اضطهاد نظام ال سعود لعائلة الفرج
لا تختزل قصص التحركات الشعبية في القطيف والأحساء عام 2011 بأسماء أشخاص جمعتهم القضية، بل قد يمتد الأمر لتخصيص مساحة لعائلة بأكملها بصغيرها وكبيرها ساهمت في التنظيم وإحياء روح النضال وتوجيه المطالب. ما ورد ينطبق على عائلة الفرج التي اضطهدها النظام السعودي بأبشع الوسائل والطرق الغير المستغربة منه.
حسين محمد الفرج:
بدأت القصة مع المدافع عن حقوق الإنسان حسين الفرج (1976) واعتقاله في 17 يناير/كانون الثاني 2017 حيث وجهت النيابة العامة السعودية المرتبطة مباشرة بـ"الملك" سلمان للناشط الفرج العديد من التهم، التي تتصل بممارسته لحقه في حرية التعبير، كالمشاركة بالمظاهرات التي نشطت في محافظة القطيف منذ فبراير/شباط 2011، والسعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية من خلال “تزعم” المظاهرات ومسيرات تشييع جنائز ضحايا الحكومة السعودية، الذين قُتِلوا خارج نطاق القانون عبر استهدافهم بالرصاص في المظاهرات السلمية والمداهمات التي كانت تنفذ بقصد اعتقال أو تصفية مطلوبين في الشوارع، مما نتج عن ذلك، قتل العديد من المارة، من بينهم الطفلين، ثامر آل ربيع ووليد العريض. بالإضافة إلى اتهامه بإعداد وإرسال وتخزين ما من شأنه المساس بالنظام العام، عبر تصويره لإصابة المتظاهر مرسي آل ربح الذي قتلته القوات السعودية في 22 يونيو/حزيران 2013، وتصوير إصابة المتظاهر محمد صالح الزنادي المعتقل منذ 23 مارس/آذار 2012، وإعادة نشر جثمان المصور الإعلامي (حسين علي الفرج) الذي قتلته قوات سعودية في 20 فبراير/شباط 2014 أثناء قيامه بتصوير مداهمتهم المسلحة لأحد المنازل. كما أنها وجهت له تهمة مساعدة مصابين والإتصال مع مطلوبين.
وقد بيّنت المنظمة الأوروربية السعودية لحقوق الإنسان بعض التفاصيل المتعلقة بآليات اعتقال حسين الفرج، حيث اقتحمت قوات سعودية، في تمام الساعة الثامنة صباحاً، منزل أسرة المدافع عن حقوق الإنسان حسين الفرج، وقامت بالهجوم عليه داخل غرفة نومه الواقعة في الطابق الثاني من المنزل، وانهالت عليه بالضرب المبرح بواسطة أعقاب الأسلحة الرشاشة والركل بالأرجل، ومن ثم قامت بـ “جره” من أرجله إلى خارج المنزل، وقد نتج عما تعرض له أثناء الإعتقال إصابات بليغة استدعت مكوثه في المستشفى في بداية الاعتقال. كما عمدت القوات السعودية إلى تحطيم أبواب المنزل وإتلاف محتويات فيه.
يذكر أن النيابة العامة كانت قد أصدرت في العام 2019 طلبها بإيقاع عقوبة "حد الحرابة" بحق حسين الفرج، إلى أن تم إصدار الحكم النهائي في يونيو/حزيران 2021، القاضي بالسجن 25 سنة والمنع من السفر للمدة عينها. وكشفت المعلومات عن تعرض الفرج إلى التعذيب المنهجي والذي استتبع بزنزانة انفرادية حيث “قام محققو المباحث بعزله في زنزانة إنفرادية لأكثر من سبعة أشهر، أربعة منها كانت بعد اعتقاله وخروجه من المستشفى على إثر الإصابات التي تكبدها جراء طريقة الاعتقال، وخمسة وتسعين يوماً قضاها مرة أخرى في الإنفرادي قبل فترة المصادقة على أقواله”، ونبهت إلى أنه “حُرِم من حقه في الاستعانة بمحامٍ طوال فترة التحقيق التي شابتها خروقات عميقة لحقوقه الأساسية، ولم يسمح له بالتواصل مع محام إلا بعد استلامه لائحة تهمه”. وفي إحدى جلسات التحقيق، تقيّأ حسين، فأجبره المحقق على أكل ما تقيّأه.
