الاعلام العربي الداعشي.. ’الجزيرة والعربية’ نموذجا
قبل حوالى عشرة ايام، وتحديدا في التاسع عشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، اقدمت السلطات الامنية (الاسايش) في اقليم كردستان على طرد مراسل قناة الجزيرة القطرية ومحرر الشؤون العراقية فيها حامد حديد، بسبب تغطيته الاعلامية لمعارك تحرير الموصل بطريقة منحازة لتنظيم داعش، ومسيئة للجيش العراقي وقوات البيشمركة والحشد الشعبي.
وصرحت مصادر كردية مسؤولة في حينه "ان طرد مراسل قناة الجزيرة جاء على خلفية تغريداته الطائفية المضادة للقطعات العسكرية من البيشمركة والجيش العراقي، وان قرار الطرد لا يحمل أي خلفية سياسية، لأننا في إقليم كردستان نرحب بجميع الآراء حتى تلك التي لا تتوافق مع آرائنا إلا أننا لا نسمح بالإساءة الدينية أو المذهبية".
وفي يوم التاسع والعشرين من ذات الشهر، أي قبل ثلاثة ايام اصدرت قيادة العمليات المشتركة امرا بطرد مراسل قناة "العربية حدث" السعودية من ارض المعركة في الموصل، بسبب "تغطيته التي اضرت بالعمليات العسكرية بعد نشره لاكاذيب واخبار ملفقة عن الرطبة والموصل" بحسب ما جاء في توضيحات قيادة العمليات المشتركة.
الملفت في الامر ابتداء، هو انه لم يكن هناك أي رد فعل من قناتي الجزيرة والعربية على طرد مراسليهما من العراق، حتى بدا وكأن الامر لا يعنيهما من قريب ولا من بعيد!.
اغلب الظن ان من بأيديهم زمام الامور، ومن يقدمون النصح والمشورة، رأوا ان التزام الصمت والسكوت افضل من الرد والاعتراض.
وربما لجأوا الى استخدام القنوات الخاصة لايصال اعتراضاتهم والتعبير عن استيائهم لمن اصدر قرارات طرد مراسلي الجزيرة والعربية، ولا شك ان قنوات التواصل الخاصة متنوعة في ظل مشهد سياسي عراقي متشابك ومتداخل في الكثير من خيوطه وخطوطه.
وبصرف النظر عما يمكن ان يكون قد قيل عبر القنوات الخاصة، فإن طرد مراسلي الجزيرة والعربية حدث من العراق ينطوي على رسائل مهمة، موجهة الى الدول الراعية لتلك القنوات، وللجهات الممولة والادارات الموجهة لها.
اولى واهم تلك الرسائل، هي ان تلك القنوات وامثالها، سواء كانت عراقية ام عربية ام اجنبية، تمثل ادوات واجنحة للتنظيمات الارهابية، كتنظيم القاعدة، ومن بعده تنظيم داعش، الارهابيين، لترويج وتسويق افكارهما واطروحاتهما، ونشر وبث جرائهما، وان كان بطريقة "دس السم في العسل" في بعض الاحيان.
واستنادا الى دراسات وابحاث دقيقة وموثقة، ووجهات نظر واراء مختصين، كانت وما زالت قنوات فضائية واسعة الانتشار، في مقدمتها الجزيرة والعربية، تعد افضل منابر الترويج الاعلامي للجماعات الارهابية، واثارة الفتن المذهبية والطائفية في جسد الامتين العربية والاسلامية.
فمفردات خطابها الاعلامي، وطبيعة برامجها، وتوجهات كوادرها، وخلفيات ضيوفها، واسلوب تغطيتها وتناولها للاحداث، كلها تتحرك في اتجاه واحد، يتمثل في اذكاء الخلافات والصراعات والفتن، وابراز مواطن الضعف والوهن والاحباط، في مقابل اظهار قوة العدو، وان كان الاخير خلاف ذلك.
ويكفي تدليلا على ذلك، ان الاطراف المستهدفة من قبل تلك القنوات، هي الاطراف المعادية للولايات المتحدة الاميركية والكيان الصهيوني وعموم العالم الغربي اضافة الى الجماعات الارهابية.
