من الإعلام
استيراد المشهورين بالقمع لادارة الملف الامني
إسلام الراجحي
لم يكن قرار استحداث جهاز أمن الدولة في السعودية، الذي نقل النفوذ الأمني بالمملكة إلى الديوان الملكي تحت إشراف ولي العهد الطامح في الحكم الأمير «محمد بن سلمان»، إلا بالاستعانة بذوي الخبرات داخليا وخارجيا لهيكلته بداية، ثم لتفعيل دوره لاحقا.
هذا ما شهده الشهران الماضيان، والذي صعد فيه دور الجهاز الحديث، على حساب وزارة الداخلية، في ظل الاستعانة بكوادر داخلية وخارجية (محترفين)، للاستفادة منهم في عمل الجهاز.
تأسيس ونقل نفوذ
البداية كانت مع قرارات ملكية في 20 يوليو/تموز الماضي، قضت بتعديل الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، بما يكفل فصل قطاع الشؤون الأمنية المتعلق بأمن الدولة في جهاز جديد تحت اسم «رئاسة أمن الدولة»، يعنى بكل ما يتعلق بأمن الدولة، ويرتبط برئيس مجلس الوزراء.
وللجهاز الجديد، دور في آلية اتخاذ القرار الرسمي السعودي الخارجي من قبل الملك أو ولي عهده؛ حيث يتعدى دوره القضايا الداخلية التي كانت في صلب اهتمامات المديريات الأمنية في وزارة الداخلية قبل أن يتم فصلها عن الوزارة وضمها للجهاز.
ويتكون الجهاز الجديد من 6 هيئات، وهي «المديرية العامة للمباحث» وتعني بالعمل الاستخباراتي الداخلي ومكافحة التجسس، و«قوات الأمن الخاصة» ومهمتها القيام بالعمليات الخاصة والسريعة لحفظ الأمن الداخلي.
كما يضم الجهاز، «قوات الطوارئ الخاصة» وتستخدم في عمليات حفظ النظام، وإنقاذ الرهائن والمخطوفين، ومكافحة شتى أنواع ((الإرهاب والتخريب))، و«طيران الأمن» ومهمته مساندة أجهزة وزارة الداخلية والجهات الحكومية لأداء مهامها وتقديم الخدمات الإنسانية والتدخل أثناء الكوارث، بالإضافة إلى «الإدارة العامة للشؤون الفنية».
أما سادس الهيئات، فهو «مركز المعلومات الوطني»، ويهتم بتقديم خدماته للقطاعات التابعة لوزارة الداخلية فيما يتعلق بتزويدها بالمعلومات والتقنيات والدعم الفني.
ونقل إلى رئاسة «أمن الدولة»، كل ما له علاقة بمهامها في وكالة الشؤون الأمنية وغيرها من الأجهزة ذات العلاقة بوزارة الداخلية من مهام وموظفين (مدنيين وعسكريين) وميزانيات وبنود ووثائق ومعلومات.
وبناء على ذلك، نزعت جميع الصلاحيات الأمنية المهمة من وزارة الداخلية، وتحولت إلى «وزارة بروتوكولية»، تنحصر مهامها في قضايا المرور، ومكافحة الجريمة والمخدرات، وما شابه ذلك من أمور جنائية، وهو ما أكده «عواد العواد» وزير الثقافة والإعلام السعودي، في تصريحات حينها، حين قال إن «وزارة الداخلية ستصبح أكثر تفرغا وتركيزا لتقديم الخدمات المدنية للمجتمع، دونما انشغال بالهاجس الأمني، وتبعاته الميدانية».
لكن مراقبين اعتبروا هذه الهيكلة محاولة لإنهاء نفوذ ولي العهد المعزول «محمد بن نايف»، وتعزيز سلطات خلفه الأمير «بن سلمان»، مشيرين إلى أن تعيين «عبدالعزيز بن سعود بن نايف» في منصب وزير الداخلية (ابن اخ بن نايف والمقرب من بن سلمان) جاء لامتصاص غضب هذا الفرع من الأسرة بعد عزل «بن نايف» من ولاية العهد، وكل مناصبه الأخرى، وفرض الإقامة الجبرية عليه في قصره بمدينة جدة.
