السلطات السعودية تبني برجا عملاقا بعاصمة السيسي الجديدة
وعلى الرغم من تأزم عمليات تسويق المباني والشقق والفيلات والأبراج الفاخرة بمدينة العلمين والعاصمة الإدارية الجديدتين، لارتفاع أسعارها وكثرة المعروض منها وفق بعض التقارير، فإن حكومة القاهرة تواصل التفكير في إنشاء مشروعات إنشائية عملاقة على غرار 20 برجا يتقدمها البرج الأيقوني بصحراء شرق القاهرة، والأبراج الخمسة في الساحل الشمالي الغربي.
هذه المرة تظهر شركة "ماغنوم العقارية" السعودية لبناء مبنى عملاق تحت اسم برج "فوربس العالمي" بارتفاع 50 طابقا مع بداية العام المقبل وتنتهي منه في 2030، وبتكلفة مليار دولار، فيما يعتمد عمل البرج لأول مرة على استخراج الطاقة من الهيدروجين، ليضم كذلك أنظمة أمان سيبراني متقدمة، ومصعدين فائقي السرعة لكبار الشخصيات، ومهبطا لطائرات الهليكوبتر، بحسب تقرير لصحيفة "نيوزويك" الأمريكية، الاثنين.
الشركة السعودية التابعة للمجموعة الصناعية السعودية "روابي القابضة"، من المقرر أن تبني هذا البرج في البلد العربي الأفريقي الذي يقترب ويقع فيه نحو ثلثي سكانه من خط الفقر والفقر المدقع، فيما تختار الشركة أراضي لبناء برجين متماثلين لاحقا في دبي والرياض، بالبلدين العربيين الأكثر ثراء في الخليج العربي.
وجرى تصميم البرج بالتعاون مع مجموعة "فوربس الإعلامية"، وشركة "أدريان سميث، وجوردون جيل للهندسة المعمارية" ومقرها شيكاغو الأمريكية، مصممة برجي خليفة بالإمارات، وجدة بالسعودية، وفندق ترامب الدولي بشيكاغو.
وكان المعماري العالمي الشهير أدريان سميث وشريكه جوردن جيل، قد قاما بجولة في العاصمة الإدارية الجديدة في نيسان/ أبريل 2022، لهذا الغرض، برفقة الرئيس التنفيذي لـ"مانوم العقارية"، ماجد مرعي.
وتبدأ الشركة السعودية في المشروع قريبا، بحسب تأكيد المدير التنفيذي للمشاريع بالشركة كريم ديهوم، لـ"رويترز"، وذلك بالمدينة المعروف أنها إحدى مدن الجيل الرابع، والتي أُنشئت شركتها بقرار من رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، (رقم 57 لسنة 2016)، بعدما تم الإعلان عن تدشينها بالمؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ آذار/ مارس 2015.
ويظل لافتا هنا عدة نقاط تثير جدلا حول المشروع وتطرح حوله الكثير من الانتقادات، بحسب مراقبين:
أولا: أزمة تسويق تلك العقارات، التي تشهد خمولا في العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، لأسباب عديدة، بينها ارتفاع أسعار المتر في تلك الوحدات والتي حدد رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية خالد عباس، في أيار/ مايو 2023، سعر متر الأرض بها بنحو 50 ألف جنيه بمنطقة الأبراج.
وهو السعر الذي يفوق هذا الرقم حاليا، في المواقع الأخرى خلا البرج الأيقوني وأبراج الحي الحكومي حيث يتراوح سعر المتر بين 30 ألف جنيه 58 ألفا، طبقا للمشروع ومساحة الوحدة وأيضا نظام السداد والتقسيط المناسب، فيما تصل أسعار المتر الواحد من المحلات القريبة من البرج الأيقوني إلى 150 ألف جنيه.
وفي شباط/ فبراير الماضي، كشف تقرير لوحدة الأبحاث العقارية "ذا بورد كنسلتنج"، حول مبيعات أكبر 20 شركة عقارية بالعام الماضي، أن العاصمة الإدارية لا تزال تحتاج مزيدا من الترويج، وأن الإقبال على وحدات القاهرة الجديدة أعلى، موضحا أنه رغم نمو المبيعات بنسبة 111 بالمئة، فإنه نمو يعزى لتضخم الأسعار وليس زيادة عدد الوحدات المباعة.