وفي 8 نوفمبر/تشرين الأول 2017 ظهراً عاودت قوات المهمات الخاصة وعناصر المباحث إقتحام المنزل مرة أخرى وتخريب أبواب المنزل ومحتوياته، وبالتزامن مع ذلك إقتحمت فرقة أخرى من قوات المهمات الخاصة وعناصر من المباحث منزل أخته، نتج عن ذلك تحطيم أبواب المنزل ومحتوياته واعتقال ابني أخته، (أسعد وأحمد). ظل أحمد مخفيا بشكل قسري لقرابة خمسة أشهر بعد إصابته برصاصة أثناء قيام فرقة الاقتحام بفتح نيران أسلحتها الرشاشة داخل المنزل. هذا وأجبر كُلا من أسعد وأحمد على التوقيع على اعترافات بالتواصل مع حالهما سعود الفرج، أخ المعتقل حسين الفرج، المطارد من قبل قوات النظام.
ثمّ عوقبت العائلة بإيقاف كافة الخدمات الحكومية الإلكترونية عنه، ما حرم العائلة من إنجاز المعاملات الحكومية واستخراج وثائق رسمية وتسجيل ولادات أو زيجات.
جعفر محمد الفرج:
في مداهمة أخرى وقعت في 28 مارس/آذار 2017، قامت "السعودية" بإقتحام مزرعة المعتقل (حسين الفرج) الواقعة في منطقة الرامس الزراعية، وذلك بدون إبراز أذن قانوني، وبحسب مصادر أهلية للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان فإن القوات المدججة بالأسلحة اعتقلت جعفر الفرج و وصفي القروص تعسفيا من داخل المزرعة، بالرغم من عدم وجود أي إستدعاء لأيا منهما أو حكم قضائي.
في أحد الأيام التي لم يعرف جعفر الفرج تعدادها وهو داخل الزنزانة الإنفرادية في غياهب السجن، ضُرب باب زنزانته بشكل مُرعب واقتحمها عناصر ملثمون، ليسحبوه إلى غرفة التعذيب، وبدأوا بالضغط عليه للتوقيع على اعترافات وجرائم وانتهاكات أمنية حصلت في تواريخ وجوده داخل المعتقل، ومع إصرار الشاب الفرج على رفض التوقيع على جرم لم يقترفه، تولّى أحد المعذبين وبآلة حديدية حادة جداً “كلاّب ـ زرادية” اقتلاع 6 من أظافر يدي جعفر، ما جعله يفقد وعيه من شدة الألم، فلجأ السجان إلى رشق الماء البارد عليه ليعود إلى وعيه، بعدها تم تعليقه من رجليه في سقف غرفة التعذيب لساعات ونزيف الدم يجري من أصابعه النحيلة، فيما راح المعذبون يضربونه على مختلف أنحاء جسده بشكل مبرّح، لتطبع الكدمات آثارها على وجهه وأطرافه، حسب ما تؤكده المعلومات التي وردت من داخل السجن حينها.
وعمد السجانون إلى تعليق جسد جعفر الفرج مكبلاً إمّا من يديه أو من رجليه ورأسه للأسفل، ليبدأ التنكيل بتحول الجسد المعلق إلى مساحات ملتهبة بإطفاء جمر السجائر المشتعلة، ومن ثم يُصار إلى صعقه كهربائياً، ورشقه بالماء وضربه بالأحذية العسكرية على كافة أنحاء جسده، وقد أدت إحدى الصفعات إلى تفجير طبلتي أذنيه، ما أفقده السمع.
لم تتمكن عائلة جعفر من زيارته إلا بعد مضي 350 يوماً من اعتقاله، بحسب المعلومات. فبعد هذه الفترة من التعذيب والتنكيل، اتصلت المباحث بأسرة جعفر وإخبرتهم بالسماح بزيارة استثنائية، وعندما التقوا أخوته وأخواته به أصيبوا بالصدمة لرؤية الحال المرعبة التي يعانيها شقيقهم وأهوال التعذيب التي تعرّض لها.. الحالة الصحية السيئة، فقدانه قدرة السمع، نحول جسده وخسارته نحو نصف وزنه. سألوه عن السبب فأخبرهم بأنه لا يسمعهم!! ويحتاج لتكرار كلامهم ورفع أصواتهم حتى يتمكن من سماع أصواتهم!
