استقالة الحريري.. السعودية تقرع طبول الحرب
استقالة مفاجأة أربكت المشهد السياسي اللبناني، لكنها أضافت المزيد من الوضوح على شكل التحالفات السياسية الحالية والخطط والمؤامرات التي تدبر لها بعض الدول العربية المتخندقة مع الاحتلال الصهيوني في معسكر واحد، فيبدو أن السعودية أخذت على عاتقها تمهيد الطريق لإثارة المزيد من الفتن في لبنان وإشعال الحرب الأهلية من جديد، وتحضير المنطقة ككل لمواجهة جديدة مع الاحتلال الصهيوني.
الاستقالة بعيون إسرائيلية
إسرائيل التي كانت تنحصر اهتماماتها خلال العقود الماضية على توسعة مستوطناتها في فلسطين المحتلة وتأمين دولتها المزعومة وكسب التعاطف الدولي معها، باتت الآن لا تفوتها شاردة ولا واردة إلا وتحشر أنفها فيها؛ فالأزمة السورية أو العراقية أو الأوضاع في لبنان وغيرها من الموضوعات، كلها تشغل اهتمام الأوساط السياسية والعسكرية في كيان الاحتلال بشكل كبير، الأمر الذي اتضح في التعليق الإسرائيلي السريع على الحدث السياسي المفاجئ في لبنان.
وأشاد رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، باستقالة رئيس الوزراء اللبناني من منصبه، معتبرها بمثابة “مكالمة إيقاظ” للمجتمع الدولي كي يتخذ إجراءات ضد ما أسماه “العدوان الإيراني” الذي يريد أن يحوّل لبنان إلى سوريا أخرى، وزعم نتنياهو أن “هذا العدوان يشكل خطرًا على الشرق الأوسط برمته، يجب على المجتمع الدولي أن يصطف ويواجه هذا العدوان”.
وعلق وزير حرب الكيان الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، على استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، قائلًا إن الجيش الإسرائيلي مستعد لمواجهة حلف إيران، مضيفا “إننا لن نسمح لمحور إيران بتعزيز قوته على الحدود الشمالية”، متابعا أن حزب الله وإيران يسيطران بشكل كامل على لبنان واستقالة الحريري تثبت ذلك، وادعى ليبرمان أن المحور الإيراني وحزب الله “المثير للقلق”، بحسب تعبيره، يعمل من داخل سوريا ولبنان، وفرض سيطرته على قطاع غزة، مشيرًا إلى أن العلاقات بين حماس وإيران والجهاد الإسلامي لم تكن سابقًا قوية بمثل هذه الدرجة.
تناغم سعودي صهيوأمريكي
الموقف الإسرائيلي بدا متناغمًا تمامًا مع نظيره السعودي، فجاء إعلان رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، استقالته من الرياض وعلى وسائل إعلام المملكة وبعيدًا عن حدود أرضه، الأمر الذي يعتبر قفزًا على الحدود الدستورية والأعراف الدبلوماسية، ليعطي مؤشرًا إلى أن الاستقالة تمت بخطة سعودية أمريكية، خاصة أن العديد من المصادر السياسية والدبلوماسية أكدت أن زيارة الحريري إلى الرياض جاءت بعد استدعائه للمرة الثانية خلال 5 أيام، على خلفية مواقف لبنانية أثارت غضب المملكة، بعدما استقبل قبل أيام، مستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي أكبر ولايتي.
وسبق لقاء مستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بأيام، توقيع الحكومة اللبنانية على تعيين سفير لبناني جديد في سوريا، الأمر الذي أعدته الرياض وواشنطن محاولة للتقارب اللبناني مع محور المقاومة السوري الإيراني، ما استدعى تحريك الذراع السعودي في لبنان والمتمثل في تيار المستقبل أو بالأخص سعد الحريري، ما يشير للدور السعودي في الاستقالة التي جاءت دون وجود أي أزمة سياسية أو بوادر خلافات حكومية في البلاد.
مهاجمة رئيس الوزراء اللبناني لإيران وحزب الله خلال خطاب استقالته الذي بثته قناة العربية السعودية، أكد وجود أصابع سعودية خلف كواليس الاستقالة كمحاولة لتعويض خسائر المملكة في المنطقة والانتقام من الفشل الذي منيت به مؤخرًا في اليمن وسوريا والعراق وحتى لبنان، الأمر الذي أضاع هيبتها في المنطقة وكبدها العديد من الخسائر المادية والبشرية.
شن الحريري هجومًا لاذعًا على محور المقاومة بلهجة تصعيدية غير مسبوقة، زاعمًا أن “إيران لا تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار، ويشهد على ذلك تدخلاتها في البلاد العربية”، مضيفًا: للأسف وجدت من أبنائنا من يضع يده بيدها، وهي تسعى لخطف لبنان من محيطه العربي، وزعم أن “حزب الله استطاع فرض أمر واقع بقوة سلاحه”، وأضاف: أريد أن أقول لإيران واتباعها إنهم خاسرون وستقطع الأيادي التي امتدت إلى الدول العربية بالسوء، وسيرتد الشر إلى أهله.
ماذا عن إعلان الحرب؟
التدخلات الإسرائيلية في شؤون الدول العربية بشكل لافت خاصة خلال الفترة الأخيرة، والتعليقات الصهيونية على استقالة رئيس الوزراء اللبناني، وتناغمها مع نظيرتها السعودية، خاصة تهديد وزير الدولة لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، خلال الأيام الماضية، أكثر من مرة بتصعيد تجاه لبنان، كلها مؤشرات توحي ببداية أزمة مفتعلة جديدة تغرق لبنان بأزمة سياسية أُخرى، أو أنها محاولة للضغط على حزب الله وإيران لإجبارهم على الاختيار بين تقليص نفوذهم في المنطقة الذي أصبح مرعبا بالنسبة للمعسكر الخليجي الصهيوني، أو جرهم إلى حرب قريبة تكون إسرائيل رأس الحربة خلالها، بدعم ومساندة من المعسكر الخليجي وبالأخص السعودية، وسواء كانت الفرضية الأولى أو الأخيرة الأقرب للصواب، فإن الأيام المقبلة ستوضح طبيعة الطبخة العربية الإسرائيلية التي يتم تحضيرها حاليًا، ولوح بها الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، خلال خطابه الأخير، عندما حذّر من شن أي حرب على لبنان، وطالب اليهود بالهروب من فلسطين إلى الدول التي جاءوا منها للنجاة بأرواحهم، لأنهم سيكونون وقود أي حرب مقبلة.
وفي السياق، كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية في تقرير لها نشرته قبل أقل من أسبوعين، أن التعاون بين السعودية وكيان الاحتلال لا يقتصر فقط على جهود الاستخبارات، فالمملكة تمول إسرائيل ماديًّا في الحملة ضد إيران، وتهدف الرياض إلى تدمير قواعد الصواريخ التابعة للحرس الثوري، واغتيال العلماء النوويين، وإنشاء سلسلة من الأسلحة السيبرانية الحاسوبية مثل ستوكسنيت أند فلام، كما يمكن أن ينطوي ذلك على فئة كاملة من الأسلحة الإلكترونية والتقليدية التي يمكن استخدامها في هجوم واسع النطاق على إيران، وقد يتضمن عشرات الناقلات الفائقة التي يمكن أن توفر الوقود اللازم للطائرات الإسرائيلية لإرسالها إلى إيران وعودتها، كل هذا مكلف للغاية، ولكن يقول السعوديون إن هذا الثمن رخيص جدًّا مقارنة بالأضرار التي ستلحق بالبرنامج النووي الإيراني.
لم تكن المرة الأولى، التي تخصص فيها بعض الدول العربية والغربية مبالغ طائلة لمواجهة إيران، حيث سبق وخصص الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، 400 مليون دولار، في عام 2007 لمثل هذا التخريب الموجه ضد إيران، وكان مدعومًا بالجهود الإسرائيلية، وكانت السعودية أيضًا الممول الحاسم للجهود الإسرائيلية ضد إيران.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق