السعودية..معتقل غوانتانامو بشكل اخر
تعانى السعودية من سمعة سيئة فى العالم من جهة تعاملها مع حقوق الانسان بحيث يتم ذمها باستمرار فى كل التقارير الدولية الصادرة عن المنظمات ذات العلاقة بالمسألة إلا أن النظام السعودى غالبا ما يتجاهل كل هذه التقارير المرعبة و يحاول التعتيم عليها و أحيانا انتقادها بشكل لاذع دون أن يترك للمنظمات العالمية حرية الدخول الى المملكة للإطلاع عن كثب على ما يجرى من تعذيب و خرق فاضح لحقوق الانسان.
و وفقا لإحصاءات منظمة هيومان رايتس ووتش يبلغ حجم الاعتقالات السياسية اكثر من 30 ضعف ما يحدث فى الدول المجاورة و تشمل الاعتقالات ناشطين حقوقيين و سياسيين و مثقفين و علماء دين من مختلف الاعمار لكن النظام غالبا ما يصر على عدم وجود هؤلاء السجناء و فى أقصى الحالات يعتبرهم سجناء أمن قومى بتهم عديدة لعل أبرزها الدعاية لصالح نظام أجنبى هو ايران على وجه التحديد و العمل على نشر ما يسمى ” بالتمدد الشيعى ” داخل المملكة ، فى هذا المجال تؤكد المنظمة الدولية المذكورة أن هؤلاء الناشطين يحاكمون تحت مظلة قوانين الامن القومى الغامضة و التى أنشأت خصيصا لمثل هذه المعارضة .
لا شك أن كل المحاكمات التى يخضع اليها هؤلاء الناشطون هى محاكمات رأى و حق تعبير تكفله كل المبادئ الانسانية العالمية التى لا يعترف بها النظام الفاسد فى المملكة ، فى حقيقة الامر تتم هذه الاعتقالات لأسباب وغايات سياسية و من باب ضرب كل معارضة سلمية للنظام من باب الترويع و التخويف بحيث تحولت المملكة مع مرور الوقت الى معتقل كبير لا يختلف فى عناوينه الكبرى عن اكبر المعتقلات فى العالم و من بينها معتقل غوانتنامو الشهير، و إذا كانت الولايات المتحدة الامريكية قد فتحت هذا المعتقل خارج التراب الامريكى فى محاولة قاصرة للتعتيم على وجوده فان النظام السعودى قد جعل من المملكة معتقلا كبيرا بحيث يشعر المواطن السعودى العادى أنه محكوم بنظام مستبد و مطالب بالصمت المتواصل على انتهاك حقوقه الاساسية فى حين يشعر المحكوم عليه داخل سجون المملكة بان هذا النظام يريد من الجميع نسيان ما يحدث داخل هذه السجون.
أيضا يمكن الحديث على أن التعذيب الذى يمارسه النظام داخل السجون و المحتشدات و الذى أودى بحياة كثير من السجناء على اختلاف توجهاتهم و تهمهم هو شكل من أشكال العنف المادى المقصود للمس من قدرة المعارض السعودى على الاستمرار فى تلك المعارضة و المطالبة و كسرا لكل ارادة تروم مواصلة المقاومة و هنا يتحدث الجميع عن أساليب تعذيب وحشية تفوق الخيال داخل هذه السجون .
يوجد فى السعودية منذ عقود أحد أكثر الانظمة وحشية و بربرية فى العالم ، و مقارنة بالسعودية تبدو بقية سجون العالم نزلا ترفيهية و توضح بعض التقارير و الصور المسربة من داخل هذه المحتشدات المرعبة تكديس السجناء بأعداد كثيرة داخل عنابر صغيرة لا تكفى حتى للوقوف الامر الذى يضطرهم الى النوم بالتناوب أو النوم فى دورات المياه فى مظهر قبيح لا يليق حتى بالوحوش ، هذه التقارير تؤكد ان النظام يتعمد فى نطاق سياسته الاجرامية فى حق الشعب السعودى انتزاع كرامة المواطن السعودى ببطء شديد و مقصود حتى يفقد قوة المقاومة و تنعدم لديه كل وسائل الممانعة ليخرج من تلك السجون كسيحا عقليا لا يقدر على مواصلة النضال السلمى ضد هذه السلطة الدموية الجائرة ، فتكديس 500 سجين فى غرفة لا تسع إلا 100 سجين هو محاولة لإشعار السجين بكونه لا يمثل حالة انسانية بل مجرد معارض يجب القضاء عليه معنويا بكل الاشكال و الطرق لذلك يعانى الكثيرون بعد خروجهم من تلك السجون المرعبة من حالات من الصدمة و الذهول الدائم و فقدان الرغبة فى مواصلة العيش داخل المملكة.
لعل أكبر تشجيع للنظام على كل هذه الانتهاكات الوحشية يأتى من الدول الغربية و على رأسها أمريكا و بريطانيا و فرنسا بحيث وصلت الوقاحة بأن ينقل الموقع الالكترونى لوزارة الخارجية البريطانية أن اوضاع السجون فى السعودية تعتبر جيدة ، لكن هذا الامر و لئن يثير لدى البعض شيئا من التعجب فهو ليس مستغربا من انظمة مارست و تمارس التعذيب تحت مسميات مختلفة من بينها التعذيب داخل الطائرات المتنقلة و نقل المعتقلين السياسيين لتعذيبهم فى بلدان عربية مثل مصر و الاردن لكن من الواضح أن صمت هذه الدول الذى تبرره بحماية مصالحها الاقتصادية فى الخليج قد شجع النظام السعودى على التمادى فى سياسة التعذيب و خرق حقوق الانسان بحيث يزيد عدد السجناء السياسيين اليوم عن اربعين الف معتقل سياسى رغم ادعاء النظام بعدم صحة هذه الارقام التى تداولتها مواقع و صحف عالمية معروفة بجديتها فى هذا المجال لكن من المؤكد أنه يستحيل و يصعب تقدير الاعداد لان كل السجون السعودية سرية و تديرها المخابرات التى تقدم تقاريرها المرعبة بشكل دورى للقيادة السعودية و على رأسها بالطبع الملك سلمان.
لعل ما يثير الانتباه فى المحاكمات أن الاحكام التى تواجه المتهمين هى أحكام قاسية جدا تثير كثيرا من علامات الاستفهام حول استقلالية القضاء السعودى و مدى سلطة المؤسسة الدينية السعودية التى تتدخل فى أحكام القضاء بشكل مفضوح ، أيضا يمكن القول أن النظام قد قضى على كل أصوات المجتمع المدنى التى بإمكانها معارضة مثل هذه الاحكام الجائرة يضاف اليه طبعا صمت وسائل الاعلام السعودية بكل ألوانها التى تعلم علم اليقين ان كثيرا من هذه المحاكمات هى محاكمات جائرة و غير مبررة و أن التهم الموجهة للمحكوم عليهم على غرار المس من حرمة الملك و الاضرار بالنظام العام و التحريض على الفتنة و الاساءة لسمعة المملكة هى تهم ملفقة و مردودة ، المثير للاهتمام أنه مع بداية الحرب السعودية القذرة فى اليمن فقد ضاعف النظام اعتقالاته و سجن و تعذيبه للناشطين لان هناك أصواتا كثيرة تعارض مثل هذه الحرب الصهيونية و هناك معارضة شديدة للحرب الارهابية التى تشنها المملكة لإسقاط الرئيس السورى بشار الاسد مما يدفع المراقبين للقول أن الملك سلمان قد فقد الصواب تماما و أن ما يعانيه النظام من فشل سياسى و عسكرى و أخلاقى على كل الاصعدة يدفعه الى خطوات متسرعة نحو الهاوية المنتظرة و سيزيد الفشل من عزلته داخليا و خارجيا خاصة فى ظل تهديدات الادارة الامريكية الجديدة .
بقلم : احمد الحباسى
ارسال التعليق