يذكر أن الفرج حكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات و6 سنوات أخرى ممنوع فيها من السفر.
سعود محمد الفرج:
اعتقل النظام السعودي سعود الفرج في في ديسمبر/كانون الأول 2019، خلال مداهمة عسكرية لمنزل كان يسكن به مع زوجته وطفلته. وبعد اقتيادهم جميعا إلى السجن دون إبراز مذكرة قضائية، فرّقت “السعودية” بين الفرج وزوجته وطفلته. وعلى الرغم من إطلاق سراح زوجته بعد 18 يوما، تعمّدت “السعودية” عدم إبلاغ الفرج عن ذلك إمعانا في إيذائه وبغية ابتزازه، إذ هدده المحققون باغتصاب زوجته أمامه إن لم يعترف بالتهم التي وجهت له، وظل يجهل مصيرهما لمدة سنة وتسعة أشهر.
وفي السياق نفسه، تعرّض الفرج لإخفاء قسري بعد اعتقاله، ولم تستطع عائلته معرفة مكان تواجده. كما حُرِم من حقه الاساسي في الاستعانة بمحامٍ، الأمر الذي يُعدّ إجراءا منهجياً تعتمده “السعودية” مع المعتقلين في فترة التحقيق والمصادقة على الأقوال.
كما تعرض الفرج إلى التعذيب ما أدى إلى تورم في جسمه، حيث مُنِعَ مرارا من فك القيود التي كانت على يديه ورجليه. وتشير المعلومات إلى تجريد الفرج من ملابسه أثناء إحدى جلسات التحقيق في محاولة لإذلاله. كما أرغم الفرج على البصم على أوراق بيضاء، كما مزّق المحقق أحد دفاتر التحقيق التي كتب فيها الفرج أقواله بمحض إرادته وارغمه على كتابة أقوال بأملائه.
يُذكر أنه في ماي/ أيار 2021، وبعد 19 شهرا على الاعتقال، اتصل سعود الفرج بعائلته وأبلغهم أنه لا زال على قيد الحياة، وعرف خلال الاتصال أن زوجته ليست معتقلة، وأن المحققين أخَّفوا الأمر عنه بهدف تعذيبه نفسيا.
هذا وتعود أسباب ملاحقة سعود الفرج إلى نشاطه في مرحلة مبكرة.
إلى ذلك وجهت النيابة العامة للفرج عدة تهم، في دفاتر التحقيق التي كُتِبت تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي. وبعضها الآخر استند إلى اعترافات معتقلين آخرين تشير المعلومات إلى أنهم أيضا تعرضوا لتعذيب مماثل، بحسب المنظمة الأوروبية السعودية. ويشار إلى أنه من بين التهم الموجهة للفرج، الدعوة والمشاركة والترويج للمظاهرات والاعتصامات، التواصل مع المنظمات الحقوقية، الانتماء إلى تنظيم إرهابي، والتدرب على الأسلحة وتدريب آخرين عليها. وبالاستناد لهذه التهم المزعومة، والتي بنيت على انتهاكات جسيمة للحقوق الأساسية للمتهم قبل عرضه على المحكمة، طالبت النيابة العامة بإنزال حد الحرابة بحقه وإن درئ عنه بالقتل تعزيرا.
الطفل محمد عصام الفرج:
ولد الفرج في 25 فبراير 2002، وقبض عليه مع 7 آخرين أثناء رحلة إلى المدينة المنورة في 29 يونيو/حزيران 2017، عندما كان يبلغ من العمر خمسة عشر عامًا. تعرض الفرج عند القبض عليه للضرب من قبل القوات الأمنية السعودية وأبقته مكبلاً بالأغلال لساعات ويداه فوق رأسه. على الرغم من كونه كان قاصرا، وضع في سجن المباحث العامة في الدمام، عوضا عن دار الملاحظة المخصصة لسجن الاحداث، في مخالفة واضحة للنظام.
بقي الفرج في الحبس الإنفرادي بمعزل عن العالم الخارجي لمدة شهرين، منع خلالها من التواصل مع عائلته. كما تعرض خلالها للتعذيب الشديد من خلال الركل والضرب والإجبار على الوقوف لساعات، ما أدى إلى نقله إلى المستشفى وإصابته بأمراض مزمنة، حيث يعاني حاليا من ارتفاع ضغط الدم. هدف التعذيب الذي تعرض له الفرج إلى إجباره على التوقيع على اعترفات.
بدأت محاكمة الفرج ومن معه، وبينهم 4 قاصرين آخرين هم: (أحمد عبد الواحد الفرج – علي محمد آل بطي – محمد حسين آل نمر – علي حسن الفرج)، مع نهاية 2019 أي بعد عامين على اعتقالهم. انقطعت جلسات المحاكمة لمدة وصلت إلى أكثر من سبعة أشهر لعدة أسباب بينها جائحة كورونا.
وجهت إلى محمد الفرج عدة تهم ليست من الأشد خطورة في القانون الدولي. حرم من حقه بالاستعانه بمحام منذ لحظة اعتقاله وخلال فترة التحقيق الى أن بدأت المحاكمة سمح القاضي له وللبقية بتعيين محام. على الرغم من الانتهاكات الجسيمة التي انطوت عليها القضية طالبت النيابة العامة له بالقتل بحد الحرابة وإن درئ عنه بالقتل التعزيري.
الشهيد سلمان علي الفرج (39سنة)، ابن بلدة العوامية في القطيف، التي عجزت القوات الأمنية السعودية من النيل منه طيلة خمس سنوات، كان يقود فيها جوانب مهمة من الحراك الشعبي. في 2 يناير/كانون الثاني 2012، أدرجت وزارة الداخلية اسمه ضمن قائمة الـ23 مطلوبا بحق نشطاء القطيف المطالبين بحقوق شعبهم المسلوبة، مما اضطره للتخفي وتعرض للملاحقة.
أما عن تفاصيل الشهادة، في 19 ديسمبر/كانون الأول 2017، اقتحمت عناصر عسكرية بلدة العوامية، وطوّقت حيّ الجميمة الذي يقع فيه منزل الشهيد، حيث كان الشهيد داخل المنزل أثناء المداهمة، في زيارة مفاجأة إلى أهله وأبنائه، وقد علمت السلطة بوجوده عبر أحد عملائها.
هذا، وكان “يرافق القوة المهاجمة حوالي 12 مدرعة و7 عربات مصفحة نوع يوكن ونحو 26 عسكرياً مدججين بالرشاشات الثقيلة والأسلحة المتوسطة، وبهذا الزخم الهائل من القوات، تم مداهمة منزله بعد أن تم غلق جميع المنافذ المحتملة للإفلات من الحصار، إلا أن الشهيد ظل صامداً في المنزل وقاوم القوة المهاجمة، إلا أن رصاصات الغدر قد استقرت في جسده، وضعف بدنه من جراء الجراح التي اثخنت جسده، وقد تمت تصفيته وسقط شهيدا أمام أعين أسرته وبينهم زوجته وأطفاله.
الحاج عبدالمحسن عبدالله الفرج 50عام أب لأربعة أولاد وطفلة صغيرة، كان يسير متجهاً إلى منزله عند مروره بحي العوينة قريباً من حسينية الإمام الجواد”ع” مساء 12 يونيو عند الساعة 11:28 اغتالته رصاصات غادرة أطلقها قناّص تحصن فوق أحد أبراج مركز قوات الطوارئ السعودية، ليُمزق جسده بعدة رصاصات استقرت اثنتان منها في عموده الفقري وأخرى في إحدى كليتيه. لم يقاوم جسد عبد المحسن الجراح والآلام والنزف الشديد الذي تعرض قبل وصوله إلى المستشفى وعرج إلى ربه عند الساعة الثامنة والربع من مساء اليوم الثلاثاء شهيداً وشاهداً على مظلومية شعب أعزل يتعرض لانتهاكات صارخة على أيدي قوات يفترض أنها تسهر على حمايته وتأمين حياته.
ارسال التعليق