيد تل أبيب ".
إذن فكل التحليلات والرؤى تؤشر إلى ما نحذر منه، ونذكر به مرة أخرى أن هذه الأنظمة اللاهثة وراء التطبيع مع العدو والمتحمسة لمشاريعه العدوانية ضد الأمة، ستكون ضحايا لهذه المشاريع، وما فعله العدو بمصر خلال فترة التطبيع وما فعله رجالات الصهاينة في ليبيا، خير شاهد على ذلك، لأن للعدو هدف استراتيجي يتحرك نحوه وهو تدمير الدين الإسلامي وتخريب ونسف البنى الأساسية للمجتمعات الإسلامية والقضاء عليها، وتحويل الاوطان الإسلامية إلى بؤر متعفنة يوظف كل إمكاناتها في سبيل توسعة وتقوية مشروع الكيان الصهيوني لتبقى الأمة الإسلامية مستعبدة إلى الأبد.
ارسال التعليق