’التحديث’ في السعودية برؤية صينية: قلق من الاندفاع والعدوانية
تشهد المملكة العربية السعودية حملة "إصلاحات" واسعة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يقودها ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان.
وتترجم هذه الحملة بمبادرات سياسية وعسكرية واسعة في الداخل والخارج، ومشاريع اقتصادية ضخمة برؤى مستقبلية طموحة، وقرارات اجتماعية "ثورية" لم تعتَد السعودية عليها من قبل.
هذه التغييرات والتحركات تثير اهتمام العالم ككل، نظراً لانعكاساتها على الوضع في بلد له تأثيره في المنطقة، ويملك إمكانات اقتصادية كبيرة، ويلعب دوراً بارزاً على صعيد التحكم بالطاقة في العالم، من خلال امتلاكه احتياطياً كبيراً جداً من البترول، وأيضاً من خلال كونه المنتج والمصدّر الأول لـ "الذهب الأسود" على مستوى الكرة الأرضية.
وفي الصين، هناك من يراقب ما يحصل في هذا البلد العربي باهتمام كبير، لأن السعودية تملك علاقات اقتصادية هامة جداً معها، وهذه العلاقات مرشحة للتطور أكثر فأكثر، ولذلك، فإن أي تغيير يحصل في هذه الدولة له انعكاسه على مستقبل هذه العلاقات.
في الإجمال ترى النخبة الصينية في ما يحصل في السعودية عملية تحديث لا بدّ منها في بلد محافظ، تحكمه آليات اجتماعية وسلطوية جامدة. إلا أن المحللين الصينيين يعبّرون عن تفاجئهم من السرعة التي تجري فيها الأمور في هذا البلد، مقارنة مع الركود الذي كان سائداً فيه على مدى العقود الماضية.
وانطلاقاً من هذه السرعة في التغيير، يرى المحللون الصينيون أن السعودية تُقحم نفسها في مخاطر كبيرة، وتطيح ـ بعدوانيتها الدبلوماسية الخارجية، وبتحطيمها لكل آليات انتقال السلطة في الداخل ـ بالصورة المعروفة عنها، ما يجعل مستقبل هذه الدولة محاطاً بالغموض.
على الصعيد الداخلي أدت عملية اعتقال كبار الأمراء والوزراء إلى إثارة الأسئلة حول الهدف من ورائها.
يقول الخبير الصيني في شؤون الشرق الأوسط "لي شاو شيان" لإذاعة "صوت الصين": "إن عاصفة مكافحة الفساد هبّت على المملكة العربية السعودية فجأة بشكل غير متوقع إلى حد ما". ويضيف: "الآلاف من الأمراء السعوديين داخل العائلة الحاكمة مصالحهم التجارية الخاصة والسلطة لا تنفصلان. وعليه يمكن أن نرى أن الاعلان عن مكافحة الفساد الآن، وتوقيف شخصيات على هذا المستوى الرفيع شمل عدداً من الأمراء مفاجئ جداً. وقد لقي الدور الذي يلعبه ولي عهد المملكة العربية السعودية على الساحة السياسية خلال السنتين الأخيرتين، ترحيباً من قبل العديد من شباب المملكة، ولكن هناك انتقادات كثيرة داخل العائلة المالكة.
وإن مكافحة الفساد على هذا المستوى الرفيع وبهذه الوتيرة السريعة الآن قد يُلقي على المملكة العربية السعودية ببعض العوامل المقلقة."
من جانبه، يرى الكاتب تيان وَنلين في صحيفة غلوبال تايمز "أن الإصلاحات الجذرية وضعت السعودية في خطر هائل. التغيير في طريقة انتقال السلطة من حاكم إلى آخر يمكن أن يسبّب صراعاً داخلياً، وهو أمر غير مقبول للاتجاهات الملكية السعودية الأخرى".
هذا الرفض لسياسة الأمير محمد بن سلمان داخل الأسرة الملكية يشرحه ليو تشونغ مين، مدير أكاديمية دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الأجنبية، في مقال نشرته صحيفة الشعب الصينية، إذ يقول إن "إسقاط القوى السياسية الأخرى في عملية تبديل ولي العهد ومكافحة الفساد، ليس فقط مظهراً من مظاهر عدم الاستقرار في السلطة، وإنما أيضاً يفاقم الصراع على السلطة الملكية".
هذا على الصعيد الداخلي، أما بالنسبة لعلاقات السعودية الخارجية، فإن الانتقادات من المحللين الصينيين تتكاثر، ما يوحي بأن هناك حملة شبه منظمة على "التوتر" الذي يحكم السياسة الخارجية السعودية، وهذا ما يقوله ليو تشونغ مين في مقاله، حيث يعتبر أنه "في السنوات الأخيرة، تواجه المملكة العربية السعودية موقفاً محرجا ويتزايد أعداؤها. ومنذ أن أصبح محمد بن سلمان وليّاً للعهد، باتت المملكة العربية السعودية أكثر عدوانية في الدبلوماسية الإقليمية". ويضيف: "إن هذه السياسات العدوانية لا تجعل المملكة العربية السعودية تواجه مأزق استثمار مبالغ هائلة من المال في صالحها فحسب، وإنما سيزيد من تعزيز اعتمادها على الولايات المتحدة، كما ستستمر الأخيرة في التحريض على المواجهة بين السعودية وإيران بشكل دائم لتحقيق مصالحها الخاصة". وخلاصة القول ـ حسب ليو تشونغ مين ـ إنه "من الواضح أن البيئة الإقليمية المتدهورة الناجمة عن الدبلوماسية السعودية لا تُفضي إلى التركيز على الإصلاح".
"تواجه السعودية الآن الكثير من التحديات، منها تراجع تأثيرها في الشرق الأوسط، مثل عاصفة قطر التي لم تتوقف بعد. بالإضافة الى ذلك، عدم الحصول على نتائج مُرضية من الحرب اليمنية حتى الآن، وفي الوقت نفسه، عدم القدرة على التدخل في القضية السورية وقضية كردستان العراق".. وفي ظل هذه التحديات ـ كما يراها المحلل العسكري الصيني سونغ شياو جون في مقال نشرته صحيفة الشعب الصينية ـ "يسعى ولي العهد للسير على طريق الإصلاح التحديثي المتشدد، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية للمملكة".
يدعو تيان وَن لين في غلوبال تايمز السعودية إلى "دراسة المشاكل الناجمة عن الدبلوماسية المتهورة". ويضيف: "بعد الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط في عام 2011، أصبحت السعودية دولة قيادية في العالم العربي وحوّلت دبلوماسيتها من الحذر إلى العدوانية.. السعودية بحاجة إلى تحسين دبلوماسيتها". فهل تعمل السعودية بهذه النصيحة، أم أنها تكمل المسار الذي اتخذته في السنوات الماضية والذي أدى إلى "فشل دبلوماسي" كما يصفه تيان وَن لين، ويوافقه في ذلك الكثير من المحللين الصينيين الآخرين؟
ارسال التعليق