وابرز اعداء هذه القنوات الجمهورية الاسلامية الايرانية، وحزب الله اللبناني، وحركات المقاومة الفلسطينية، وفصائل الحشد الشعبي في العراق، والحوثيون في اليمن، ونظام الحكم في سوريا، والحركات المطالبة بالحقوق المدنية في البحرين ودول اخرى.
ولا يحتاج المتابع لكثير من الجهد حتى يكتشف ان قنوات الاعلام العربي الداعشي، لا تتحدث عن الكيان الصهيوني وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني الا بنسبة لا تتجاوز الـ 10% من حملاتها المتواصلة ضد من يقف بوجه هذا الكيان او من يدور في فلكه بصورة مباشرة او غير مباشرة.
في اليمن تطلق قنوات الاعلام العربي الداعشي على الحوثيين -الذين يمثلون تطلعات وطموحات نسبة كبيرة من ابناء الشعب اليمني- مصطلح "المتمردين"، بينما تصف الجماعات الارهابية المسلحة في سوريا بـ "المعارضة المعتدلة"!.
وفي العراق تسمي الحشد الشعبي بـ"الميليشيات" وتضيف لها في اغلب الاحيان مفردة "الطائفية"، علما انه لو لم يكن قد وجد الحشد الشعبي لكان تنظيم داعش الارهابي قد استباح قصور حكام الدول التي تتبع لها الجزيرة والعربية.
وعلى امتداد عامين ونصف العام، لم تترك قناتا الجزيرة والعربية وسيلة واسلوبا الا استخدمته، لتشويه صورة الانتصارات التي تحققها قوات الجيش والحشد الشعبي والبيشمركه على عصابات داعش الاجرامية، وكان وما زال تركيزها الاكبر على الحشد الشعبي.
فقبل كل معركة تجند تلك القنوات كل امكانياتها وماكنتها لبث الفزع والرعب في النفوس من الحشد الشعبي اذا اشترك في المعركة، وهذا حصل قبل معارك بيجي وتكريت والرمادي والفلوجة والموصل.
واثناء المعارك التي يشارك فيها الحشد، لا تتوقف قنوات الاعلام العربي الداعشي عن اختلاق الاكاذيب والادعاءات وتهويل التجاوزات الصغيرة والفردية، لتصور ان عمليات التهجير والنزوح والسلب والنهب وتدمير البيوت والممتلكات العامة يقف وراءها "الحشد الطائفي الصفوي" المدعوم من ايران، دون ان تتحدث عن الانتصارات التي يحققها الحشد وعن طرده الدواعش من مدن ومناطق ذات اغلبية سنية –او هي سنية بالكامل- ويقدم تضحيات غير قليلة من شهداء وجرحى، لم يأتوا ليسرقوا ثلاجة منزلية او جهاز تلفاز او شيء من هذا القبيل.
واليوم لا تنفك عن اطلاق التحذيرات ليل نهار من مشاركة قوات الحشد الشعبي ودخولها الموصل، في حين تتجنب الخوض في مخاطر تواجد القوات التركية وانتهاكها سيادة العراق، وتتجنب الاشارة الى حزب العمال الكردستاني التركي (P.K.K)، الذي لم يعد متحصنا بجبال قنديل فقط، بل امتد وتوغل في سنجار ومناطق اخرى، وتتجنب تلك القنوات الخوض في الوجود العسكري الاميركي، والوجود الاستخباراتي الاسرائيلي في شمال العراق.
اساءات قنوات الاعلام العربي الداعشي لا تقتصر على الحشد، بل انها تشمل الجيش والبيشمركة، ولو لم يكن الامر كذلك لما اقدمت السلطات الامنية الكردية على طرد مراسل قناة الجزيرة، ولما اقدمت قيادة العمليات المشتركة لمعركة تحرير الموصل على طرد مراسل قناة العربية .
لا شك ان خطوات الطرد صحيحة ومهمة، بيد ان المطلوب اكثر وهو الاستمرار في فضح اساليب تلك القنوات وتعرية توجهاتها واجنداتها التخريبية الفتنوية، والتنبيه الى خطورتها، وهذا ما ينبغي لوسائل الاعلام المسؤولة والملتزمة، واصحاب الرأي، القيام به، لا على الصعيد العراقي-المحلي فحسب، وانما على مستوى الساحتين العربية والاسلامية ايضا.
ارسال التعليق