من الإعلام
الاعلاميون في الازمة الخليجية بين الاصطفاف والتبعية
عامر محسن-الاخبار
هناك صنفٌ من النخب العربية لم يعد للنقاش معه جدوى، فهو يملك قناعاً لكلّ موقفٍ محتمل، ينظّر يوماً للواقعية والبراغماتية، ويوماً آخر للحقد الطائفي، ويوماً ثالثاً للديمقراطية وحقوق الشعوب، فهذه كلها لا تمثّل قناعاتٍ أو منهجاً، بل مجرّد أدوات خطابيّة. ولكنّ هؤلاء، على ما يبدو، يحتاجون الى شرحٍ عن الفارق بين «الاصطفاف» و«التبعية». حين تهاجم، مثلاً، الحكم السعودي أو الاماراتي لأنّه تابعٌ لأميركا، ويتآمر ضدّ فلسطين، ويصدّر الخراب والرجعيّة، فهذا موقفٌ واصطفاف. ولكن أن تصمت على كلّ هذا فيما التآمر على فلسطين يجري، وسوريا والعراق واليمن تدمّر، والشعوب تشرّد، ثم تكتشف شرّ السّعوديّة وعمالتها حين تفتح الحرب مع قطر، فهذه تبعيّة، وليست خياراً مبدئياً ولا «واقعية».
بالمعنى نفسه، أن تسمّي مقاطعة قطر «حصاراً»، وتبدي التضامن مع القاطنين فيها فيما شعب اليمن يُحاصر منذ سنوات، ويجوّع وتعمّ فيه الأوبئة، فهذا نفاق (وقطر ليست في حصار، ولن تجوع، ولو اقترب هذا الاحتمال سنقف ضدّه جميعاً). ربّما أنّ حكّام الخليج يثمّنون حيوات العرب بشكلٍ مختلف، ويعتبرون أنّ حياة اليمني أو السوري أقلّ قيمةً من حياتهم، ولكن أن ينساق العربي في هذا المنطق، ويتوقّع من الفلسطيني أو من اليمني أن يتعاطف مع قطر لأنّ الخضار الطازجة قد تنقطع من السّوق عندهم، فهذا مخجل. في هكذا موقفٍ، تحديداً، يجب أن تذكّرهم باليمن وبما فعلت ايديهم، وبأنّ من أصيب بالكوليرا من ابناء اليمن وأطفاله ــــ بسببهم ــــ قد يفوق قريباً كامل عدد مواطني دولة قطر.
الإعلام القطري قد يغيّر لهجته، وقد نشهد مبادرات دبلوماسية في اتّجاهات مختلفة، ولكنّ من يتكلّم عن «عودة قطر الى محور المقاومة» يمزح بلا شكّ. قطر، أوّلاً، لم تكن هناك حتّى ترجع، وإن كان هناك من درسٍ استخلصناه من تاريخنا القريب فهو أنّ الأنظمة التابعة ــــ على اختلاف تلاوينها ــــ ستقف صفّاً واحداً ضدّك في اللحظة الحاسمة، وستستثمر كلّ اختراقات السنوات الماضية في هذا المسعى؛ وأنّ كل من «أتى الى المقاومة» بفضل المال القطري أو تحت إغرائه قد تبعه الى جبهاته حين جدّ الجدّ، من أرفع سياسي الى أصغر إعلامي.
خاتمة
يوجد تفاوضٌ بين قطر وأميركا على شراء 72 طائرة اف ــــ 15، بقيمة 21 مليار دولار؛ ابتدأ الكلام عنه في أواخر أيام باراك اوباما وقد عرض دونالد ترامب على الدّوحة، مؤخّراً، تحويله الى عقدٍ مبرم. تشبه هذه القصّة الصفقات السعودية، بمعنى أنّ السعر مبالغٌ به بشكلٍ كبير (حين يُقارن بصفقات عالمية أو بالثمن الذي تباع به هذه الطائرات لسلاح الجو الأميركي)، ولا أحد يفهم كيف ستتمكّن دولة بحجم قطر من استيعاب كلّ هذه المعدّات واستخدامها، أو حتّى الهدف من اقتنائها (بلدٌ مثل العراق، أكبر بكثير من قطر، يحتاج الى سنوات طويلة لتدريب وتنشئة كوادر تقدر على استيعاب ثلاثة أسرابٍ حديثة).
عدد الطائرات في هذه الصفقة يفوق أضعافاً عدد الطائرات المقاتلة التي تعمل حالياً في سلاح الجوّ القطري، وهي ربّما كانت ما أشار اليه دونالد ترامب خلال قمّة الرياض، حين تكلّم عن أنه سيبيع قطر «الكثير من الألعاب اللامعة». شركة «بوينغ» تقول إن الصفقة ضرورية لاستمرار خطّ انتاجها في ساينت لويس، بعد أن توقّف الجيش الأميركي عن شراء المقاتلة وانصرف الى نماذج أكثر حداثة. بمعنى آخر، بعد كلّ الكلام عن الحصار والمقاطعة وتغيير النّظام في الدّوحة، والتراشق واستعراض الأحقاد الاقليمية، والتنظيرات عن ضرورة الإصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك، فإنّ مفتاح الأزمة قد يكون في صفقةٍ بعشرين مليار دولار، و15 ألف وظيفة في ولاية ميسوري.
ارسال التعليق