اقتصاد السعودية في خطر.. ماذا لو انهارت أسعار النفط
ماذا لو انهارت أسعار النفط كما حدث قبل أربع سنوات؟ سؤال بات يشكّل كابوساً للحكومة السعودية في ظل زيادة الإنفاق العام وهبوط جميع المؤشرات الاقتصادية للبلاد، وسط تحذيرات متواصلة من صندوق النقد الدولي للمملكة بضرورة خفض نفقاتها؛ حتى لا ينكمش اقتصادها بشكل مفاجئ في حال هبطت أسعار النفط.
ومنذ بداية العام الجاري، زادت السعودية نفقاتها العامة، فأعلنت عن مكافأة سنوية لجميع موظفي الدولة، وبدل غلاء شهري قيمته ألف ريال (266 دولاراً) للموظفين الحكوميين مدة سنة، إضافة إلى مَنح مكافآت ضخمة للجنود.
كما أطلقت المملكة 10 مشاريع بداية العام الحالي، بتكلفة 315 مليار ريال (82 مليار دولار)؛ من أهمها: توسعة المسجد الحرام، ومشروع تطوير وسط مدينة جدة، وبناء "مول الرياض"، و"مجمع الملك عبد الله" الأمني.
وسبق أن تحدَّث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في أكتوبر الماضي، عن خطة تبلغ قيمتها 500 مليار دولار لإقامة منطقة تجارية وصناعية تمتد بين السعودية والأردن ومصر تحت اسم مدينة "نيوم".
قبل ذلك، وتحديداً في 25 أغسطس الماضي، حذَّر صندوق النقد الدولي السعودية من زيادة الإنفاق، في أعقاب ارتفاع أسعار النفط.
وقال صندوق النقد في تقرير له، إن "زيادة الإنفاق ستعرض ميزانية المملكة للانكشاف في حال انخفاض أسعار النفط بشكل غير متوقع".
وشدد على "أهمية ضمان بقاء الإنفاق على مستوى مستدام في مختلف ظروف أسعار النفط، وعلى ضرورة تجنُّب سياسة مالية من شأنها أن تؤدي إلى اضطرابات في النشاط الاقتصادي".
وعائدات السعودية ارتفعت بنسبة 67% في الربع الثاني من 2018؛ بسبب ارتفاع الإيرادات النفطية بشكل كبير. وفي الفترة نفسها، ارتفع إنفاق القطاع العام بنسبة 34%، حسب بيانات رسمية سعودية.
وأوضح صندوق النقد الدولي أن نحو نصف الإنفاق الحكومي السعودي يذهب لدفع رواتب القطاع العام.
ووفق شركة "ماكينزي" الرائدة في مجال استشارات الأعمال، فإن نسبة 70% من السعوديين، أي قرابة 3 ملايين شخص، يعملون في القطاع العام.
ورغم ارتفاع أسعار النفط، فإن اقتصاد السعودية يواجه تحدّيات بسبب انخفاض إيراداتها العامة، والنمو الضعيف للمشاريع غير النفطية، إضافة للتكلفة الباهظة التي فرضتها مشاركة الرياض في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.
أضف إلى ذلك تدخُّلها في اليمن من خلال قيادة تحالف عربي بدأ منذ مارس 2015، ضد الحوثيين التي تواصل قصفها المدن سعودية، وخاصة العاصمة الرياض، بصواريخ باليسيتية؛ ما أدى إلى تراجع تدفّق الاستثمارات الأجنبية وهروب المستثمرين.
وكنتيجة طبيعية لتلك الصعوبات، فإن الاقتصاد السعودي حقق عام 2017 نمواً يقترب من الصفر؛ عند 0.2%، بحسب بيانات البنك الدولي، الذي توقَّع في تقرير حديث له تحسُّناً متواضعاً لاقتصاد المملكة، نهاية العام الجاري، عند 1.7%.
وسيكون هذا النمو مدعوماً بزيادة إنتاج البلاد من النفط وارتفاع أسعاره، ولن يكون هناك أي زيادة حقيقية في عائدات الاقتصاد غير النفطي.
وبحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية الاقتصادية، فإن نموّ الاقتصاد غير النفطي في السعودية لم يتخطَّ أكثر من 0.6%، وهو رقم ضئيل جداً بالنسبة إلى خطط الحكومة الطموحة.
كما ارتفعت قيمة الدَّين العام للمملكة حتى نهاية السنة الماضية، حسب بيانات موازنة 2018، إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316 مليار ريال (84.4 مليار دولار) نهاية 2016.
ويأتي ذلك في حين أن الدَّين العام لم يتجاوز نحو 11.8 مليار دولار في نهاية 2014، وفق بيانات سابقة لوزارة المالية السعودية.
ويُشكّل الدَّين السعودي نحو 17.3% من الناتج المحلي للبلاد بـ2017، في حين كان 13.1% بـ2016، و1.6% في 2014.
وتوقّعت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، في تقريرٍ لها بمايو الماضي، استمرار ارتفاع مستويات الدين العام بالسعودية من مستوياته البالغة 17.3% في 2017، لكنها قالت إنه سيبقى دون الـ30% من الناتج المحلي للبلاد، خلال السنوات الخمس المقبلة.
