الثورة البحرينية والمخاوف الجيوسياسية السعودية
في البداية ينبغي الإشارة إلى أن دراسة بعض الظواهر السياسية تتطلب معرفة الجهات الفاعلة التي تقف وراء هذه الظواهر والعوامل المؤثرة التي أوجدتها دون فرضيات مسبقة، في حين تفتقد ظواهر أخرى إلى مثل هذه العوامل التي تعبر عن الاستقلالية والأصالة في صناعتها، ولهذا يجب فهمها باعتبارها قضايا فرعية في نطاق أوسع.
والحكومة البحرينية نموذج لهذه الحقيقة، إذ أنها تتحرك بفعل عوامل وإملاءات خارجية ولا تمتلك الاستقلالية في اتخاذ القرارات التي تهم البلد سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
وعلى الرغم من أن البعض يعتقد بأن تصرفات الحكومة البحرينية تنبع من تبعيتها للهيمنة البريطانية، إلاّ أن التحليل الدقيق يقودنا إلى الاعتقاد بأن هذه التصرفات تقع ضمن المنظومة السعودية سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي.
ولفهم هذا الأمر بشكل أدق ينبغي قبل كل شيء معرفة مدى أهمية البحرين بالنسبة للسعودية.
فالبحرين هي عبارة عن جزيرة صغيرة جداً في الخليج ولا تتجاوز مساحتها الـ 700 كيلو متر مربع لكنها تتمتع بأهمية جيوسياسية. ولهذا كانت على الدوام تحظى باهتمام القوى الكبرى الإقليمية وغير الإقليمية.
وبعد انفصال البحرين عن إيران عام 1971، كانت السعودية في طليعة الدول التي أقامت علاقات مع هذه الإمارة بسبب أهميتها الاستراتيجية. ولذلك سعت الرياض منذ البداية إلى ربط البحرين بها وأرغمتها على الرجوع لها في كل صغيرة وكبيرة. كما قام القادة السعوديون بتزويج ملك البحرين الحالي “حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة” من بنت الملك السعودي السابق “عبد الله بن عبد العزيز” لخلق روابط أسرية بين الدولتين.
وفي الواقع كانت السعودية على الدوام تعتبر أمن البحرين جزءاً من أمنها الإقليمي، وتعتقد كذلك بأن أي تغيير يحصل في هذا البلد سيؤثر على أمنها الداخلي وهيكليتها الملكية، ولهذا سعت الرياض بكل ما لديها من قوة لدعم آل خليفة مهما كانت التكاليف.
وقبل عدة سنوات طرحت السعودية موضوع إنشاء اتحاد بين دول مجلس التعاون وذلك بهدف ضم البحرين إليها وضمان استمرار حكم آل خليفة في هذا البلد.
ومن الأسباب الجوهرية التي جعلت الرياض تولي اهتماماً خاصاً بالمنامة هو وجود السكان الشيعة في المنطقة الشرقية من السعودية القريبة من البحرين بالإضافة إلى أن هذه المنطقة تضم احتياطيات هائلة من النفط. ولهذا تمثل البحرين بالنسبة للسعودية كل المنطقة الشرقية وكل ما يحدث فيها سوف يؤثر على هذه المنطقة من البلاد خصوصاً ما يتعلق بمصادر الطاقة والموارد الصناعية. وبسبب الانتشار القبلي في شبه الجزيرة العربية تعيش أغلب القبائل البحرينية في المنطقة الشرقية من السعودية. ولهذا تبدي الرياض حساسية مفرطة تجاه كل ما يحصل في البحرين. وقد تجلى هذا الأمر بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة من خلال التدخل المباشر والمتعدد الجوانب للسعودية في الشؤون الداخلية البحرينية والذي وصل إلى حد إرسال قوات عسكرية لقمع الثورة الشعبية المناهضة لحكم آل خليفة والتي تطالب بالديمقراطية والإصلاح السياسي.
وفي مقابل ذلك وبدلاً من التصرف باستقلالية ومن منطلق حفظ الهوية الوطنية وتلبية المطالب المشروعة والقانونية للشعب البحريني سمحت سلطات المنامة للقوات العسكرية السعودية بقمع الثورة السلمية لهذا الشعب، وقد ساهم هذا الأمر في رفع مستوى الغضب الجماهيري تجاه حكم آل خليفة والتدابير القمعية التي يمارسها بحق الشعب البحريني ومحاولاته لتغليب الجانب الطائفي وإثارة النعرات المذهبية بين أبناء البلد الواحد.
وتتمسك المعارضة البحرينية بوصف القوات السعودية على أنها قوات احتلال رغم محاولات نظام آل خليفة التستر على حقيقة هذه القوات طيلة السنوات الماضية تحت ذريعة حماية المنشآت البحرينية.
ويؤكد المراقبون بأنّه لا توجد في البحرين منشآت خاصة ولا عامة معرضة للخطر تحتاج إلى حماية من قبل هذه القوات خصوصاً وأن الثورة البحرينية لم يُستخدم فيها السلاح، مشددين في الوقت نفسه على أن التدخل العسكري السعودي في البحرين يعتبر احتلالاً من وجهة نظر القانون الدولي ويتناقض حتى مع المبادئ التي نصّ عليها اتفاق مجلس التعاون الذي أجاز لقوات ما يسمى “درع الجزيرة” بالتدخل فقط في حالة تعرض أيّ من دول المجلس لعدوان خارجي، وما يحدث في البحرين ليس عدواناً خارجياً؛ بل ثورة شعبية سلمية بكل معنى الكلمة.
وفي أكثر من مناسبة أبدت المعارضة البحرينية إمتعاضها الشديد من التبعية المطلقة لآل خليفة وارتمائهم بأحضان السعودية وما يمثله ذلك من إنتهاك واضح للهوية والسيادة الوطنية البحرينية. وبالتالي فإن الدعوات التي ينادي بها الشعب البحريني لنيل الحرية والاستقلال هي مطالب حقّة ومنطقية ولكن الحكومة البحرينية ترفض الاستجابة لهذه المطالب لحد الآن.
وبشكل عام يمكن القول بأن تبعية سلطات المنامة للنظام السعودي انعكست بشكل واضح على طريقة تعامل حكام آل خليفة مع ثورة الشعب البحريني، حيث أدت الضغوط التي مارستها السعودية إلى عدم تحقق المطالب المشروعة لهذا الشعب. وبمعنى آخر أضحت هذه المطالب القانونية ضحية للرغبات والمخاوف الجيوسياسية السعودية.
ارسال التعليق