السعودية والمستقبل
بقلم: د. كمال الهلباوىسأل أو تساءل وزير المالية السعودى فى فيديو منتشر سؤالاً لم يكذبه أحد، وأجاب فيه أو عليه أيضا كما فى العالم العربى، إجابات الهارب من الواقع المؤلم إلى مستقبل غامض ومؤلم كذلك. السؤال الذى سأله الوزير هو: كم تتخيلون دخلنا من النفط هذه السنة؟
وكان الجواب منه فى الفيديو نفسه: دخلنا من النفط هذه السنة 329 مليار ريال سعودى فقط”. أقول مع إحترامنا للوزير والأرقام: ولن ندخل هنا فى أسعار النفط أو الحصص النفطية المخصصة والتى لا تدخل فى هذا الحساب، ولكننى هنا أنظر إلى ما قاله الوزير. قال الرجل: هذا الدخل الكبير لا يكفى الرواتب التى تكلف الحكومة السعودية 480 مليار ريال سنويا. والإيرادات الأخرى 200 مليار ريال، وهى بالكاد تكفى الصيانة والتشغيل . فمن أين يمكن الانفاق على المشاريع الجديدة ؟.
العلاج كما قال الرجل أيضا فى الفيديو: هو تغيير السلوك. أقول فى مقالى هذا وهذا كلام فى الصميم من الوزير، ولكن المشكلة تكمن فى فهم السلوك الذى يقصده الرجل أو الذى تمليه السياسة أو التحديات، أو السلوك الواجب لرسم المستقبل الذى يليق بالامة؟
تغيير السلوك عند الوزير – كما جاء فى الحديث- أو من يحكم السعودية يعنى، رفع الدعم والبرامج الحكومية المخصصة لتخفيف الألم عن الطبقات الأدنى ولابد أن تتحمل ذلك جهات ثلاث هى: المواطن والشركات والوافدون. يقول الوزير: هذه الأطراف الثلاثة هى من يجب أن تتحمل دفع هذه الفاتورة.
كما أشار الرجل إلى أن آثار هذه العملية المتوقعة إقتصاديا ستكون عميقة جدا، ومنها:
التباطؤ الحاد فى النمو الاقتصادى.
شركات كثيرة ستقفل أبوابها.
فرض رسوم على العمالة .
انخفاض معدل المستوى المعيشى للمواطن.
انخفاض القوة الشرائية بنسبة 30% على الأقل خلال 4-5 سنوات .
الضرر سيقع على القطاع الخاص لانخفاض الحركة.
مغادرة أعداد كبيرة من المتعاقدين( من 2-3 مليون ) خلال (4-5 سنوات) .
قلة الوظائف الجديدة أمام الخريجين الجدد.
ثم يقول الوزير : هذا هو الواقع بدون تلميع ، كما قال الرجل، الواقع مؤلم، وحتى نتعامل معه بالطريقة الصحيحة، مما جعلنى أتساءل يا ترى: فما هى الطريقة الصحيحة فى عقل الرجل أو سياسة الدولة؟ أقول : هذه طبعا كلمة عامة صائبة، ولكن ماذا يعنى تغيير السلوك عند الوزير المحترم . إن الرجل يعنى بذلك كما قال :
ضرورة تغيير السلوك فى الفترة القادمة حتى يفضى إلى:
شراء سيارة أرخص .
شراء شقة أصغر.
مراعاة استهلاك الكهرباء التى قد تهد ظهر أى أحد.
الاستغناء عن الشغالات .
التوفير من الانفاق والدخل.
لا تفكر فى ترك الوظيفة حتى لو فى القطاع الخاص.
إعمل بأى وظيفة لتخفيف الأعباء المنزلية على الوالدين.
إنتبه: لا تتوسع فى عملك وقس تكاليفك مرة أخرى .
مبيعاتك ستنخفض 40% وتكاليفك سترتفع 30% .
تكلفة العامل الأجنبى سترتفع إلى حوالى عشرة ألاف ريال فى 2020.
كان الرجل صريحا جدا فى طرح المشكلة الاقتصادية المتوقعة، ولكن لم يتطرق لأسبابها الحقيقية جميعا فى دولة نفطية يعلم الجميع أسباب الفساد فيها والتى تكاد تنحصر فى ثلاثة أسباب هى:
المخصصات والاستهلاك للاسرة المالكة، والتبذير الهائل فى ذلك أو الخضوع للهيمنة الأمريكية وخصوصا للسيد ترامب. دون أن يقول لهم العلماء : ” إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ “،أو يعلموهم “وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا”.
