الحريري في الرياض.. البراجماتية تحكم العلاقات
زار رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، العاصمة السعودية الرياض، حيث استقبله الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، وكان برفقة الحريري، وزير الداخلية والبلديات، نهاد المشنوق، حيث تعتبر الزيارة الأولى للمملكة بعد أزمة استقالة الحريري المفاجئة، والتي أعلن عنها من الرياض منذ أربعة أشهر، قبل التراجع عنها لاحقًا فور عودته إلى لبنان، وتجديد حكومته الائتلافية التي تضم حزب الله التأكيد على سياسة الدولة المتمثلة في النأي بالنفس عن الصراعات بالعالم العربي.
وبين زيارة الحريري للسعودية، واحتجازه فيها نوفمبر الماضي، تظهر فوارق نوعية ليس على مستوى العلاقة بين الحريري والسعودية فحسب، بل على مستوى العلاقات السعودية اللبنانية أيضًا، وحدث ذلك بعد تسليم الملف اللبناني في السعودية للمستشار الملكي، نزار العلولا، الأمر الذي قد يؤشر إلى عودة سعودية إلى المشهد اللبناني.
العودة السعودية قد لا تبتعد كثيرًا عن أجواء الانتخابات النيابية في لبنان، فيما يبدو أن الرياض تحاول أن تبحث في بيروت عن رد اعتبار لدورها وتعزيز جبهة حلفائها القدامى، فالهدف الأول لجولة المستشار السعودي في لبنان دعوة الحريري إلى السعودية، ومن ثم مقابلة حلفاء السعودية من الأحزاب اللبنانية، والذين قد ترغب السعودية في إعادة تموضعهم كطرف ضد حزب الله في الانتخابات النيابية المقبلة وما بعدها.
وفي سياق متصل، كشف مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الرياض أنور عشقي، المقرب من دائرة القرار في النظام السعودي، أن ملف الانتخابات البرلمانية اللبنانية واستقرار لبنان على رأس الملفات الّتي ناقشها الحريري مع الملك السعودي. وأشار ضابط الاستخبارات المتقاعد إلى حرص السعودية على ألا يكون لحزب الله النصيب الأكبر في الانتخابات النيابية.
زيارة الحريري للرياض قد تطوي صفحة التوتر بين الحريري والسعودية، بعد أزمة استقالته الملتبسة من الرياض، خاصة أن الاستقالة ليست وحدها مبعث التوتر بين الرياض والحريري، حيث ذكرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أن “أقارب سعد الحريري رفضوا عرضًا سعوديًّا بعد دعوتهم إلى الرياض لمناقشة مقترحهم بترؤس بهاء الحريري بدلاً من شقيقه سعد الحكومة اللبنانية”.
زيارة الحريري للسعودية قد تزيل هذا المقترح في الوقت الرهان على الأقل، فيبدو أن السعودية قبلت على مضض حقيقة أن الحريري هو الزعيم السني الأول في لبنان على الأقل في هذه الفترة، فليس هناك شخصية جاهزة تستطيع السعودية تلميعها في ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، القبول السعودي للحريري على مضض يأتي لتراجع الحريري عن استقالته، وهو الأمر الذي أفشل المخطط السعودي في لبنان، والذي كان يرمي لإحداث فتنة سياسية لا تراعي مبدأ المحاصصة السياسية والطائفية في لبنان.
وفي المقابل لن يجد الحريري حاضنة اقتصادية تدعم توجهاته السياسية والاقتصادية أفضل من الرياض، على الرغم من توجه الحريري مؤخرًا لبناء علاقات مع تركيا، وهي الزيارة التي اعترضت عليها المملكة، حيث ذكرت صحيفة إيلاف السعودية المقربة من البلاط الملكي، عن مصدر كبير أن “مسؤولًا سعوديًّا اتصل بوزير لبناني أخيرًا، وأبلغه بأن هرولة الحريري إلى تركيا ستكلفه ثمنًا باهظًا، لأن المملكة لم تقصر معه ومع لبنان بكل أطيافه في شيء”، وتابع المصدر أن “الحريري يبدو أنه أخطأ بحساباته، وأن تحالفه مع تركيا لن يمر مرور الكرام مع حليفه وداعمه الأساسي في المنطقة، المملكة السعودية، وأن ما حصل معه بالاستقالة والعودة عنها أدخله في ورطة ليست سهلة”.
ويبدو أن علاقة الحريري بالسعودية تحكمها شبكة من العلاقات البرجماتية، فالسعودية بحاجة إلى الحريري كمنفذ للتركيبة السياسية المعقدة في لبنان، وليكون رأس حربتها في مواجهة حزب الله، والحريري بحاجة للسعودية، حيث تحدثت صحف لبنانية عن ثمن تلبية الحريري للدعوة الملكية، فكشفت صحيفة “الديار” اللبنانية عن الثمن الذي قبضه الحريري من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مقابل تلبية الدعوة لزيارة المملكة، وقالت الصحيفة إن ابن سلمان منح الحريري مشروعًا ستتراوح أرباحه تقريبًا ما بين 200 و250 مليون دولار خلال 2018، هذا بالإضافة إلى هبة مالية للانتخابات النيابية تصل إلى 400 مليون دولار لشراء أصوات وتقديم رشاوى.
وبغض النظر عما جاء في الصحيفة اللبنانية، فالسعودية تمتلك بالفعل أوراق ضغط اقتصادية على الحريري، من خلال شركة “سعودي أوجيه” والتي تعود ملكيتها للحريري ومقرها في السعودية، خاصة أن ولي العهد السعودي استطاع تجريد العديد من الأمراء السعودي من شركاتهم أو أصول أموالهم تحت ذريعة مكافحة الفساد.
ويرى مراقبون أن زيارة الحريري للسعودية في حال نجاحها في إعادة الدفء للعلاقات بينهما، لن تكون مؤثرة على الساحة اللبنانية بشكل كبير، فمحور التيار الوطني وحزب الله وحركة أمل في لبنان أقوياء ومتماسكون، على الرغم من الخلاف بين التيار الوطني وحركة أمل، وهو ما بدا واضحًا في توحد وجهات النظر بين أمل والتيار الوطني، عندما تعلق الأمر بالتهديدات الإسرائيلية لحدود اللبنانية، كما أن الحريري نفسه استفاد من دعم هذا المحور كورقة ضغط على السعودية لفك احتجازه من الرياض وعودته إلى بنان.
بقلم : خالد عبدالمنعم
ارسال التعليق