السلطات السعودية تستنفذ آخر كُروتها بعد السابع من أكتوبر
إن بهتان الموقف السعودي خلال العدوان غير المسبوق على قطاع غزة منذ ما يقارب الثمانية أشهر جعلته يتسلق أي حدث يحصل لصالح القضية الفلسطينية؛ فينسب الفضل إليه دون تقديم أي دلالات أو حجج يشد بها حتى ولو مراهقي مواقع التوصال الاجتماعي أو تدفعهم للالتحاق بالموجة. في آخر تسلّق قام به، ادّعى الذباب الالكتروني السعودي الناشط على منصة "إكس" –المنصة الزرقاء سابقا- أن اعلان ثلاثة دول من الاتحاد الأوروبي عزمها الاعتراف بدولة فلسطينية يعود إلى الجهود السعودية، كيف ولماذا لا أحد يعلم!
تلقّفت الحسابات السعودية الوهمية الحدث ووضعته تحت وسم "#الضغط- السعودي"، وللمفارقة هي حسابات الذباب عينها التي كانت قبل سنوات وحتى ما قبل طوان الأقصى تعلن تبرُّئها من القضية الفلسطينية تحت وسم معاكس تماما "#فلسطين- ليست- قضيتي"، تمهيدا لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي.
تظهر التغريدة أدناه واحد من الأمثلة على تشتت بوصلة الذباب الالكتروني، فالحسابات التي عملت على رواج فكرة التخلّي عن القضية الفلسطينية من قِبل الشعب السعودي لمحاولة تكذيب الواقع والأرقام التي تؤشر على الموقف الشعبي الداعم للقضية والرافض لأي عملية اعتراف بالكيان الاسرائيلي، هي عينها اليوم تهلّل لحكامها الذين "نصروا فلسطين" بعد نسب فضل اعتراف دول أوروبية بدولة للفلسطينيين إلى "جهد ملوكهم".
وآخر ممن سبقوا وهزئوا من القضية بتغريدة تعود لعام 2023:
قبل أن يعود الحساب عينه ويناقض نفسه مغرّدا بأن ابن سلمان قد انتصر للأقصى وأمثال هؤلاء كثر، فقد بات دور الذباب السعودي مفضوحا إلى الحد الذي سقطت فيه عن المراقبين؛ مسؤولية الاستدلال بتبدّل مواقف الذباب وتلوّنها وفق الأوامر والمستجدات.
مقابل هذه الحملة المزيفة من "الضغط السعودي"، حسابات حقيقية كثيرة هزئت منهم، فكان للرسومات الساخرة النصيب الأوفر.
كتبت أحد الحسابات منتقدة الوسم الذي انتشر: "لولا هؤلاء ومظاهرات الطلبه في اوروبا وامريكا ومقاومة حماس وصمود اطفال ونساء غزة لما اعترفت ايرلندا واسبانيا والنرويج بالدوله الفلسطينيه ثم تأتي السعودية التي تمنع رفع العلم الفلسطيني على اراضيها وتسرق كل هذا وتدعي بأنها السبب في اعتراف هذه الدول بفلسطين"
تركي الشلهوب غرّد بجملة "الدول التي اعترفت بفلسطين، اعترفت بسبب الضغط السعودي." مرفقا معها صورة تعبيرية عن حالة الجالسين خلف هذا الوسم:
كما انتشر رسم ساخر يجعل لـ"الضغط" السعودي الدولي بُعدا آخر ممثلا برياضة الضغط أو "البوش آب":
إلى جانب أساليب سخرية أخرى:
وتعليقا على وسم "الضغط السعودي"؛ نشر الحساب الساخر باسم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تغريدة ساخرة تقول: الضغوط السعودية لا تحتمل .. يبدو أني سأستسلم وأعترف بدولة فلسطين
ما من أسباب تبرّر هذا التسلّق إلا شح دوافع "التطبيل"، فخارجيّا ثبت زيف الإدعاء الذي كان ساريا طويلا عن أن "السعودية" سيدة الوطن العربي والحامي لقضاياه، والأمر نفسه في الداخل حيث تتوالى تكشّفات عجز رؤية 2030، حتى بات كل ما في وسع هذا النظام الحاكم أن يعتقل ويعدم وينكّل بأحرار البلد من جهة، وأن يفعّل ماكينته الالكترونية لتبجيل إنجازات وهمية من جهة أخرى.
بعد أن كانت مسألة التطبيع "في جيبة" ابن سلمان دون تقديم أي مقابل ولو رمزي للقضية، أتى طوفان الأقصى وجرف معه صفقة الخذلان. فاضطرّت السعودية إلى أن تعيد صياغة تحركاتها وفقا لهذا المتغيّر، فتحوّلت من "فلسطين ليست قضيتي" إلى ادعاء العمل على انتزاع الاعتراف الدولي بفلسطين.
ومع أهمية الحدث، إلا أنه وفي جولة سريعة على مواقف بعض دول الاتحاد الأوروبي من مسألة وجود دولة فلسطينية إلى جانب وجود كيان إسرائيلي، يتبين أن الخطوة التي أُعلنت مؤخرا ليست بالمعجزة التي تتطلب "ضغوط" دولية. فسبق للسويد أن اعترفت بدولة فلسطين منذ عام 2014 وكانت حينها أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي في أوروبا الغربية تعترف بفلسطين.
إلى جانب ذلك، كانت اعترفت بفلسطين في وقت سابق 6 دول أوروبية أخرى هي بلغاريا وقبرص والجمهورية التشيكية والمجر وبولندا ورومانيا.
جدير بالذكر أن مواقف النوريج وإيرلندا وإسبانيا هي في الأصل غير متشددة إلى جانب الكيان الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال واصلت النرويج تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) رغم أن توقفت عدة دول أخرى عن القيام بذلك بعد ادعاءات إسرائيل بأن نحو 12 من موظفي الوكالة كان لهم دور في إنجاز عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي.
لا يمكن قراءة التهليل السعودي الذي حصل على خلفية الاعترافات الأخيرة بدولة فلسطينية، بمعزل عن حقيقة أن هذا الاعتراف ناقص؛ بنقصان الجواب على تساؤل "بأيّ فلسطين تعترفون؟"، بفلسطين منزوعة السلاح وناقصة جغرافيا ومجاورة لأكثر الأنظمة تسليحا وإرهاباً في العالم؟. هذا التهليل تفحّ منه رائحة اشتهاء رؤية فلسطين دون مقاومة تعمل على استعادة حقوق فلسطين الكاملة، كما تفح منه رائحة المعاجلة لإنجاز التطبيع والاعتراف بكيان إسرائيل والحصول على ضمانات عسكرية أميركية وتجديد عقد السيطرة على أرض شبه الجزيرة العربية.
ارسال التعليق