ثانيا: التكلفة العالية للبرج، بقيمة مليار دولار ، والمبالغ فيها خاصة وأن التكلفة الاستثمارية لباقي حي المال والأعمال الذي تبنيه الشركة الصينية CSCEC، ويضم 20 برجا، تقدر بنحو 3 مليارات دولار، بحسب ما نقله موقع "العربية".
ولا تتوقف الانتقادات من قبل اقتصاديين للتكلفة العالية لجميع مشروعات السيسي، بداية من تكلفة تفريعة قناة السويس الخزينة المصرية نحو 8 مليارات دولار عام 2015، بجانب مشروعات العاصمة الجديدة والعلمين الجديدة وما يرتبط بهما من مشروعات للنقل مثل القطار الكهربائي والمونوريل والقطار الكهربائي السريع، علما بأن أغلبها جرى تمويلها عبر الاقتراض الخارجي.
ثالثا: ويبقى مثيرا للجدل مصدر تمويل المشروع الذي يظل حتى الآن غامضا، والذي قال عنه كبير مسؤولي الاستثمار في "ماغنوم" أحمد قاسم، وبحسب ما نقلت "نيوزويك" إن البرج سيتم تمويله عن طريق "أدوات دين مختلفة"، دون تحديد مصادر أدوات الدين تلك، وما تحمله مصر من خدمة تلك الديون لاحقا.
وتعاني مصر خلال عهد السيسي (2014- 2030)، من تفاقم أزمة ديون خارجية سجلت 153.86 مليار دولار بنهاية أيار/ مايو الماضي، نتيجة الاقتراض الواسع من المقرضين متعددي الأطراف وأسواق الدين العالمية، وبينها صندوق النقد الدولي الذي تعد مصر ثاني أكبر مدين له بعد الأرجنتين.
رابعا: إلى من تؤول ملكية المبنى وعمليات تسويقه وإدارته وطريقة توزيع العوائد منه، والتي تحدث مسؤول الشركة السعودية عن جزء منها، قائلا: "ما زلنا نناقش في المجموعة ما إذا كان ينبغي لنا الاحتفاظ بالملكية الكاملة للمبنى".
وشركة العاصمة الإدارية مملوكة لثلاث جهات، اثنتين منها سيادية، وهي "هيئة المجتمعات العمرانية" بنسبة (49 بالمئة)، و"جهاز الخدمة الوطنية"، و"جهاز أراضي القوات المسلحة"، التابعين للجيش المصرية بنسب 29.4 بالمئة و21.6 بالمئة على التوالي.
ومع توجه السيسي، نحو بيع الأصول العامة والشركات والأراضي المصرية لسداد عجز الموازنة، وتوفير العملة الصعبة لسداد فوائد وأقساط ومتأخرات الديون الخارجية واستحقاقات الشركات الأجنبية العاملة في مصر، واستيراد بعض السلع الأساسية كالقمح، سقطت الكثير من تلك الأصول في أيدي مستثمرين أغلبهم خليجيون، وخاصة من الإمارات والسعودية، التي قررت الشهر الجاري تحويل ودائعها لدى البنك المركزي المصري بقيمة 10.3 مليار دولار إلى استثمارات مباشرة.
وتقع العاصمة الإدارية الجديدة في المنتصف بين إقليم القاهرة الكبرى وقناة السويس حيث تبعد عنهما بـ60 كم، وتقع بمساحة 230 ألف فدان، وبها 20 برجا سكنيا وفندقيا لكن البرج الأيقوني الذي يصل ارتفاعه إلى 385 مترا، ويتكون من 79 طابقا، يعد الأطول بأفريقيا ويضم شققا سكنية، وفندقا، ومكاتب إدارية، وسوقا للذهب، والإلكترونيات، ومجمع سينما ومسرح.
تجريف بكل المستويات:
وفي تعليقه، على بناء "برج فوربس"، بالعاصمة الجديدة، قال السياسي والإعلامي المصري الدكتور حمزة زوبع: "أولا: لا أنظر إلى التنمية أنها بناء عقارات وسوق عقاري؛ فالتنمية أشمل من ذلك، وفكرة أن يكون عندي عاصمة إدارية في الصحراء فهي ليست عاصمة ولا كأي مدينة أخرى أنشأها أنور السادات وحسني مبارك، كمدن السادات أو التجمع".
المتحدث السابق باسم حزب "الحرية والعدالة"، أضاف لـ"عربي21": "لكن النظام أطلق مسميات كبيرة وأنفق مليارات كثيرة ولم يستطيع تسويقها، والإمارات ذهبت إلى (رأس الحكمة) و(العلمين) وسيقومون بتسويقها".
