الترويج للتطبيع.. هل يرتدي ابن سلمان عباءة السادات؟
زهير حمداني لا يمثل الكاتب السعودي دحام العنزي صوتا نشازا في الترويج للتطبيع في المملكة، فهذا المد بدأ يتصاعد مدفوعا بتوجه شبه رسمي ووفق خطة إعلامية تميّع طبيعة الصراع، وتروج لولي العهد محمد بن سلمان باعتباره "رجل السلام". وقال الكاتب السعودي دحّام العنزي في مقال بعنوان "نعم لسفارة إسرائيلية في الرياض وعلاقات ضمن المبادرة السعودية "بصحيفة الخليج الإلكترونية السعودية، إن ولي العهد محمد بن سلمان لن يتردّد لحظة واحدة في إلقاء كلمة بـالكنيست الإسرائيلي إذا وُجّهت له دعوة لذلك، داعيا إلى تبادل السفارات بين الرياض وتل أبيب. وقال العنزي "نحن وإسرائيل في خندق واحد"، معتبرا أن "صانع سلام" مثل ابن سلمان لن يتردد لحظة واحدة في قبول دعوة من رئيس الوزراء الإسرائيلي إذا اقتنع بأن هناك رغبة إسرائيلية حقيقية ورأى شريكا حقيقيا على حد تعبيره. تسخيف الصراعويأتي كلام العنزي في سياق الحديث المتواتر إعلاميا في السعودية عن العلاقات مع إسرائيل ومقاربتها إيجابيا من باب أن "المصلحة" تقتضي أن تصبح تل أبيب حليفا في مواجهة الخطر الإيراني.
وعلى عكس المقاربة التاريخية للصراع العربي الصهيوني والقومية والدينية يعتبر العنزي -وعدد من المثقفين السعوديين الذين أدلوا بدلوهم في الموضوع- أن الصراع مع إسرائيل هو صراع حدود، بينما "صراع الوجود مع إيران والعثمانيين"، حيث أدرجوا تركيا ضمن محور الأعداء وفق تصوراتهم.
ومنذ صعود نجم ولي العهد محمد بن سلمان -في يونيو/حزيران 2017- بدأ الحديث المباشر والعلني عن التطبيع، ونحا بعض المثقفين المحسوبين على السلطة إلى تفكيك المقاربات السابقة للتطبيع، وإحالة أسباب الصراع العربي الإسرائيلي إلى "العقدة النفسية"، وهي المقاربة نفسها التي اعتمدها الرئيس الراحل أنور السادات في زيارة القدس في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1977، ثم توقيع اتفاقية كامب ديفد في سبتمبر/أيلول 1978.
وإضافة إلى مدير الاستخبارات السابق تركي الفيصل، وأنور عشقي الكاتب والضابط السابق والمحلل الإستراتيجي، فقد انبرت أقلام سعودية عديدة للتنظير لللعلاقات "الإيجابية" مع إسرائيل، وزادت جرعة الترويج للتطبيع ومساحته الإعلامية متزامنة مع تقارير إسرائيلية وغربية عن خطوات رسمية في شكل زيارات واجتماعات ومشاريع مشتركة، وتدور كلها حول شخص ولي العهد محمد بن سلمان.
واشتهر عشقي -الذي عقد لقاءات عدة مع إسرائيليين بعضها في تل أبيب- بتصريحاته التي تتقرب من إسرائيل، إذ يقول "تل أبيب لم تقصفنا أو تشتمنا لماذا عداؤنا لها"، مؤكدا أن "عداء المملكة لإسرائيل هو فقط تضامني مع الفلسطينيين لا أكثر ولا أقل" وفق تعبيره.
وفي السياق نفسه يمضي الكاتب والمحلل السياسي تركي الحمد، إذ يرى أن بلاده لن تدعم "قضية أهلها تخلوا عنها وباعوها"، في إشارة إلى الفلسطينيين، مؤكدا أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب الأولى، وأضحت "شرعية مزيفة".
واشتهرت تدوينات وتغريدات لإعلاميين كتاب من أمثال أحمد الفراج، ومحمد آل شيخ، وعبد الرحمن الراشد الذي دعا لإعادة النظر في مفهوم علاقات المملكة مع فلسطين وإسرائيل".
من جانبها رأت الكاتبة والناشطة سعاد الشمري في تغريدة لها أنه "آن الأوان لتجريب التعايش والسلام مع إسرائيل"، وقال الكاتب أحمد بن سعيد القرني في تغريدة إن "اليهود يكنون لنا الاحترام ولم يعتدوا علينا.. أدعو الملك إلى فتح سفارة وتمثيل دبلوماسي عال..".
ويتساءل الكاتب مساعد العصيمي في مقال له بصحيفة الرياض "هل هناك عدو أشد من إيران علينا وعلى بلادنا؟ وهل إسرائيل كما إيران في التهديد والتأثير والإقلاق وبث الحقد والكراهية؟".
ومنذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد أصبح التطبيع يستند على خطط سياسية وإعلامية مدروسة، ويقوم أساسا على تهيئة الرأي العام السعودي لتوجه علني مقبل نحو علاقات رسمية مع إسرائيل، واعتماد خطط إعلامية متدرجة وممنهجة لإحلال مفهوم التطبيع، ونزع صفة الممنوع عنه ليصبح متداولا وعاديا.
وفي هذا السياق يجري دفع عدد من المشاهير من الإعلاميين وغيرهم، للإدلاء بموقفهم الداعم للتطبيع على وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحف والفضائيات واعتباره أمرا طبيعيا، ومحاولة إقناع بعض العلماء والمشايخ و عدد من الدعاة المشهورين للتحدث بإيجابية عن إسرائيل والتطبيع معها، وتأسيس الجيوش الإلكترونية لدعم الموضوع والرد على الرافضين.
ويجري التركيز إعلاميا على تأثيم كل من تصدى لإسرائيل كالأنظمة القومية العربية و"اليسار الغوغائي" وحركات المقاومة الإسلامية والتركيز على أن العدو الحقيقي هو إيران وعلى فكرة أن "الفلسطينيين أنفسهم طبعوا فلماذا نمتنع نحن" وأن "لا فائدة من المعارك والنزاعات"."يسعى ابن سلمان والموالون له لإخراج السعودية من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي مقابل بناء تحالف إستراتيجي مع إسرائيل لمحاربة إيران،"ويؤكد المغرد الشهير مجتهد أن "ابن سلمان يوجه بتنفيذ حملة إعلامية وتويترية لتهيئة الرأي العام لعلاقات معلنة مع إسرائيل ومكافأة للإعلامي والمغرد الذي يبدع في هذه الحملة"، وفي المقابل يتعرض الناشطون المعارضون للتطبيع لحملة تجريم واعتقالات واسعة ومن أبرزهم مؤخرا الناشطة نهى البلوي.
وفي إطار "تحطيم الحاجز النفسي"، لم يعد مستغربا رؤية الوفود الإعلامية والرياضية -خاصة الإماراتية والبحرينية في القدس وتل أبيب- أو صور الناشط والصحفي الصهيوني "بن تسيون" داخل الحرم النبوي في المدينة المنورة.
وترى المعارضة الدكتورة مضاوي الرشيد أن الرياض تعمل على تهيئة الشعب لقبول مبدأ التطبيع والتعاون مع إسرائيل، منتقدة بشدة ما سمته "التطبيع المفضوح".
ويرى محللون أن الحملة الإعلامية الممنهجة المروجة للتطبيع في السعودية والمشفوعة بخطوات مماثلة في كل من الإمارات والبحرين تشبه ما حصل في مصر بعد حرب 1973، حيث انبرى إعلاميون إلى الترويج للسلام مع إسرائيل والتقارب مع واشنطن باعتبار أن 99% من أوراق الحل بيدها.
وفي قراءة تاريخية لتلك الحقبة والدور السعودي فيها، تشير الوثائق إلى أن كمال أدهم مدير المخابرات السعودية الراحل آنذاك كان من أهم من دفعوا الرئيس الراحل أنور السادات بالتوجه نحو السلام مع إسرائيل، ووضع كل "بيضه" بالسلة الأميركية.ورغم اختلاف بعض الظروف، يشبه بعض المحللين السعوديين دعوات بعض الإعلاميين والكتاب لولي العهد السعودي إلى زيارة إسرائيل بتلك التي حصلت مع الرئيس المصري الراحل، حيث زار فجأة للقدس في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1977.
مشروع ابن سلمانتشير صحيفة "ديلي تلغراف" (نوفمبر/تشرين الثاني 2017) -نقلا عن يعقوب ناغيل مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- إلى أن السعودية ترغب بشدة في إقامة علاقات مع إسرائيل والتعاون معها ضد إيران، المهم أن يكون ذلك ضمن اتفاقية كغطاء للمرحلة المقبل، ولا يهم أن تكون ضد مصلحة الفلسطينيين، وفق تعبيره.
من جهتها، تؤكد صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن السعودية أوصلت لإدارة ترامب قبيل زيارته للمملكة في مايو/أيار 2017 استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع إسرائيل من دون الشروط التي وضعت في المبادرة السعودية (العربية) عام 2002.
وعمليا، أفرزت الزيارة ما سمي بـ"صفقة القرن" التي أعـدت برعاية صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والمبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، وتقوم على إقامة سلام بين الفلسطينيين و"إسرائيل" في مرحلة أولى ولاحقا بين "تل أبيب" والدول العربية.
ووفقا للوقائع، يسعى ابن سلمان والموالون له لإخراج السعودية من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي مقابل بناء تحالف إستراتيجي مع إسرائيل لمحاربة إيران، وأكد ابن سلمان نفسه لصحيفة أتلانتيك الأميركية في أبريل/نيسان الماضي أن "من حق الإسرائيليين العيش بأمان على أرضهم"، مشددا على أن إسرائيل ليست العدو، بل إيران.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن مشروع "نيوم" الضخم بين مصر والأردن والسعودية وضمنيا إسرائيل، يعبر في النهاية عن رؤية إستراتيجية تقوم على ضرورة التطبيع مع إسرائيل، و"استثمار العقل والتكنولوجيا الإسرائيلية".
ويؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن علاقة تل أبيب مع السعودية جيدة، وأنها تتطور بشكل مطرد. وفتحت السعودية مؤخرا مجالها الجوي للطيران الهندي المتجه نحو إسرائيل، كما شهدت الفترة الأخيرة، تقاربا اقتصاديا غير رسمي بين الرياض وتل أبيب، حيث زار رجال أعمال ومسؤولون سعوديون إسرائيل.
كما كشفت الصحافة الإسرائيلية عن وجود تنسيق أمني استخباراتي عال بين الرياض وتل أبيب، سواء فيما يتعلق بالملف الإيراني أو الأحداث والاعتقالات التي شهدتها المملكة في الأشهر الماضية.
وكانت وكالة الصحافة الفرنسية قد كشفت نقلا عن مسؤول إسرائيلي رفيع أن ولي العهد محمد بن سلمان زار إسرائيل سرا في سبتمبر/أيلول الماضي، والتقى مسؤولين إسرائيليين.
وفي ضوء الترويج المتسارع للتطبيع مع إسرائيل في السعودية -الذي ينتظر تبييضه بتمرير صفقة القرن- لا يستبعد محللون ومعارضون سعوديون الانتقال من السرية إلى العلنية قريبا إن تأخرت صفقة القرن.
ارسال التعليق