رئاسة «الهويريني»
وشملت القرارات الملكية، حينها، تعيين «عبدالعزيز بن محمد الهويريني»، مدير المباحث العامة، رئيسا لهذا الجهاز بمرتبة وزير، وأن يكون «عضوا في مجلس الشؤون السياسية والأمنية»، مع استمراره في منصبه السابق.
ويبدو أن قرار إسناد رئاسة الجهاز الجديد لـ«الهويريني»، جاء لنفي التقارير المتداولة عن وضع الرجل المحسوب على «بن نايف» قيد الإقامة الجبرية، فضلا عن طمأنة الإدارة الأمريكية، بشأن وجود رجل قوي على دراية بملف الإرهاب، الذي أسند بكافة تفاصيله إلى الجهاز الجديد.
فـ« الهويريني»، الذي تردد أنه قيد الإقامة الجبرية في منزله، وهو أحد رجال الأمن المقربين من «بن نايف»، يعرف جيدا مفاصل وزارة الداخلية، ويملك تجربة في الحِفاظ على ألامن ومحاربة ((الإرهاب))؛ الأمر الذي جعله مصدر ثقة للأجهزة الأمنية الأمريكية التي تعاونت معه.
كما جاء اختيار «الهويريني»، ليشير بشكل أو بآخر إلى أن الجهاز تقف خلفه الأزمة الخليجية، وأنه سيكون له دور فيها، كون أن رئيسه يعرف بمواقفه المعادية لقطر، وسبق أن اتهمها قبل عام ونصف بالسعي لتشويه سمعة المملكة.
كما أن الجنرال «الهويريني، لا يشكل خطرا على الملك المقبل، إلا أن امرا واحدا يقف عائقا أمام بقائه في منصبه، وهو قربه من «بن نايف»، وهو ما لا يبعث على الاطمئنان لـ«بن سلمان»، الذي يفضل وبالنظر إلى تعيينات سابقة، العمل مع رجاله فقط، خاصة في المناصب الأمنية والعسكرية الحساسة.
محترفون من الخارج
هذه الإمبراطورية الأمنية الجديدة، لم تكن لتكتمل إلا بالاستعانة بمحترفين من خارج المملكة، لديهم خبرات واسعة في مكافحة الإرهاب.
حساب «العهد الجديد»، وهو بحسب وصفه لنفسه، راصد ومحلل لمظاهر التغيير في العهد الجديد وقريب من غرف صناعة القرار، كشف في تغريدة له عبر «تويتر»، الشهر الماضي، أن السعودية استقدمت «ضباطا يتبعون لجهاز أمن (الرئيس المصري عبدالفتاح) السيسي للإشراف وتدريب العناصر والكوادر المنخرطة في جهاز أمن الدولة الجديد».
واتهم المغرد الشهير، الذي صدقت بعض تسريباته، المملكة باستنساخ ألة القمع.
الحساب نفسه، كشف الأسبوع الماضي، عن أبرز من تم استقدامه للعمل بالجهاز، وهو وزير الداخلية المصري الأسبق «حبيب العادلي»، الذي أطاحت به ثورة يناير/كانون الثاني 2011 في مصر.
وقال «العهد الجديد»: «أكدت مصادرنا أن حبيب العادلي هو أحد الذين استقدمتهم السعودية للعمل لديها في جهاز أمن الدولة».
