اصلاحات ابن سلمان شكلية وهدفه تعزيز قبضته لا أكثر
لم تتحقق أماني ولي العهد السعودي، في أن يستفيد سياسيا من نتائج منتخب بلاده لكرة القدم، الذي عاد خائبا إلى بلاده وليس في جعبته سوى ثلاث نقاط بعد فوزه على المنتخب المصري وخسارته بالخمسة أمام روسيا ثم أمام الأرجواي. غير أن ظهوره في حفل افتتاح مونديال روسيا إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان مناسبة ليتحدث عنه بعض المعلقين الألمان مثل مارتن أيمرمماخر الذي تساءل في مقال نشرته صحيفة «دي تسايت» إذا كان تشجيع المنتخب السعودي مسألة أخلاقية؟ لأن الرياض تستغل تأهله لكأس العالم في روسيا لتخدم أغراضها السياسية، خاصة أنها متورطة في نزاع عسكري دموي في اليمن علاوة على أنها تفرض منذ صيف عام 2017 حصارا جائرا على دولة قطر وحولت منطقة الخليج العربي من منطقة سلام إلى منطقة تسودها التوترات ويتهددها الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران، سيكون لها انعكاسات سلبية على جميع دول المنطقة.
وجاء في التعليق أن ولي العهد السعودي يزعم أنه رجل إصلاحات، لكن في الحقيقة يزج بمعارضيه في السجون وسياساته تذكر العالم بالماضي. فخلال العام الجاري تم اعتقال ناشطات سعوديات لأنهن أردن التعبير عن آرائهن وطالبن بالحصول على حقوق المرأة.
وتجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الألمانية وجهت انتقادات قوية للاتحاد الألماني لكرة القدم، لأنه أجرى مباراة ودية مع نظيره السعودي قبل مغادرته إلى روسيا للمشاركة بالمونديال وكانت لعنتها خروجه من البطولة وبالتالي فشله في الدفاع عن اللقب. وأكد الكاتب مارتن أيمرمماخر أن كل مرة كان المنتخب السعودي ينزل أرض الملعب كان يتذكر الناشطات السعوديات اللواتي زج ولي السعودي بهن في السجون.
وحرصت السفارة السعودية في برلين على دعوة صحفيين وصحفيات ألمان لزيارة السعودية لهدف تغطية ما زعمت بإصلاح المجتمع السعودي، وقرار الحكومة برفع الحظر عن المرأة بقيادة السيارة.
وقالت الصحيفة إن التغطية الإعلامية الألمانية كانت مخيبة لآمال السعوديين، لأن وسائل الإعلام الألمانية تعتبر القرار رجعيا وكان لعقود طويلة علامة واضحة على اضطهاد المرأة السعودية ومنذ ثلاثة عقود رمز كفاح ناشطات سعوديات وسخرت التعليقات من استخدام ولي العهد السعودي القرار بأنه إصلاح يندرج ضمن أهداف «رؤية 2030».
وكان السؤال الذي طرحته وسائل الإعلام الألمانية في الأسبوع المنصرم، إذا كان ولي العهد السعودي جادا في قيامه بإصلاحات، فحتى الآن توصف بأنها شكلية، واتفقت وسائل الإعلام الألمانية في حكمها على الواقع السعودي المرير، أنه حينما تصف الحكومة قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، فإنها تسمح ببقاء ناشطات سعوديات وراء القضبان.
وبرأي باول أنتون كروجر، مراسل صحيفة «زود دويتشه» في الشرق الأوسط، أن الإصلاحات الشكلية و«ثورة من فوق» التي يقوم بها ولي العهد السعودي، هدفها الأساسي الحفاظ على نفوذ الأسرة الحاكمة، فقرار السماح للمرأة بقيادة السيارة لم يكن بحسب الصحفي الألماني كروجر عبارة عن رمز للرجعية فحسب، بل كان على حساب المرأة السعودية، وبسبب نفوذ علماء الدين المتشددين على الحكام السعوديين.
وقال إن ولي العهد السعودي قد اكتشف بعد خيبة أمله من منتخب بلاده لكرة القدم، أنه يستطيع التعويض وزيادة شعبيته بقرار التراجع عن حظر قيادة المرأة السيارة. غير أن هذا أيضا لن يضمن له زيادة شعبيته، فالكثير من نساء ورجال في المملكة يعتبرون أن هذا القرار كان ينبغي أن يتم اتخاذه منذ عقود. واستنتج الصحفي الألماني كروجر أن ولي العهد السعودي ليس معروفا أنه صاحب نوايا حسنة، ويفكر فقط بسلطته ونفوذ الأسرة السعودية ولا يقوم إلا بإصلاحات تناسبه تتسبب بضجيج إعلامي لكن لا شيء يتغير على أرض الواقع.
وأكد الصحفي الألماني أن ولي العهد السعودي عاقد العزم على مكافحة معارضيه ومنتقديه وعدم إشراك الشعب السعودي في العملية السياسية وهناك من يؤكد أنه أمر باعتقال الناشطات السعوديات اللواتي كافحن لسنوات من أجل الحصول على حقوق المرأة، قبل إصداره قرار السماح للنساء بقيادة السيارات، حتى لا يحتفلن بالقرار على أنه عبارة عن انتصار لكفاحهن الطويل.
وأيده في ذلك زميله كريم الجوهري مراسل صحيفة «تاجيس تسايتونج» في القاهرة الذي زار السعودية أخيرا وكتب أن ولي العهد السعودي أصبح يدرك مدى سوء سمعته في العالم ويسعى من وراء إصلاحات شكلية لتلميع صورته ويحرص على أن يكون اسمه وحده مرتبطا بهذه الإصلاحات المزعومة.
وأوضح كريم الجوهري بعد حديثه مع نساء سعوديات أكد أنهن لسن جميعا مسرورات للقرار لأنه كان بوسع الملوك السعوديين السابقين إلغاؤه، وقلن أنهن ينتظرن إصلاحات حقيقية مثل إلغاء هيمنة الرجل على المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين. وأكدت إحدى السيدات أن أكثر من ألفي امرأة من مختلف نواحي المجتمع السعودي قدمن طلبات للعمل في مكاتب سيارات الأجرة من مطلقات وطالبات ومتقاعدات وقالت طالبة تدرس الهندسة أنه يخالجها شعور بأن النساء يردن أن يكن جزءا من التحول في المجتمع السعودي والتضامن مع بعضهن البعض كي يُجبرن القيادة السعودية على منحهن حقوقهن.
ومما لا شك فيه أن تقارير وسائل الإعلام الألمانية حول قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، سوف تؤرق مضاجع المسؤولين السعوديين، لأنها تُنذر بانتفاضة نسائية تحظى منذ الآن بتأييد واسع في مختلف أنحاء العالم وإذا نجح ولي العهد السعودي في شيء فإنه نجح في وضع السعودية على القائمة كآخر بلد في العالم منح المرأة حق قيادة السيارة، وهذا وحده لا يكفي لتحسين سمعته، فهو ما زال يقود تدخل بلاده في نزاعات مثل حصار قطر وقتل المدنيين في اليمن وبيع القضية الفلسطينية ومناوشة إيران.
ارسال التعليق