استفزازات سعودية إماراتية لجر عمان والكويت إلى بؤرة الصراعات
تنتقل الخلافات في المنطقة الخليجية كالنار في الهشيم؛ فالسعودية والإمارات لم تكتفيان بإشعال فتيل الخلافات وافتعال الأزمات معز، بل تسعيان أيضًا إلى جر الدول المحايدة والوسيطة للأزمة التي تعصف بما تبقى من هيبة الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، الأمر الذي يجعل الأمور أشد تعقيدًا والانقسام أشد فتكًا بوحدة هذه الدول.
تزييف الخرائط الإماراتية.. عمان على خط الأزمة
لاتزال عمان تلتزم الحيادية والموضوعية فيما يخص الصراعات الإقليمية، لاسيما التي تفتعلها جارتها السعودية، لكن يبدو أن حيادية السلطنة والتزامها بسياسة النأي بالنفس تجاه الأزمات المفتعلة من حولها، لم ترض الرياض وأبو ظبي؛ حيث يريد الحليفان انضمامها إلى المعسكر السعودي الإماراتي الصهيوأمريكي، على غرار البحرين التي تنصاع دون مناقشة للقرارات السعودية بإملاءات أمريكية، لكن بعدما أحبطت عمان جميع محاولات جيرانها لجرها إلى الصراعات الإقليمية، بدأت الإمارات خطة تبدو استفزازية تتجاوز الخطوط الحمراء لإخراج السلطنة عن صمتها وهدوئها الدبلوماسي.
أثارت لوحة نشرها متحف “اللوفر” في مدينة أبوظبي، استياء سياسيًا وشعبيًا في عمان، إذ تضمنت خريطة مشوهة استقطعت محافظة كاملة من السلطنة وأتبعتها للإمارات، حيث تبدو في الخريطة محافظة “مسندم” الواقعة شمالي عُمان جزءًا تابعًا لدولة الإمارات المتحدة، ما اعتبرته السلطنة “تجاوزًا للخطوط الحمراء”، وشنت وسائل إعلامها هجومًا حاد على أبو ظبي، وأعدوا الأمر “ليس فقط تزوير خرائط، إنما مخطط تعلم أبو ظبي أن الجانب العماني يعلمه جيدًا، إلا أننا نلتزم الصمت للأسباب التي تعلمونها تمامًا”، وتساءلت الصحف العمانية: كيف خطر ببال متخذي القرار في أبو ظبي أن خارطة مقنعة يمكن أن تنتصر لحاضر متخشب، حاضر لا يهتم سوى بالصور المزورة ونسخ الحقائق بسلسلة أكاذيب.
وأبدى ناشطون عمانيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، استغرابهم من التصرف الإماراتي، خصوصًا أنه تكرر أكثر من مرة، حيث سبق وتم وضع خريطة لعمان في موقع جائزة “محمد بن زايد” للمعلم قبل أشهر، وكانت محافظة “مسندم” ضمن خارطة الإمارات أيضًا، الأمر الذي دفع الناشطين إلى مطالبة القيادة العمانية باتخاذ موقف جدي وصارم تجاه الاستفزازات الإماراتية، معتبرين أنها ليست مسألة هامشية إذ تتعلق بالعبث بالجغرافيا وتغيير الحدود، وهي مسألة سيادية.
خريطة اللوفر وإن كانت نقطة الخلاف الأحدث بين الإمارات وعمان، إلا أنها ليست الوحيدة بينهما، فالعلاقات بين الطرفين لم تكن على خير ما يرام منذ يناير عام 2011، عندما اكتشفت السلطات العمانية شبكة من الجواسيس تعمل لصالح الإمارات، وذكرت حينها أن الشبكة كانت تتجسس على الحكومة والجيش العماني، وهي الأنباء التي نفتها الحكومة الإماراتية حينها، لكن بعض الخبراء أكدوا صحتها، مرجعين أسباب التجسس إلى اهتمام الإمارات بمعرفة من سيخلف السلطان قابوس في حكم عمان، إلا أن آخرين رأوا أن شبكة الجواسيس ربما كانت معنية بمسائل السياسة الإقليمية وخاصة دهاليز العلاقات العمانية الإيرانية؛ لأن العلاقات العسكرية والأمنية التاريخية بين طهران ومسقط كانت تقلق في ذلك الوقت الإمارات والسعودية وأمريكا.
