التعاون العربي الإسرائيلي.. من دبلوماسية سرية إلى اتفاقيات دفاعية علنية
يتجه التطبيع العربي الإسرائيلي تدريجيًّا نحو العمق؛ ليشمل كافة المجالات، فبعد أن خرجت العلاقات الإسرائيلية العربية للعلن، وباتت الاجتماعات والمفاوضات تتم جهارًا أمام كاميرات وسائل الإعلام، أصبح الحديث عن التطبيع السياسي والاقتصادي قديمًا وغير مفاجئ بالنسبة للمراقبين لوتيرة العلاقات الإسرائيلية العربية، وخاصة الخليجية، ليدخل التطبيع العسكري والدفاعي إلى القائمة.
نقلت صحيفة “ميدل إيست مونيتور” عن وزير الاتصالات الإسرائيلي وعضو الكنيست في حزب الليكود، أيوب قرا، أن إسرائيل ستحضر مؤتمرًا إقليميًّا مع السعودية والأردن ومصر، ويمكن أن ينتهي الأمر بتوقيع اتفاق دفاع مشترك.
الأنباء عن توقيع اتفاق دفاع مشترك عربي إسرائيلي تتناسق تمامًا مع تصريحات وتسريبات تواترت مؤخرًا، بعد زيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” للسعودية، عن وجود مناقشات لإيجاد تحالف إقليمي أشبه بحلف “الناتو”، تقوده أمريكا بمشاركة عربية ودعم إسرائيلي، لمواجهة أعداء مشتركين، منهم إيران وتنظيم داعش، وهو ما أكدته تصريحات إسرائيلية فيما بعد، صدرت عن مسؤولين إسرائيليين، من بينهم الوزير الليكودي، يسرائيل كاتس، الذي قال “يجب إقامة محور بين إسرائيل والدول المعتدلة في المنطقة للتصدي لمطامع طهران”، فيما كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية مؤخرًا عن تفاصيل عقد قمة رباعية سرية العام الماضي بمدينة العقبة الأردنية لبحث السلام، بمشاركة نتنياهو، والرئيس عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، ووزير الخارجية الأمريكي آنذاك، جون كيري، منها طلب إسرائيلي التقارب مع الخليج.
جاءت تصريحات وزير الاتصالات الإسرائيلي في الوقت الذي كشف فيه موقع “ويكيليكس” مراسلات للخارجية السعودية ممهورة بعبارة “سري للغاية”، تكشف حقائق جديدة عن تطبيع المملكة مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث كشفت الوثائق المسربة مراحل التقارب بين السعودية وإسرائيل، إذ بدأت بإلحاح سعودي على طرح مسألة التطبيع مع إسرائيل ومبادرة السلام السعودية عام 2002، التي تبنتها جامعة الدول العربية في قمة بيروت في العام نفسه، وأضاف الموقع أن شخصيات سعودية نافذة بدأت عام 2006 بالحديث علانية عن أن إسرائيل لم تعد ضمن قائمة الأعداء، بل هي أقرب لحليف غير رسمي، ليتطور الأمر إلى مبادرات سعودية للتقارب مع الاحتلال عام 2008، وفعاليات التقارب مستمرة منذ ذلك التاريخ.
تأتي هذه الأنباء في إطار التقارب الكبير بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، وعلى رأسها الخليجية، أمثال السعودية والبحرين والإمارات، حيث قطعت تلك الدول أشواطًا كبيرة في تطبيع العلاقات مع الاحتلال في العديد من المجالات، وعلى رأسها السياسية والدبلوماسية، حيث أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” في مايو الماضي أن الرياض أبلغت إدارة “دونالد ترامب” قبل زيارته الأخيرة إلى المملكة، رغبتها في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وقال ترامب بعد زيارته للسعودية إنه تم اتخاذ خطوات هامة فى عملية السلام فى الشرق الأوسط، وإن مفاجأة كبيرة ستكشف قريبًا.
في ذات الإطار ذكرت صحيفة التايمز البريطانية في وقت سابق أن إسرائيل والسعودية تناقشان كيفية تطبيع العلاقات التجارية، وأن الرياض قد تفتح مكتبًا لها في تل أبيب، الأمر الذي رأى فيه العديد من المراقبين تمهيدًا سياسيًّا من قبل الإدارة الأمريكية والقيادة السعودية لإعداد الشعب العربي والسعودي على وجه التحديد لأي اتفاق محتمل مع إسرائيل، سواء عسكري أو اقتصادي، خاصة بعد تزايد الأنباء عن قرب تولي “بن سلمان” عرش المملكة، واتجاهه إلى التطبيع السريع والعميق مع الاحتلال.
ظهر التقارب الخليجي- الإسرائيلي مؤخرًا أيضًا، بعد أن تخندق الاحتلال مع الدول المقاطعة لقطر، السعودية والإمارات ومصر والبحرين، واختار إغلاق مكتب قناة الجزيرة القطرية، التي كانت تستضيف وتحتضن رؤية أبرز قادة الاحتلال الصهيوني، حيث أعلن الاحتلال سحب تصاريح مزاولة الصحافة لكافة مراسليها وطاقمها، وقال وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرا، إن القرار جاء استنادًا إلى قيام دول عربية سنية بإغلاق مكاتب الجزيرة لديها وحظر عملها، وأكد “قرا” أن إسرائيل تؤيد هذه الدول التي تحارب الجزيرة، وزعم “نرى أنفسنا مع العالم العربي والإسلامي العاقل الذي يريد التعايش والسلام”، وأضاف أن هذه الدول رأت أن الجزيرة هي وسيلة لحماس وداعش وحزب الله وإيران، ونحن الوحيدون الذين بقينا دون إقرار ذلك، فهذا أمر سخيف حقًّا، ونحن بذلك نصبح شركاء لإيران التي تشكل تهديدًا وجوديًّا علينا.
التنسيق العسكري والأمني مع الدول العربية المحيطة بإسرائيل، وخاصة الأردن ومصر، بات حاجة مُلحة بالنسبة للكيان الصهيوني الذي يرى نفسه مهددًا من قبل حزب الله في جنوب سوريا ولبنان، وحركة حماس في قطاع غزة على الحدود مع مصر، وهو ما ظهر في قول ممثلين عن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي العامل ضمن قوام مكتب نتنياهو، وممثلين عن الجيش الاسرائيلي، خلال نقاش خاص أجرته اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية التابعة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، حيث أكدوا أن استمرار العلاقات الأمنية السوية والصحيحة مع مصر أهم بكثير بالنسبة لـ”نتنياهو” من إعادة طاقم السفارة الإسرائيلية إلى القاهرة، التي باتت خالية منذ عام 2016.
ومن جانب الأردن أكدت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن وجود تعاون استخباري وأمني وثيق بين إسرائيل والأردن في جنوب سوريا؛ للتصدي للنفوذ الإيراني المتمدد في تلك الرقعة من الأرض، ويؤكد التقرير أن التعاون بين الأردن وإسرائيل يعود إلى عام 1970، حيث حرصت السياسة الإسرائيلية دومًا على استقرار المملكة الأردنية، وشمل التعاون العسكري بينهما شحن مروحيات كوبرا إلى الأردن في عام 2015.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق