الخلافات الامريكية ـ السعودية، تخرج إلى العلن
باتت الخلافات بين السعودية وواشنطن واضحة من قبل كلا الطرفين، إذ لا يوفّر كل منهما فرصة للتعبير عن امتعاضه من الطرف الآخر، وتفنيد مآخذه عليه منذ الاختلاف بشأن رفض السعودية زيادة إنتاج النفط، بعد ارتفاع الأسعار في ظلّ احتدام الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
أحدث دلالات الاستياء السعودي بدت في تصريحات تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، والذي ظهر في مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يعاتب الرئيس الأميركي جو بايدن بسبب تجاهله للرياض في العديد من الملفات وفي مقدمتها حرب اليمن.
الفيصل أوضح أنه "عندما قال بايدن في حملته الانتخابيّة سيجعل السعودية دولة منبوذة بالطبع هو استمر في تنفيذ ما كان يدّعيه بدايةً بوقف العمليات المشتركة التي قامت أميركا بها مع السعودية في مواجهة أنصار الله في اليمن، وأيضاً من خلال عدم لقاء محمد بن سلمان، إذ أعلن بشكل عام أنه لن يلتقي بولي العهد، وفي مرحلة ما سحب الصواريخ المضادّة للطائرات من السعودية عندما كنا نواجه زيادة في هجمات القوات اليمنية".
وأضاف، "في الحقيقة، إن بايدن قام بشطب الحوثيين من لائحة الإرهاب، وهو ما شجّعهم على المزيد من العدوانية، في هجماتهم ضد السعودية، وغيرها من القرارات التي كانت تصدي بشكل أساسي من الولايات المتحدة، هذا هو الوضع الذي جعلنا نصل إلى هذه المرحلة حالياً".
الواضح أن الاستياء السعودي من الولايات المتحدة يزداد يوماً بعد يوم، خاصة في ظل سياسة التجاهل التي يعتمدها بايدن حيال الرياض خلافاً للرئيس السابق دونالد ترامب. سياسة شبيهة بعهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي غيّر أولويات واشنطن بعيداً عن حماية الشرق الأوسط وإمدادات النفط. اليوم تفاقمت الخلافات عندما بدأ بايدن الهجوم على "السعودية" ووصفها بأنها "دولة منبوذة"، ثم أزال صواريخ باتريوت التي تحمي المنشآت النفطيّة من هجمات القوات اليمنيّة، وسعى لإحياء الاتفاق النووي مع طهران، وأزال أنصار الله من قائمة "الإرهاب"، كما يسعى حالياً لرفع الحرس الثوري الإيراني من هذه القائمة.
يجمع العديد من المسؤولين السعوديين على أنه إذا أراد بايدن إزالة الخلافات بين الطرفين، فعليه زيارة الرياض، لكن واشنطن ترى أنه من الصعب عليه القيام بذلك دون فقدان ماء الوجه، لأن أي زيارة لبايدن للرياض ستتم مقارنتها بزيارة دونالد ترامب للرياض والتي حُظيت باحتضان ملكي كبير وستكون صورة بايدن وهو يصافح ولي العهد محمد دليلاً واضحاً على الاعتراف بخطئه.
أدّت الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى توتّر العلاقات بين الولايات المتحدة و"السعودية"، ذلك أنه في أعقاب اندلاع الحرب، لم تستجب "السعودية" إلى مطلب زيادة إنتاج النفط بعد ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا والولايات المتّحدة. كما رأت إدارة الرئيس الأمريكي، أن إدانة موسكو من قبل الرياض غير واضحة بشكل كاف.
ومن مظاهر الغضب الأميركي على واشنطن، استطلاع رأي أجرته مؤسسة Morning Consult، بعنوان " The World Would Be a Better Place Without President Putin, American Voters Say"، نشر في 18 أبريل/ نيسان الفائت، وتبيّن أن 37 بالمئة من الأمريكيين يرون أن العالم سيكون أفضل من دون محمد بن سلمان، و53 بالمئة من الأمريكيين لا يعرفون من هو أصلاً.
جاء ذلك رغم مليارات الدولارات التي ينفقها ولي العهد من أجل تبييض صورته في العالم، وتحديداً لدى الشعب الأميركي، وبدا أنه لا يزال منبوذاً في المجتمع الأميركي، إذ إن معظم الناس لا يعرفونه والبقية يعتقدون أن العالم سيكون أفضل من دونه. مع العلم أن ولي العهد يعمل على تمليع صورته في الغرب منذ سنوات حيال العديد من الملفات، لا سيما الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب اليمني، وقمع المعارضة، وقتل جمال خاشقجي، وانتهاكات حقوق الإنسان في داخل السجون السعودية. جهود لم تتردّد وسائل الإعلام الغربية عن كشفها وإدانتها في مسعى لإحباط سياسة التلميع التي يعتمدها ابن سلمان، سواء من خلال الرياضة والحفلات الغنائيّة.
وفي سياق الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكيّة لليّ ذراع ولي العهد محمد بن سلمان، فتحت واشنطن أحد أبرز الملفّات الحسّاسة في تاريخ العلاقات الأمريكية ـ السعودية وهو هجمات 11 سبتمبرالتي أُدينت فيها "السعودية" بشكل مباشر من الولايات المتحدة. ليست المرّة الأولى التي تلوّح فيها واشنطن بورقة هجمات سبتمبر، فقد اعتادت على استخدامها ضد الرياض لتطويعها في بعض الملفات العالقة. صحيح أن تداعيات الخصومة لن تصل إلى حدّ القطيعة بين الطرفين لكن الأكيد أن إدارة بايدن ستترك ندبة عميقة الأثر لدى صناع القرار في "السعودية".
ارسال التعليق