بعيدًا عن أزمة التجسس، شابت العلاقات بين الطرفين العديد من الأزمات، بعضها جاء على خلفية تحركاتها مشبوهة للإمارات هدفت من خلالها إلى السيطرة على محافظة المهرة شرق اليمن، والحدودية مع سلطنة عمان، في مسعى لإيجاد موطئ قدم لها في منطقة محاذية لأهم المضائق البحرية “هرمز”، وبعضها الآخر على خلفية انتقادات وجهتها شخصيات إماراتية للقيادة العمانية، وصفت خلالها مواقفها السياسية بـ”الميوعة”، وخلافات أخرى حول شبه جزيرة “مسندم” المطلة على مضيق هرمز، التي لاتزال الإمارات غير راضية عن أن ولاياتها الرئيسية “بخا، خصب، دباء، مدحاء” أصبحت جزءًا من الحدود الجغرافية لسلطنة عمان.
استفزاز جديد لقطر
وإلى جانب خريطة اللوفر التي أظهرت اقتطاع الإمارات جزءًا من عمان لصالحها، جاءت خريطة أخرى تجاهلت وجود دولة قطر من الأساس في منطقة الخليج العربي، ما أثار غضب الدوحة ودفعها إلى انتقاد الإمارات، حيث قالت رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر، المياسة بنت حمد آل ثاني، إن “فكرة المتاحف جديدة على أبو ظبي، لكن هل يرضى متحف اللوفر في فرنسا بهذا الأمر؟”، فيما اتهمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، دول المقاطعة بأنها “تقوم بتسييس الجغرافيا والفن والثقافة والرياضة والدين”.
رد متحف “اللوفر أبو ظبي” على انتقادات قطر في بيان، قائلًا إن “الخريطة المشار إليها تمثّل الطرق التي تمّ من خلالها تبادل إناء قديم”، مضيفًا أن “عدم دقة هذه الخريطة كان نتيجة خطأ غير مقصود، لذا عمل المتحف فورًا على تبديلها”، فيما رد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، على الانتقادات القطرية بعنجهية، قائلًا: “استغرب من تضخيم هفوة بسيطة في قسم هدايا لوفر أبو ظبي، وملاحظات بعض من تعود الاصطياد في الماء العكر”، مضيفًا: “تبقى الثقافة أسمى من هذه الصغائر”، لكن تكرار الخطأ فيما يخص قطر وعمان أثار الشكوك حول موقف حكومة الإمارات ونيتها التي قد تكون خبيثة.
سجال كويتي سعودي
وبالتزامن مع اشتعال الأجواء بين الإمارات من جانب وعمان وقطر من جانب آخر، كانت الكويت تحاول الرد على إساءة السعودية لها؛ حيث تحولت الكويت من وسيط نزيه في الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين من جانب وقطر من جانب آخر، إلى هدف لانتقادات المسؤولين السعوديين والإساءه لها، حيث اشتعلت الخلافات بين الطرفين على خلفية زيارة وزير الدولة لشؤون الشباب الكويتي، خالد الروضان، إلى قطر، على رأس وفد يضم شخصيات رياضية كويتية إلى الدوحة، أعرب خلالها عن خالص شكره وتقديره للأمير القطري، تميم بن حمد، على ما قدمته دولة قطر من دعم ومساندة للرياضة الكويتية، ودورها في رفع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” الإيقاف عن كرة القدم الكويتية الشهر الماضي.
الزيارة اعتبرتها الرياض تجاوزا من الكويت؛ حيث غرد المستشار في الديوان الملكي السعودي، رئيس الهيئة العامة للرياضة، تركي آل الشيخ، على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، قائلًا: “الروضان؛ باختصار هو الارتزاق تحت مظلة المناصب وضد الحقائق المثبتة، لن يضر هذا المرتزق علاقات السعودية التاريخية بشقيقتها الكويت، وماقاله لا يمثل إلا نفسه، وكما قال شاعر مضر: والنفوس إن بغيت تعرفها ارم الفلوس”.
التغريدات التي مثلت تجاوزًا سعوديًا وخروجًا عن حدود اللياقة الدبلوماسية، أثارت غضب الكويتيين الذين أعدوها إساءة للدولة؛ كون الروضان يمثل الحكومة والشعب الكويتيين خلال زيارته إلى قطر، وطالب مغردون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الحكومة الكويتية والسفير الكويتي في الرياض برفع شكوى رسمية بحق تركي آل الشيخ.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق