هل تعلم
السلطات السعودية تعلن عن خيبتها وقف مشاريع ابن سلمان
بعد سنواتٍ من الوعود الضخمة والعروض المبهرة، يبدو أن السعودية تعيد حساباتها بشأن مشاريعها العملاقة التي شكّلت جوهر «رؤية 2030» وتضطر لضغط زر التوقّف المؤقت لمشاريع التحوّل العملاقة.
فوفقًا لتقرير نشرته صحيفة التايمز البريطانية، بدأت الرياض في إبطاء وتيرة تنفيذ مشروع التحوّل الاقتصادي الذي تبلغ قيمته التقديرية أكثر من تريليوني دولار، بعد أن واجهت عجزًا متزايدًا في الميزانية وضغوطًا مالية ناتجة عن تراجع أسعار النفط.
يقول أحد المسؤولين السعوديين في حديث خاص للصحيفة: “أنفقنا مبالغ طائلة. كنا نندفع بسرعة 100 ميل في الساعة، لكننا الآن نعاني من عجز في الميزانية. علينا إعادة ترتيب أولوياتنا”.
تشير مصادر التايمز إلى أن الحكومة السعودية تعمل خلف الكواليس على “وقف مؤقت” لاستراتيجية رؤية 2030، في محاولة لإعادة توجيه الموارد نحو القطاعات الأكثر إلحاحًا مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم أكد هذا التحول بقوله: “نحن نعيد ترتيب أولوياتنا قليلًا نحو القطاعات التي تحتاج إليها أكثر، واليوم تأتي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المقدمة.”
أما وزير الاستثمار خالد الفالح فأقرّ بصراحة: “المشاريع العملاقة تستنزف موارد الحكومة بشكل كبير.”
وفي ظلّ هذا التغيير، يعترف أحد المستشارين البارزين لولي العهد محمد بن سلمان بأن الضغوط المالية دفعت الرياض إلى تبني نهج أكثر واقعية.
وقال المستشار الأمريكي جيري إنزيريلو، الرئيس التنفيذي لمشروع «الدرعية»: “رؤية 2030 استندت إلى سعر نفط يبلغ نحو 100 دولار للبرميل، لكن الواقع اختلف، وهذا يُجبرنا على أن نكون أكثر تحفظًا. ما يجري ليس تقليصًا، بل تصحيح مسارٍ براغماتي.”
يُعدّ مشروع نيوم ومكوناته — من بينها “ذا لاين” و”تروجينا” و”سندالة” — رمزًا لطموح ولي العهد في بناء اقتصاد ما بعد النفط. لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن هذا الطموح يمرّ بمرحلة إعادة تقييم.
تروجينا (Trojena): المنتجع الجبلي الثلجي الذي كان من المفترض افتتاحه عام 2029 لن يكتمل في موعده. وأكد مسؤول سعودي للتايمز أن المشروع سيُؤجل إلى ما بين عامي 2032 و2033. وبدلًا من استضافة السعودية لألعاب 2029 الشتوية، تستعد كوريا الجنوبية لتولي التنظيم.
المربع الجديد (New Murabba): المشروع الذي تبلغ تكلفته 50 مليار دولار في قلب الرياض، لن يكتمل قبل عام 2040. وقال مايكل دايك، الرئيس التنفيذي البريطاني للمشروع: “اتخذنا قرارًا بالتباطؤ مؤقتًا قبل التسريع لاحقًا. أسوأ ما يمكن فعله هو إثارة الضجة قبل أن تتوفر لدينا النتائج الفعلية.”
سندالة (Sindalah): المشروع السياحي الفاخر الذي أُقيم على البحر الأحمر أُغلق بعد فترة قصيرة من افتتاحه التجريبي. وأفاد التقرير أن ولي العهد ألغى المشروع بعد غضبه من «عيوب في التصميم» و«الإنفاق المفرط»، بما في ذلك استخدام جلد تمساح نادر في الديكورات الداخلية.
على الرغم من الضجيج العالمي حول مشروع «ذا لاين»، يعترف كبار المسؤولين بأنه أُسيء تقديم المشروع كمدينة جاهزة للسكن بدلًا من كونه تجربة مستقبلية.
قال إنزيريلو: “كان من الأدقّ اعتبار ذا لاين مختبرًا لجودة الحياة في عام 2040، وليس مشروعًا عقاريًا تجاريًا.”
ويضيف أحد رجال الأعمال السعوديين، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، تعليقًا لافتًا: “نقطة ضعفنا كانت المبالغة والبهرجة. أسمّيها ‘داء دبي’. انتقل إلينا من دبي، وأصبح كل شيء فيديو برّاقًا. الضجيج الإعلامي غطّى على التقدم الحقيقي في الإصلاحات الاقتصادية.”
تزامنت هذه التعديلات مع عجز متزايد في الموازنة العامة، ما أجبر الحكومة على مراجعة وتيرة الإنفاق. وقال أحد المسؤولين السعوديين على هامش منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض: “نحتاج إلى عامين أو ثلاثة من ارتفاع أسعار النفط لسداد ديوننا. لكني متفائل بأن الارتفاع قادم.”
ورغم أن بعض المراقبين يرون أن المملكة حمّلت نفسها فوق طاقتها في سباق المشاريع العملاقة، فإن المسؤولين المقربين من ولي العهد يصرّون على أن ما يجري لا يعني التراجع عن الطموح، بل إعادة توازن واقعية.
“لم يُلغَ أي مشروع. الطموح ما زال كما هو، لكننا أصبحنا أكثر وعيًا بحدود قدرتنا على التنفيذ”، قال إنزيريلو مضيفًا أن “الأهم هو التكيّف، وليس التراجع.”
في ختام تقريرها، تقول التايمز إن ما يحدث اليوم يمثل أول اختبار جدي لواقعية رؤية 2030 بعد سنوات من الزخم الإعلامي والإنفاق الهائل. فبينما تتحدث الحكومة عن “إعادة ترتيب الأولويات”، يرى مراقبون أن الحقبة الجديدة تتسم بتراجع البهرجة، وصعود الحسابات الباردة.
ويبدو أن السعودية تتجه إلى مرحلة “هدوء بعد العاصفة”، تعيد فيها رسم مسارها الاقتصادي بعيدًا عن العناوين الصاخبة ومقاطع الفيديو المبهرة.
فكما قال أحد المسؤولين: “الوقت الآن للعمل الواقعي لا للعروض الضوئية. لقد أصبنا بداء البهرجة، وحان وقت العلاج.”
ارسال التعليق