السعودية والإمارات.. المعركة المحتدمة حول القيادة في الخليج
لا يمكن الفصل بين زيارة ولي عهد أبو ظبي الشيخ "محمد بن زايد" إلى السعودية، الإثنين، والتوتر المتفاقم بين البلدين، وسط تنافس سياسي واقتصادي، بحثا عن الزعامة في منطقة الخليج.
كذلك لا يمكن غض الطرف عن وجود خلافات قوية بين الرياض وأبوظبي في ملفات عدة، منذ سنوات، لكن ربما جاء الآوان للمكاشفة بها، وتصفية الحسابات بشكل علني ضمن تنافس إقليمي متصاعد.
ويبدو أن السعودية التي تخطط لتنفيذ رؤية 2030، وتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، استيقظت متأخرة وتنبهت لجهود أبوظبي سحب البساط من تحت أرجلها في مجالات واعدة، ما أفقدها تأثيرا كبيرا، ورجّح في المقابل كفة أبوظبي في موازين القوى.
النفط و"أوبك"
ورغم أن إنتاج النفط كان العنوان الرئيسي للنزاع السعودي الإماراتي مؤخرا، بعد معارضة الإمارات نظام حصص الإنتاج الذي تم التفاوض عليه بين روسيا والسعودية خلال اجتماع منظمة "أوبك+"، تبقى حقيقة الخلاف أكبر من النفط، ولا يمكن اختزالها في الذهب الأسود.
وتريد الإمارات أن تكون قادرة على إنتاج 3.8 ملايين برميل يوميا، بدلا من 3.2 مليون برميل؛ لاحتياجها إلى مزيد من الموارد التي تأتي من تصدير النفط، وتعويض الخسائر الفادحة التي تكبدتها على مدار عامين، جراء تفشي فيروس "كورونا".
وتطالب الإمارات بتوزيع حصص الإنتاج بشكل أكثر عدالة، حيث يقضي التقسيم القائم للحصص بخفض الإنتاج الإماراتي بنسبة 18% مقابل خفض سعودي بنسبة 5%.
ووفق وزير الطاقة السعودي، الأمير "عبدالعزيز بن سلمان"، لم يسبق للإمارات خلال العقود الأربعة الماضية أن اعترضت على السياسة النفطية السعودية التي حددت مسار منظمة "أوبك" على مدى عقود، وهو ما اعتبر تحدياً غير متوقع للمملكة، واستعراضا جديدا للقوة الإماراتية السياسية والعسكرية الصاعدة.
وتوصلت السعودية والإمارات اليوم لاتفاق نص على زيادة إنتاج النفط بمعدل 400 ألف برميل يوميا بداية من أغسطس/ آب، لتتوقف الخلافات النفطية بين البلدين مؤقتا حتى إشعار آخر.
الطيران والجمارك
لكن تسارع الخطوات السعودية، خلال الأسابيع الأخيرة، عزز القول بأن الأزمة أكبر من خلاف النفط، مع توجه المملكة لإطلاق شركة طيران وطنية ثانية لكي تصعد بالمملكة إلى المرتبة الخامسة على مستوى العالم في حركة النقل الجوي.
وتعزز الخطوة الجديدة، قدرات السعودية على منافسة شركات الطيران الخليجية الأخرى وخاصة طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية، كما تعني الخطوة سحب جزء من حصة الطيران الإماراتي، والقطري، لصالح بلد هو الأكبر سكانيا في الخليج.
وهنا يجدر الإشارة إلى أن 14.6 ملايين راكب من المملكة قد سافروا مع شركة طيران أجنبية خلال العام 2018، وهو رقم كبير تخطط الحكومة السعودية لاستعادته، عبر خطة لتحويل المملكة إلى "مركز طيران عالمي" بتكلفة تصل إلى 147 مليار دولار.
وتخطط المملكة لجذب 100 مليون زائر سنويا بحلول عام 2030، وزيادة عدد الحجاج إلى الأراضي المقدسة إلى 30 مليون حاج، وترى أن ذلك سيخلق المزيد من الطلب على شركة الطيران الجديدة.
كذلك غيرت السعودية قواعدها بشأن الاستيراد من دول مجلس التعاون الخليجي، لاستبعاد البضائع المصنوعة في المناطق الحرة أو التي استخدم فيها أي منتج إسرائيلي من الاتفاق الجمركي لمجلس التعاون.
ويعني هذا القرار ضربة قوية للإمارات التي يعتمد اقتصادها على المناطق الحرة أكثر من أي دولة خليجية أخرى، كما أنها ثالث أكبر شريك تجاري للسعودية بعد الصين والولايات المتحدة كونها المركز الرئيسي لإعادة تصدير المنتجات الأجنبية للسعودية، بحسب الإذاعة الألمانية.
