الخلاف القطري السعودي.. مسمار جديد في نعش الوحدة الخليجية
جاءت زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى السعودية بالكثير من الفوائد والمكاسب السياسية والاقتصادية على بلاده، لكنها في الوقت نفسه، دقت مسمارا جديدا في نعش وحدة الدول العربية بأسرها وخاصة الخليجية؛ فبدأ الحديث عن خلافات عميقة خرجت للعلن قد تؤدي إلى شق صف البيت الخليجي، وربما تصل إلى تفتيت مجلس التعاون.
بداية الخلاف
بدأ الخلاف السعودي القطري مع نشر وكالة “قنا” للأنباء القطرية تصريحات قالت إنها جاءت على لسان أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني؛ تضمنت انتقادات واضحة للسعودية ودول الخليج فيما يخص موقفها من إيران، ونقل عن الأمير قوله إن إيران “تمثل ثقلًا إقليميًا، وليس من الحكمة التصعيد معها”، وأضافت التصريحات “لا يحق لأحد أن يتهمنا بالإرهاب لأنه صنّف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، أو رفض دور المقاومة عند حماس وحزب الله”.
رغم أن السلطات القطرية نفت التصريحات، وأكدت حدوث اختراق للوكالة، إلا أن وسائل الإعلام السعودية والإماراتية سارعت إلى مهاجمة الدوحة والتشكيك في روايتها، حيث شهدت وسائل الإعلام تصعيدا كبيرا بين قطر والسعودية وقصف سياسي وإعلامي من العيار الثقيل، شاركت فيه أهم مؤسسات إعلامية صحفية وتليفزيونية من الطرف السعودي والإماراتي، واتهمت قطر بـ”شق الصف الخليجي ودعم أعداء الأمة”، كما حظرت السعودية والإمارات ومصر، عشرات المواقع الإخبارية القطرية، والتي كان على رأسها موقع قناة “الجزيرة”.
سرعة رد الفعل السعودي الإماراتي، واستمرار الهجوم الإعلامي من قبل الدولتين على قطر رغم نفيها التصريحات، دفع سياسيون إلى القول بأن الاختراق كان مدبرًا لخلق نزاع بين المحور الخليجي، حيث رجح بعض الخبراء أن يكون مُخترق وكالة الأنباء القطرية موجود في استديوهات قناة “العربية”، حيث كان يجري بث الخبر على الوكالة القطرية وعلى قناة العربية في ذات الوقت، ناهيك عن وجود مُحلل سياسي في ذات اللحظة للتعليق على الأخبار، فيما كشف أكاديمي إماراتي معارض، أنه لديه معلومات تؤكد أن سعود القحطاني، أحد أذرع الأمير محمد بن سلمان، هو قائد الحملة الإعلامية ضد قطر.
قطر تبحث عن مصالحها
العديد من السياسيين أكدوا أن الخلاف بين السعودية وقطر بقي سريًا منذ فترة، لكنه تعاظم منذ انعقاد القمة العربية الإسلامية الأمريكية، حيث تشعر الدوحة منذ فترة أنها لم تعد تملك أي نفوذ سياسي في المنطقة الخليجة، وأن المملكة السعودية تتجه إلى التحالف مع الإمارات ومصر وأمريكا على حساب المصالح القطرية في المنطقة، الأمر الذي دفع الأخيرة للتوجه نحو التقارب مع المحور الإيراني، وهو ما كشفته بعض الدلائل.
صحيفة “عكاظ” السعودية أكدت قبل أيام أن وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، زار بغداد فجأة وقبل قمة الرياض بأيام معدودة، والتقى رئيس فيلق القدس، وأحد القادة العسكريين أصحاب النفوذ والقول والفصل في الاستراتيجية الإيرانية، الجنرال قاسم سليماني.
لهجة وسائل الإعلام القطرية تغيرت خلال الفترة الأخيرة؛ حيث غطت قناة “الجزيرة” الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أجريت في 19 مايو الجاري، بعدما أصدرت السلطات الإيرانية 39 فيزا لمندوبين في المؤسسات الإعلامية والبحثية القطرية، كما أنها غطت الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الذي انتقد فيه قمم الرياض بشكل لاذع، وباتت أكبر القنوات الإعلامية القطرية “الجزيرة” تستخدم تعبير “الجيش العربي السوري” بدلًا من “الجيش النظامي”، وتوقفت عن توصيف “حزب الله” بـ”حزب اللات” أو “حزب الشيطان” كما كانت تطلق عليه فيما قبل.
رد قطر على الحرب الإعلامية والسياسية الخليجية جاء من خلال محاولة استفزاز السعودية واستخدام ورقة الضغط الإيرانية، حيث أجرى أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، اتصالًا بالرئيس الإيراني، حسن روحاني، أكد خلاله أن الدوحة وطهران تجمعهما علاقات وثيقة وتاريخية، ودعا إلى مزيد من تعزيز العلاقات بين البلدين، كما أكد أن بلاده لا ترى أي مانع في مسار تعزيز العلاقات الثانية، مضيفًا أن الحوار والمفاوضات تشكل قطعا السبيل الوحيد لحل المشاكل.