وأكد أنها "ليست مدنا كبيرة بمعنى مدينة، ولكنها مشاريع عقارية لا تُسمن ولا تُغني من جوع، لأنه عند بناء مشاريع عقارية بهذا الحجم فأنت تحتاج إلى رأس مال كبير أو مجتمع ثري أو لديه ملاءة مالية، وأدوات تمويل، تشتري".
ولفت إلى أنه "في العلمين مثلا سعر الشقة يصل إلى 10 ملايين جنيه، فمن سيشتري إلا شخص لديه أدوات تمويلية من الخارج، كشخص يقيم مثلا في الإمارات فيذهب للبنك ويشتري بقرض، ولكن لو حدث هبوط عقاري فلن يتمكن من بيعها وسيكون مدينا للبنك".
المنظور الثاني بحسب زوبع، هو أن "التنمية ليست إدخال أموال بمباني، ولكنها إدخال الأموال بمصانع وشركات تنتج وتصدر وتنتج وتغطي السوق المحلي، ولك أن تتخيل أن مصر التي تمتلك شواطئ 995 كم على البحر المتوسط و1941كم بالبحر الأحمر، والجيش حصل على أموال من ألمانيا والاتحاد الأوروبي لعمل مزارع سمكية يعمل بها الجنود سخرة، استوردت من الخليج عام 2023، أسماك وقشريات بقيمة نحو ربع مليار دولار".
وخلص للقول إن "التنمية ليست بناء أبراج لأن تلك الأبراج عند عرضها على شركات للنصب والاحتيال يسكنها أناس أتوا لأخذ أشياء من مصر، من أين لهم بأموال ليسكنوا برجا تكلف مليار دولار؟، وبكم سيكون سعر المتر؟، ولمن سيبيعه؟ ومن يسكن صحراء كالعاصمة الإدارية؟، بينما الأفضل أن يقيم بمنطقة بحرية كالعلمين أو الغردقة أو أسوان على نهر النيل".
وواصل: "هل يُبنى هذا البرج من ديوننا أو ودائع السعودية، خاصة وأن الرياض تريد أموالها المودعة بالبنك المركزي كما فعلت الإمارات، وبالتالي هناك عدة مناظير مهمة عما يجري، بجانب أن فكرة أنك تبني وتبني وتبني حتى تحدث فقاعة عقارية في بلد يرتفع فيها سعر الدولار".
وأكد السياسي المصري، أننا "أمام نظام لا يُحسن الإدارة، ولا يعرف ماذا يعني الاقتصاد بمعناه التنموي الإنمائي، أيدي عاملة تعمل وتنتج فتغطي احتياجات السوق وتقلل الاستيراد أو تزيد معدل الصادرات فتجلب العملة الصعبة".
وقال: "نحن بلد باعت المصانع والشركات، ولم يعد لدينا شيء، ويقول إنه لن يستطيع تعليم كل المصريين، ويغير في المناهج، ويقلل من قيمة التاريخ والجغرافيا والفلسفة ليصنع عقول حجرية لا تعرف غير اتباع الأوامر، فيتم تجريف مصر على كل المستويات".
ليس هذا باستثمار:
وأعرب الكاتب والمحلل السياسي المصري مجدي الحداد، عن تعجبه من أن "خبراء ومهتمين، من المعارضة والموالاة، اعترضوا واعترضنا جميعا، وكثيرا، وحتى بـُح صوتنا وقلنا إنه ينبغي الاستثمار في أصول تنفق على نفسها، وتسدد قيمة إنشائها من عائداتها، كالاستثمار بصناعات تنافسية وعلى منتجاتها طلب داخلي وخارجي، وتستوعب عمالة كثيفة".
الحداد، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: " ومن عائدات تلك المصانع وتصدير منتجاتها يمكن سداد أقساط قروضها دون تحميل ميزانية الدولة مليما واحدا، بل ويمكنها تحقيق عائدا بعد ذلك أيضا".
وتابع: "إنما أنت مع ذلك مُصر وسادر في تنفيذ مشاريعك الفاشلة، وعلى الرغم من العوامل التي تعطل، ما لم تجمد أصلا أو تؤجل أي عائد عاجل أو آجل ومضمون لها".
وأشار أولا إلى "الاستثمار بصحراء نائية، لا تتطلب طبيعتها واتساع رقعتها إنشاء ناطحات سحاب، بحيث أنه لا يجب أن يتجاوز عدد طوابق البناية الواحدة الـ 4 أو 5 طوابق على الأكثر، مع زيادة عدد المنازل ذات الطابق الواحد، وكما حدث في كل المدن الجديدة، وعلى سبيل المثال حي الشيخ زايد بمدينة الإسماعيلية قبل تعميره كصحراء جرداء".
ولفت ثانيا إلى ما اعتبره "تبديد المال العام، وأي سيولة نقدية بمشاريع عبثية، تحولت لمشروعات خاصة، مع أن الأرض ملك الدولة والشعب، الذي ما انفك يُطرد منها -على الطريقة الصهيونية في مقاربة عجيبة- لإقامة مزيد من البنايات الاستثمارية، ودون إقامة مشروع إنتاجي واحد، في بلد يبيع المشاريع والأصول الناجحة التي تدر دخلا، بأبخس الأثمان".
الكاتب المصري، ألمح ثالثا، إلى أن "الانتقال للمدن الجديدة، وحتى تصير مدنا، قد تستغرق من 25 إلى 30 عاما، كما حدث بمدن الشيخ زايد، والتجمع الخامس، والقاهرة الجديدة".
رابعا تحدث عن "كثرة المعروض من الوحدات السكنية مع قلة الطلب، ما يضطر البائع لتخفيض ثمنها، وأنه إذا كان بحاجة ماسة لسيولة نقدية تنقذه من توقف وخسارة أعماله، ومن ثم خروجه من السوق، فقد يضطر للبيع بالتكلفة أو دون ذلك، وهنا قد تحدث- وهذا أمر حتمي في هذه الحالة- الفقاعة العقارية، وكما حدثت في أمريكا عام 2008".
واستدرك: "لكن نظرا لقوة الاقتصاد الأمريكي- مدعوما بسياسة أمريكية ابتزازية في أحيان كثيرة كطلب الرئيس السابق دونالد ترامب من السعودية نصف تريليون دولار- فاستطاع تحمل عواقب تلك الفقاعة، لكن نظرا لاقتصادنا المتهالك وبفعل سياسات مغرضة وومنهجة، ولم تعد خافية أدت لهذا الوضع، فمثلا تسيطر شركات الجيش على أغلب قطاعاته، دون أن يدخل ميزانية الدولة مليما من تلك المشروعات".
ولا يعتقد الحداد أنه "بوسع الاقتصاد المصري تحمل نواتج تلك الفقاعة العقارية، ما لم تتدخل دول حليفة للنظام لضخ بعض الأموال - ليس حبا فيه، ولكن مقابل ضمان استردادها على الأقل، وحتى لا تحدث سرقات واختلاسات ما لأي تبرعات يفترض أنها موجهة للشعب وليس للنظام - وذلك بالقدر الذي يسمح بتحمل نواتج تلك الفقاعة".
لكن الشيء المقلق بحسب الكاتب المصري، أن "المشروع السعودي سينتهي عام 2030، أي بعد ستة أعوام، فهل هذا يعني أن هذا النظام سيستمر حتى 2030؟ بينما يجب أن يرحل الآن، نظرا لما تسببت فيه سياساته من أخطار وجودية غير مسبوقة في التاريخ على مصر الدولة والشعب".
وختم بالقول: "لذا فإنها لم تكن من فراغ صرخة السياسي المعتقل يحيي حسين عبدالهادي- ابن المؤسسة العسكرية - بضرورة تدخل الجيش لإزاحة نظام بات خطرا حتى على تلك المؤسسة، ناهيك عن الأخطار الأخرى، فلو بقي حتى تلك المدة فقد يباع كل شيء بسوق الخردة إن وجد مشتري، وتصبح مصر أمصارا".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي انتقد البعض الأمر، حيث قال السياسي محمد أبوالغار، ساخرا: "مبروك عليكم المبني الإداري الأيقوني، لينضم للبرج الأيقوني، والجامع الأيقوني، والكنيسة الأيقونية"، في إشارة لأكبر برج وجامع وكنيسة دخلت بهم العاصمة الجديدة موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية.
وانتقد الناشط سيد عبدالعال شاهين، هذا التوجه، قائلا على"فيسبوك": "قمة الفشل عندما يكون الاستثمار العقاري رأس حربة اقتصاد أي بلد، خاصة عندما يكون تريليونات موقوفة بعقارات لم يسكنها أحد في الوقت التي تعاني المصانع والزراعة والتجارة، وبالتالي فرص العمل مشاكل تمويلية".
ارسال التعليق