وإضافة إلى الدَّين، فإن عجز الموازنات في المملكة بات طقساً سنوياً منذ 4 سنوات.
وقد سجّلت المملكة عجزاً بموازنتها العامة في 2014، قُدِّر بـ14.40 مليار دولار. وفي 2015، بلغ العجز 89 مليار دولار، وتبعه عجز في 2016 بقيمة 79.2 ملياراً، قبل أن ينخفض في 2017 إلى نحو 61.33 ملياراً، و52 مليار دولار في 2018، وفق بيانات الموازنات العامة المنشورة على موقع وزارة المالية السعودية.
ومنذ 2014، فقد احتياطي النقد الأجنبي السعودي نحو 36% من قيمته، حيث كان يبلغ 737 مليار دولار، قبل أن ينخفض إلى 500.58 مليار دولار، في فبراير الماضي.
وإضافة إلى السحب من الاحتياطي النقدي لتغطية عجز الإنفاق، عملت الحكومة السعودية، منذ بداية العام الجاري، على رفع أسعار الوقود وفرض ضرائب جديدة أسهمت في مزيد من الانتكاس بالأوضاع الاقتصادية للمواطنين.
وفي الأول من يناير الماضي، قرّرت السلطات السعودية رفع أسعار البنزين بنسب تراوحت بين 82 و126%.
وبالتزامن مع رفع أسعار الوقود، بدأت المملكة، مطلع يناير الماضي، تطبيق ضريبة القيمة المضافة، بواقع 5%، على مجموعة كبيرة من السلع والخدمات.
وسبق ذلك إقرار الحكومة، في أبريل من عام 2017، ضريبة بنسبة 2.5% على الأراضي التجارية والسكنية التي لم يتم تطويرها بعد.
وإضافة إلى تلك الضرائب، كثّفت المملكة، منذ يونيو 2017، من فرض الغرامات المالية عالية القيمة، التي بلغ مجموع قيمة 10 منها فقط نحو 17 مليون ريال سعودي (قرابة 4.6 ملايين دولار).
كما توجهت السلطات السعودية، لأول مرة منذ نحو 25 عاماً، نحو الاقتراض من بنوك دولية لتغطية عجز نفقاتها.
ووفق صحيفة "فايننشيال تايمز"، فإن الصندوق السيادي السعودي بصدد اقتراض ما يصل إلى 12 مليار دولار من 16 بنكاً عالمياً.
وعن مستقبل الاقتصاد السعودي في حال انهارت أسعار النفط، يقول المحلل الاقتصادي محمد الشهري: إن "زيادة أسعار النفط، منذ بداية العام الجاري، دفعت المملكة لتكثيف إنفاقها العام، وهذا يؤكد أن النمو غير النفطي في المملكة ضعيف أو غير حقيقي، فهي حتى الآن تعتمد بشكل شبه كلي على عائدات النفط".
ويضيف الشهري في حديثه: "يبدو أن المملكة فشلت في تحويل اقتصادها لاقتصاد غير نفطي وهذا ما رصدته العديد من التقارير الاقتصادية الدولية، الأمر الذي ينذر بكارثة اقتصادية ستواجهها السعودية في حال انهارت أسعار النفط ما حدث في العام 2014، ما قد يؤدي لسقوط أقوى اقتصاد عربي".وعن عدم تأثر الاقتصاد السعودي بشكل كبير في 2014، يوضح المحلل الاقتصادي أن الاقتصاد السعودي كان قبل 2014 قوياً ولدى المملكة احتياطات نقدية ضخمة، إضافة إلى أنها كانت مستقرة سياسياً وأمنياً.
أما في الوقت الحالي، فإن الاحتياطي النقدي السعودي يُستنزَف بشكل مبالَغ فيه، والدَّين العام للمملكة يتصاعد بشكل متسارع، والإنفاق العام يتضخم، إضافة إلى أن الرياض أقحمت نفسها في حرب اليمن وباتت هدفاً لصواريخ الحوثيين، وهذا كله أضعف اقتصاد البلاد؛ ومن ثم فإنَّ تراجُع أسعار النفط سيُفقد اقتصادها دعامته الرئيسية، وفق الشهري.
ويشدد المختص الاقتصادي على ضرورة أن تتخلى السعودية عن إنفاقها العام الكبير، وتعزز اقتصادها غير النفطي، وتوقف عملياتها العسكرية الخارجية التي تستنزف احتياطها النقدي وتهدد الاستثمارات الأجنبية فيها.
ولا يستبعد "الشهري" أن تنخفض أسعار النفط، خاصة بعد قرار "أوبك"، في يونيو الماضي، زيادة الإنتاج النفطي، وفي ظل الظروف الدولية المتوترة والحرب الاقتصادية التي قد تشعلها قرارات الإدارة الأمريكية الاقتصادية والسياسية المتعلقة بفرض ضرائب على منتجات دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي وتركيا، وإقرار عقوبات على إيران.
ارسال التعليق