الحروب والمؤامرات التى دخلت فيها المملكة واستيراد السلاح للعدو المتوهم وخصوصا مع الجيران ومنها اليمن وسوريا والعراق من قبل ، برغبة داخلية أو إملاء خارجى .
خطط التنمية الفاشلة رغم توفر الامكانات الهائلة المادية المحلية والبشرية ومنها الوافدة.
ولكن القهر والاستبداد ، الذى يجد دعما من علماء السوء والسلطان، وإتباع الهوى والانصياع إلى العدو الواضح للأمة والهيمنة الغربية ، كل هذا مما لا يترك مجالا للاصلاح ولا لسماع النصائح الخالصة. بل مما يضع الناصحين موضع الشك والسجون والمعتقلات ومطاردة بعض المعارضين والتخلص منهم كما حدث مع جمال خاشقجى رحمه الله تعالى.
لماذا لم يناقش الرجل تلك المبالغ الضخمة التى تحصلت عليها أمريكا من السعودية وخصوصا أيام ترامب حاليا (450 – 460) مليار دولار فى العام الماضى مما ساعد الأمريكان على توظيف اكثر من مليون عاطل.
أين مصير المبالغ الضخمة المودعة بصفة إستثمارات فى البنوك الغربية وفى الحسابات السرية وغير السرية؟ وأين وأين ؟!!!.
ومن الواضح أن وزير الخارجية السعودى – عادل الجبير – قد أجاب على جزء من المشكلة الاقتصادية فى السعودية دون تنسيق مع وزير المالية ولا ترتيب مسبق، حيث قال وزير الخارجية فى فيديو مشهور له حديثا في معهد بروكينجز الأمريكى؛ ما ترجمته “لقد استمر تحالف السعودية والولايات المتحدة على مدى ثمانية عقود، شاهدنا فيها عواصف كثيرة تأتي وتنحسر .
في الخمسينات والستينات عملنا معا لهزيمة موجات التطرّف التى جاء بها ناصر والأنظمة الثورية الاخرى فى الشرق الاوسط.
فى السبعينات والثمانينات عملنا معا على دحر الاتحاد السوفييتى، وتمكنّا من تحويل مصر من المعسكر السوفيتى إلى المعسكر الغربى، وفى السبعينات فعلنا نفس الشئ فى الصومال.
قمنا بصد محاولات السوفييت للتغلغل فى الخليج، وعملنا معا فى افغانستان وانتصرنا.
فقط الآن يعترف وزير خارجية السعودية – كما يقول بعضهم – أن السعودية حاربت رياح التقدم التي جاءت بها ثورة يوليو فى مصر، ويراه تطورا طبيعيا للامور بعد ان عجز النظام السائد قبلها عن التعامل مع تحديات المستقبل. تماما كما حدث فى ثورات الربيع العربى فى ٢٠١١ ولا زال الموقف يتكرر.
أقول : إذا وضعنا أيدينا على مشكلاتنا وإستمعنا إلى الخبراء والمتخصصين، وتوقفنا عن الصراع مع بعضنا البعض وعن خدمة الأعداء الحقيقيين للأمة وركزنا على الانتاج والعمل والاصلاح، يكون ذلك إسهاما فى بناء المستقبل اللائق بنا كدول وكأمة.
وهنا نتقدم كما تقدمت أمم غيرنا، أما إذا ساد فينا الجهلة وأنصاف المتعلمين ولم نحترم أسباب التقدم أو الاصلاح، فنحن نكرس المشكلات والتحديات ونزيد عليها ما لا نستطيع تحمله، وهنا يحدث الانفجار والانهيار والتخلف والارهاب. من كان يتوقع مثل هذا الحديث من وزير المالية أو حتى من وزير الخارجية.
كما أقول هنا: إن العقلية الحاكمة فى العالم العربى وأبرزها عقلية ولى العهد الحالى فى السعودية ، والتى تجد للأسف الشديد دعما من علماء السلطة أو السلطان هى من الأسباب التى تقف وراء هزائم الأمة وتشتتها وضعفها وإحتلال حتى مقدساتها ، وهى التى تقحم بلاد الأمة فى صراعها الدامى وحروبها التى تعددت، ومنها ما يدور فى اليمن وسوريا والعراق وليبيا والصومال وغيرها. عقلية الصراع تقود إلى الدمار،وعقلية إختراع العدو المتوهم والهروب بل والتطبيع مع العدو الحقيقى لا يمكن أن تجلب حلولا صحيحة أو تقدما، بل دمارا وراء دمار ، وتخريبا وراء تخريب. ولعل إستضافة البحرين لما يسمى بصفقة القرن – طبعا- بموافقة بل بتحفيز من السعودية دليل واضح على ما اقول فى هذا المقال .
ارسال التعليق