قرار لافت
ويعد قرار السعودية بقصر التعامل مع الشركات العالمية التي لها فروع في المملكة فقط، الأهم والأبرز في معركة سحب البساط من أبوظبي، وتحويل المملكة إلى نقطة جذب استثماري واقتصادي.
وينص القرار -بحسب وكالة الأنباء السعودية "واس"- على أن "أي شركة لديها تعاقدات مع أي جهة حكومية سواء كانت هيئة أو مؤسسة أو صناديق استثمارية أو أجهزة رسمية، سيتم إيقاف التعاقد معها في حال عدم وجود مقر إقليمي لها في المملكة بحلول عام 2024".
ويرى خبراء، أن القرار السعودي لا يعني منافسة دبي كمركز مالي وسياحي فقط، إنما سيجعل المملكة تهيمن على اقتصاد الشرق الأوسط، ما يشكل تحديا خطيرا للإمارات وخاصة لإمارة دبي التي تتمركز فيها فروع هذه الشركات، بحسب "الحرة".
ومن بين الشركات التي ستنشئ مقار إقليمية في الرياض، المجموعة الهندسية الأمريكية "بكتل"، وشركة الفنادق الهندية "أويو"، وشركات عملاقة مثل "جوجل، وأمازون، وعلي بابا"، وغيرها.
في السياق ذاته، جاء قرار المملكة بسحب مكاتب قنوات MBCمن الإمارات ونقلها إلى الرياض، الشهر المقبل، ضمن توجهات نحو تطوير العاصمة وجعلها محط اهتمام العالم، ومركزاً رئيسيا للأعمال في المنطقة للشركات الأجنبية.
ولا يتوقف النهج السعودي عند حدود المنافسة فقط مع أبوظبي، بل تعدى ذلك إلى مواجهة قطر، من خلال المساعي لإطلاق شبكة تلفزيونية رياضية لكسر هيمنة شبكة "beIN Sports" القطرية، على أن تكون حقوق مباريات الدوري الإيطالي أول صفقة للشبكة السعودية الجديدة، إضافة إلى بحث التقدم بملف مشترك مع إيطاليا لتنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2030.
منافسة إقليمية
وفق الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، "سينزيا بيانكو"، فإن "التوترات بين السعودية والإمارات تزداد منذ فترة طويلة"، مشيرة إلى أن الدولتين "تعيدان تقييم ميزان القوى في علاقتهما الثنائية بما ينطبق على الساحة الإقليمية والدولية".
وترى الباحثة "إيمان الحسين"، من معهد دول الخليج العربية بواشنطن، أن "المنافسة الإقليمية بين دول الخليج تطورت في الآونة الأخيرة؛ حيث تحاول السعودية والإمارات جذب المستثمرين والمواهب الأجنبية"، بحسب موقع "المونيتور" الأمريكي.
وتؤكد "إندبندنت" البريطانية، أن الخلافات بين السعودية والإمارات تتجاوز قضية "أوبك+"، وإنها مرشحة للتكرار، مع توتر العلاقات بسبب تباين المواقف بشأن اليمن، وإنتاج النفط، وحسابات جيوسياسية أوسع بعد تولي إدارة جديدة في واشنطن.
وبلا شك فإن مسارعة ولي العهد "محمد بن سلمان" إلى إصلاح العلاقات مع تركيا وقطر، وتحسين العلاقات مع سلطنة عُمان، لا تروق لأبوظبي، التي استفادت كثيرا من الجفاء السعودي التركي، والقطيعة السعودية القطرية، قبل إتمام المصالحة الخليجية، يناير/كانون الثاني الماضي.
خلاصة الأمر، أن الرياض تتحدى جاذبية دبي للاستثمارات باعتبارها عاصمة تجارية ومالية في المنطقة، وكذلك تحاول استعادة النفوذ، وسحب البساط من النفوذ الإماراتي، وهي مهمة لن تكون سهلة أمام السعودية.
ويلخص المشهد القائم، ما كتبه نائب رئيس شرطة دبي، الفريق "ضاحي خلفان" الذي تعكس تغريداته في كثير من الأحيان مزاج الدولة، قائلا: "المصالح تسبق العلاقات.. هذه الحقبة لا تعرف الصداقة أو الأخوة.. إنها حقبة المصالح المادية.. البقاء ليس للأقوى ولكن للأذكى".
وكتب مستشار الديوان الملكي السعودي "تركي آل الشيخ"، معلقا بعد خلاف "أوبك+": "صديقي.. لم تعد صديقي.. الوقت والظروف غيرتك لكن لم تغيرني".
ارسال التعليق