السعودية تصر على حرف الانتباه عن جريمة قتل خاشقجي
نشرت صحيفة الاندبندت تقريرا لمراسلها في بيروت ريتشارد هول قال فيه إن مقتل جمال خاشقجي كان من المفترض أن يكون صامتا. فالمسؤولون السعوديون الذين كانوا وراء قتله الوحشي خططوا لكل شيء بدقة. وكان من المفترض أن يختفي بدون أثر.
وكان القتلة يريدون ألا يزعج شيء مزاعم زعيمهم الإصلاحية في السعودية، حيث كان ولي العهد الشاب محمد بن سلمان يحاول تحويل بلده، فقد قضى العامين الماضيين يتودد إلى المجتمع الدولي كجزء من خطته الكبرى لتحديث المملكة وجذب الاستثمارات الأجنبية. ولم يعط السعوديين أي حريات، ولكنه قمع المعارضة أكثر من أي وقت مضى.
وانفقت مئات ملايين الدولارات للترويج لولي العهد واصلاحاته. ومن خلال حملة علاقات عامة عالمية تم التقرب إلى زعماء ونجوم العالم.
وبدا أن الخطة في طريقها للنجاح – حتى اختفى خاشقجي. فعندما تكشف أن صحافيا معارضا تم قتله داخل القنصلية السعودية، غالبا بالنيابة عن ولي العهد، تحطمت تلك الصورة ووجد ولي العهد نفسه في وسط فضيحة عالمية تهدد بإفساد خططه كلها.
وواجه جيش من شركات العلاقات العامة مهمة مستحيلة: انقاذ صورة الرجل الذي يعتبره الكثير على أنه قاتل وحشي. وبعد مقتل خاشقجي بعام قد يكونوا توصلوا إلى ذلك.
وقال الكاتب إن تداعيات مقتل خاشقجي لم تكن متوقعة ولكن شبكة العلاقات العامة لولي العهد كانت في حالة استعداد للحرب عندما وقعت الفضيحة.
وكانت وزارة الإعلام السعودية قد أعلنت قبل ذلك بعام عن حملة عالمية “للترويج لوجه السعودية المتغير في بقية أنحاء العالم”.
وتعمل هذه الشبكة من العاملين في الضغط السياسي وخبراء العلاقات العامة عملا حثيثا لمواجهة التغطية الصحفية السلبية لحرب السعودية في اليمن وحصارها لقطر. ولكن معظم تلك الشبكة كان يعمل للترويج لولي العهد.
وفي أوائل عام 2018، قام ولي العهد بزيارة وجولة في الولايات المتحدة رافقتها تغطية اعلامية واسعة بعد أن تسلم زعامة السعودية الفعلية من والده. واجتمع بالرئيس دونالد ترامب وجيف بيزوس وبيل غيتس ونجوم هوليوود وممولي وول ستريت واوبرا وينفري وغيرهم. وظهر على برنامج الأخبار الرئيسي 60 دقيقة في مقابلة مباشرة وحظي ببعض المديح من كتاب العمود في صحيفة نيويورك تايمز.
وأتبع تلك الرحلة برحلة شبيهة إلى لندن حيث قامت شركات العلاقات العامة بالإعلان في الصحف بحجز صفحات كاملة لتلك الاعلانات بالإضافات للافتات الضخمة على الشوارع الرئيسية في لندن للاعلان عن الزيارة. وقال مطلعون داخل صناعة الإعلانات بأن تكاليف الحملة قد تصل إلى مليون جنيه استرليني.
يقول جوناثون هاردي، أستاذ الاعلام والاتصالات في جامعة ايست لندن إن الانفاق كان على نطاق واسع حيث “كانت هناك زيادة في التمويل خلال شبكة شركات علاقات عامة وضغط سياسي مكثفة عمل لصالح الحكومة السعودية ومصالحها الاستراتيجية”.
أنفقت السعودية في عام 2018 أكثر من 34 مليون دولار على الضغط السياسي في أمريكا وحدها، كما استعملت المملكة مجموعة من الشركات في لندن
وأنفقت السعودية في عام 2018 أكثر من 34 مليون دولار على الضغط السياسي في أمريكا وحدها بحسب مركز (ريسبونسيف بوليتيكس). كما استعملت المملكة مجموعة من الشركات في لندن بما في ذلك شركة كونسالام، والتي تشغل موظفين سابقين في شركتي بيل بوتينغر و فرويدز.
والهدف هو “لعكس صورة عن المملكة العربية السعودية على أنها تسير بخطوات سريعة نحول الاصلاح ومحو سلبيات الحكومة للتقليل من الضغط السياسي الدولي وجذب الاستثمارات لتحقيق النمو الاقتصادي وفتح المجال للسياحة الأجنبية”، بحسب البروفيسور هاردي.
ولكن لم يكن الجميع مقتنعا، فقد رأى الكثير أن ذلك ليس سوى عملية علاقات عامة بمن فيهم خاشقجي نفسه. وتتذكر نيكيتا برناردي، مستشارة العلاقات العامة التي تعمل على حالات حقوق الانسان في الشرق الأوسط أنها ناقشت خطة ولي العهد مع خاشقجي.
وقالت: “لقد قمنا بهذا الحوار قبل أيام من مقتله.. فقبل عام تقريبا كنت في واشنطن أنظم مؤتمرا، هدفه مناقشة هذا الوجة الجديد للسعودية الذي كانوا يحاولون تسويقه. وكان جمال خاشقجي أحد المتحدثين”.
وأضافت: “لقد كانت حملة العلاقات سطحية للغاية. وكانت مصممة للدول الغربية التي كانت بحاجة لأن يظهر بمظهر أكثر قبولا كي يستطيعو الاستمرار في بيع الأسلحة [للسعودية] وغير ذلك. كانوا بحاجة لأن يبدو بأنه يغير الأمور في الاتجاه الصحيح”.
وفي نفس الوقت الذي كان يقوم فيه خاشقجي بالإعراب عن شكوكه حول ما إذا كان ولي العهد مصلحا حقيقيا – سرا وعلانية – كان كبار المستشارين الملكيين يخططون لقتل الصحافي.
واختفى خاشقجي في 2 تشرين أول/ أكتوبر بعد دخوله القنصلية السعودية في اسطنبول. حيث ذهب هناك للحصول على أوراق ليستطيع الزواج من خطيبته التركية التي كانت تنتظره في الخارج. ولم ير بعدها أبدا.
وأصرت السعودية ابتداء أن خاشقجي غادر القنصلية، ولكن بعد سلسلة من التسريبات من المحققين الأتراك، غيرت القصة وقالت إن الصحافي البالغ من العمر 59 عاما قتل هناك في “اشتباك بالأيدي”.
وقال المحققون الأتراك والدوليون بأن خاشقجي قتل داخل القنصلية وتم التخلص من جثمانه. وقالت مقررة الأمم المتحدة الخاصة، اغنيس كالامارد، بأن العملية كانت جريمة قتل “خططها وقام بها مسؤولون سعوديون”.
ولكن خط الأدلة يقود إلى ولي العهد نفسه حيث تعتقد وكالة الاستخبارات المركزية وبعض الدول الغربية بأن ولي العهد أمر بالقتل – وهو ما استمر في انكاره.
وفي محاولاته لاسكات خاشقجي كان لقتله مفعول عكسي. فقد أدى اختفاء الصحافي إلى عاصفة نارية احاطت بولي العهد. ووصف دونالد ترامب محاولة السعودية انكار قتل الصحافي بأنها “أسوأ عملية تغطية في التاريخ”.
وتسبب قتل الصحافي بحرف جهود ولي العهد لاعادة انتاج الماركة. ففي الأسابيع التي اتبعت عملية القتل واتهام ولي العهد بالتورط المباشر في الجريمة قامت العديد من الشركات والزعماء بالنأي بنفسها عن المملكة. فقد أعلنت شركتي فرويدز وبيجفيلك غلوبال كاونسيل بأنهما لا تعملان مع السعودية بالإضافة إلى شركة ميلتاون بارتنرز والتي كان يديرها مدير الاتصالات السابق للأمير تشارلز.
وأعلنت مجلة بي ار ويك بأن شركات غلادستون بليس بارتنرز وغلوفر بارك غروب وبي جي آر وبورتلاند كميونيكيشنز وغيبسون ودان أند كراتشر كلها أنهت عملها مع الحكومة السعودية.
ومع أن الحكومة خسرت الكثير من قوتها في العلاقات العامة، فإن الشركات التي بقيت معها “ضاعفت من جهودها”، بحسب ما قال بين فريمان، الذي يتابع النفوذ الأجنبي لمركز السياسات الدولي، لصحيفة واشنطن بوست.
وتضمت تلك الشركات كورفيز كوميونيكيشين، وهي شركة أمريكية متخصصة في اتصالات الأزمات، وشركتها الأم، أم أس أل والتي عملت مع الحكومة السعودية لأكثر من عقدين. وبحسب واشنطن بوست فإن أم أس أل قبضت 18 مليون دولار من السعودية منذ تشرين أول/ أكتوبر 2018.
كما وقعت الحكومة السعودية عقدا جديدا يكلف 120000 دولار في الشهر مع شركة كارف كوميونيكيشنز في وقت سابق من هذا العام، بحسب صحيفة فايننشال تايمز، لأجل “تحسين السمعة والصورة” لصندوق الاستمار العام السعودي، والذي يرأسه ولي العهد.
وبحسب البروفيسور هاردي فإن استراتيجية شركات العلاقات العامة تغيرت بسبب الشكوك حول علاقة ولي العهد بجريمة القتل. فتم استبدال التركيز على شخص ولي العهد إلى الاقناع المستهدف.
وقال: “قامت السعودية بإرسال مبعوثين كبار لاقناع الشخصيات الرئيسية في الاعلام والسياسة والتجارة بصدق التحقيق في مقتل [خاشقجي] وللقيام بعمل بطيء وخفي لتثبيت واعادة بناء الثقة”.
وأضاف: “ونرى حاليا جهودا متعددة المسارات. وتستثمر السعوجية في تأثير القوة الناعمة مثل الرياضة والسياحة. وهي جهود للتأثير على التصورات العالمة من خلال أشسياء مثل مستوى الاستثمار في الرياضة والتي أدت إلى اتهام السعودية بالغسيل الرياضي”.
ويشير البروفيسور هاردي إلى مباراة الملاكمة القادمة بين انثوني جوشوا واندي رويز لبطولة العالم في ملاكمة الوزن الثقيل والتي ستعقد في المملكة.
قبل ذكرى مقتل خاشقجي بأيام، أعلنت الحكومة يوم الجمعة عن برنامج تأشيرات سياحية للسعودية يشمل 49 بلدا، كما عاد ولي العهد إلى الأضواء. فظهر يوم السبت على برنامج 60 دقيقة مرة أخرى
وقبل ذكرى مقتل خاشقجي بأيام، أعلنت الحكومة يوم الجمعة عن برنامج تأشيرات سياحية للسعودية يشمل 49 بلدا.
وبعد عام من مقتل خاشقجي عاد ولي العهد إلى الأضواء. فظهر يوم السبت على برنامج 60 دقيقة مرة أخرى في مقابلة أنكر فيها أي علاقة شخصية في جريمة القتل.
وقال ولي العهد: “إنها جريمة نكراء .. وأتحمل مسؤوليتها كاملة كزعيم للسعودية، وخاصة أنها ارتكبت من أشخاص يعملون مع الحكومة السعودية”.
وأضاف: “أتحمل كل المسؤولية .. لأنها حصلت في فترة حكمي”.
وقالت مستشارة العلاقات العامة برناردي إن المقابلة تشكل تحولا إلى استراتيجية جديدة. وقالت: “لم يكن بالإمكان فعل الكثير لحماية سمعته [ولي العهد] فقد كانت الأضرار بليغة. ويمكنك مشاهدة كيف تغيرت الرواية السعودية خلال عام منذ مقتل جمال. فكانت في البداية انكار وانكار وانكار ثم قالوا أعضاء مارقين والآن نرى ولي العهد يقول ‘حصلت في فترة حكمي'”.
وأضافت: “فبالنسبة لي أن تلك عبارة علاقات عامة وتبدو على انه تم التفكير فيها والتدرب عليها جيدا. وهي لا تزيد عن كونها كلمات جوفاء. فعن ماذا تتحمل المسؤولية؟ لا شيء أبدا”. ويرى المعارض يحيى عسيري إن محمد بن سلمان استخدم شبكة واسعة من التكتيكات لتحسين صورته في ضوء الجريمة بما في ذلك حملات علاقات باهظة الثمن وخبطات إعلامية وإصلاحات اجتماعية متواضعة. ولكن هذه الجهود، كما يقول عسيري، مدير منظمة القسط الحقوقية لم تنجح بسبب سجل حقوق الإنسان الفقير في المملكة واستمرار اعتقال الناشطات السعوديات وغياب المحاسبة لقتلة خاشقجي.
ارسال التعليق