وترأس من قبل «العادلي»، رئاسة جهاز أمن الدولة، قبل أن يتم تعيينه وزيرا للداخلية (1997-2011). وكانت ممارسات هذا الجهاز في مصر، من قبيل تعذيب المعارضين حتى القتل داخل المعتقلات، أحد أسباب اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
واتهم «العادلي» بفض تجمعات سلمية باستخدام القوة المفرطة، واعتقالات عشوائية ضد مئات المواطنين، واحتجازهم في أماكن غير قانونية، كما شهد عهده الشعب المصري أقصى درجات التزوير في الانتخابات.
لم يقتصر الأمر على «العادلي»، بل تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات الماضية، أنباءً عن تعيين مدير الديوان الملكي الأردني السابق «باسم عوض الله» المقرب من «محمد دحلان» القيادي الفلسطيني المفصول من حركة «فتح»، مستشارا أمنيا جديدا بالمملكة.
وشغل «باسم عوض الله» منصب رئيس الديوان الملكي الأردني عامي 2006 و2007، ثم أصبح مدير المكتب الخاص للملك «عبدالله الثاني» عامي 2007 و2008.
وقبل شهرين، عينت المملكة مدير مكتب رئيس الجمهورية السوداني المقال الفريق «طه عثمان» مستشارا لديها.
وكان «عثمان» إحدى الأذرع التي استخدمها «بن سلمان» لتسويقه داخل بلاده وخارجها؛ إذ أخذت تصريحات «عثمان» تمتدح حكمة «بن سلمان»، وتثني على جهوده لدى الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن السودان.
أول قضية
وحسب موقع «ذا إنترسبت» الإخباري الأمريكي، فإن حملة الاعتقالات التي بدأتها المملكة منذ 10 سبتمبر/أيلول الجاري، وطالت مجموعة من علماء الدين البارزين، كانت إعلانا عن تفعيل دور الجهاز الأمني الجديد.
وسبق أن نقلت «رويترز»، عن مصدر سعودي (لم تسمه) قوله، إن «المشتبه بهم متهمون بأنشطة تجسس والاتصال بكيانات خارجية منها جماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها المملكة باعتبارها جماعة إرهابية، مضيفا أن المجموعة متهمة أيضا بالاتصال وتلقي تمويل ودعم آخر من دولتين (لم يسمهم) بهدف الإضرار بالسعودية وزعزعة أمنها ووحدتها الوطنية تمهيدا للإطاحة بالنظام لصالح جماعة الإخوان».
وقبل ايام، كشف حساب «العهد الجديد» أن «مهندس الاعتقالات الحاصلة شخص تظنون أنه مختفي، ولكنه بالحقيقة يدير جزءا مهما من المشهد».
وأضاف: «هو كذلك الأعرف بالإسلاميين، من خلال خبرته السابقة بالبطش»، ما يؤكد استعانة الجهاز بذوي خبرة في مواجهة الإسلاميين، سواء من داخل المملكة أو خارجها.
أما صحيفة «الغارديان» البريطانية، فلفتت إلى أن حملة «بن سلمان» واسعة النطاق ضد المعارضة، تأتي في إطار جهوده لتعزيز سلطاته الجديدة.
فيما قالت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إن «بن سلمان» يتبنى ذات التكتيكات التي يستخدمها حليفه القريب «محمد بن زايد» ولي عهد أبوظبي، ضد معارضيه، خاصة من الإسلاميين.
وكثفت الأجهزة الأمنية السعودية في 10 سبتمبر/أيلول الجاري، حملاتها في الاعتقالات الموسعة شملت أساتذة جامعات ومثقفين وكتابا واقتصاديين ودعاة ومحامين وشعراء وإعلاميين، في إطار حملة تستهدف فيما يبدو بعض الأصوات التي لها وجهات نظر مختلفة عن الحكم.
وقالت «سارة ليا ويتسن» مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة «هيومان رايتس ووتش»: «يبدو أن لهذه الاعتقالات دوافع سياسية»، مضيفة: «الاعتقالات علامة أخرى على أنه لا مصلحة حقيقية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تحسين سجل بلاده في حرية التعبير وسيادة القانون».
ارسال التعليق