إيران.. هل تكون كلمة السر؟
رجح بعض المراقبين أن تكون إيران كلمة السر في الخلاف الخليجي القطري، حيث ترى السعودية أن قطر غردت خارج السرب الخليجي قليلًا خلال الفترة الأخيرة من خلال زيادة التنسيق والتقارب مع المحور الإيراني، ما يثير غضب المملكة كثيرًا، ويرى كثيرون أن تهنئة الأمير القطري، للرئيس الإيراني حسن روحاني، عقب فوزه بولاية ثانية في الانتخابات الإيرانية، جاءت على الجرح السعودي، كما أن التهنئة الثانية التي جاءت خلال أقل من أسبوع وخص بها أيضًا تميم روحاني بمناسبة شهر رمضان، أثارت استفزاز المملكة.
في المقابل، استبعد آخرون أن يكون للتهنئة القطرية الإيرانية دور كبير أو أساسي في الخلاف، حيث ذكّروا بالتهنئة التي خص بها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، الرئيس الإيراني حسن روحاني، بمناسبة شهر رمضان، قبل عامين، وقالوا إنها لم تُقابل بمثل هذا الهجوم الذي قابلته تهنئة تميم، ومثيلتها التي وجهها أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، لروحاني أيضًا عقب فوزه في الانتخابات، متسائلين: تهنئة روحاني حرام على تميم وحلال على بن زايد وصباح؟
محاولات وساطة
دخلت الكويت على خط الخلاف الخليجي في محاولة للملمة الأمور والحول دون شق المحور الخليجي، حيث التقى وزير الخارجية الكويتي، صباح خالد الحمد الصباح، أمير قطر، تميم بن حمد الثاني، لإجراء محادثات، وأكدت مصادر قريبة من المحادثات أن أمير الكويت عرض أثناء محادثة هاتفية مع أمير قطر، التوسط باستضافة محادثات لضمان عدم تصعيد الخلاف، فيما أكد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: نسعى لعلاقات خليجية متينة لأننا نؤمن بأن مصالحنا ومصيرنا واحد.
بداية انسلاخ
بالنظر إلى التوافقات السياسية داخل المنطقة الخليجية بعد القمة العربية الإسلامية الأمريكية، نجد أن سلطنة عمان والكويت وقطر، لن يكون لهما دورًا جديًا في التحالف الذي تريده أمريكا بزعامة السعودية والإمارات لتحقيق المصالح الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع البعض إلى ترجيح أن تشهد الأيام وربما الأشهر المقبلة محاولات انسلاخ هذه الدول الثلاثة من مجلس التعاون الخليجي، خاصة في ظل الخلافات الخليجية القطرية الحامية الأخيرة، ومحاولات حلفاء أمريكا في المنظمة وعلى رأسهم السعودية الإطاحة بعمان منذ فترة بسبب علاقاتها مع المحور الإيراني السوري، وتغريدها المتواصل خارج السرب الخليجي المُعادي لإيران، وعدم رضى الكويت عن التحالف الخليجي الأمريكي.
بعض المراقبين يشبهون الخلافات الأخيرة بما حدث في فبراير عام 1996، حينما دعمت السعودية والإمارات والبحرين تدخل عسكري في الدوحة للإطاحة بحكم أميرها السابق حمد بن خليفة، وإعادة والده الذي كان يقيم في فندق الانتركونتيننتال في أبو ظبي، وهو التدخل الذي لم يكتب له النجاح، لكنه أدى إلى توتير العلاقات السعودية القطرية، ومن المفارقة أن دولة قطر اتهمت حينها الأمير سلمان بن عبد العزيز، العاهل السعودي الحالي بأنه المهندس الحقيقي لهذه المحاولة الانقلابية إلى جانب شقيقه وزير الدفاع حينها الأمير سلطان.
تركيا.. الشريك الباقي لقطر
بعد الخلاف الخليجي، باتت تركيا وقطر تشتركان في العديد من الأزمات وتتوحدان حول العديد من الرؤى، حيث يواجه الطرفان عداوة واضحة من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والمحور الخليجي، فمن جانب قطر، ظهر ذلك في الخلاف الأخير بين الدوحة والدول الخليجية التي ما كانت لتتخذ الخطوة إلا بضوء أخضر من واشنطن، وعقب زيارة ترامب إلى السعودية وانعقاد القمة العربية الإسلامية الأمريكية، أما من جانب تركيا، ظهر ذلك في اللقاء الأول بين ترامب وأردوغان، الذي استبقته واشنطن بالإعلان عن دعمها الرسمي لوحدات حماية الشعب الكردي التي تعتبرها أنقرة إرهابية.
ومن جانب آخر، تلتقي كلا البلدين في العديد من القضايا المشتركة، التي يأتي في مقدمتها قضية جماعة الإخوان المسلمين التي باتت منبوذة من معظم الدول الخليجية بضوء أخضر أمريكي أيضًا، وباتت مدعومة فقط من السلطات القطرية والتركية، ناهيك عن الأزمة السورية التي لاتزال تحمل قواسم وأهداف مشتركة يسعى الطرفين إلى تحقيقها.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق