السلطات السعودية تواجه معضلة صعبة بإقناع المستثمرين الاجانب بترك دبي
"تهدف الإجراءات الجديدة إلى جذب الاستثمار الأجنبي والعمال، وهي جزء من طموح محمد بن سلمان لفتح البلاد أمام الأسواق الدولية"
اعتبر تقرير لموقع “بلومبيرغ”، أنّ سعي المملكة العربية السعودية لإقناع المغتربين للتخلي عن دبي بدأ بدايةً صعبة، إذ يريد ولي العهد محمد بن سلمان تحويل الرياض إلى أحد أكبر 10 اقتصادات في العالم بحلول عام 2030.
وجاء في التقرير أنّ ويل براون، المدير التنفيذي للمخاطر العالمية المقيم في دبي، والذي يسافر إلى الرياض للعمل منذ ما يقرب من سبع سنوات، بدأ في ملاحظة تغيير في رحلته التي تستغرق ساعتين إلى العاصمة السعودية.
بدلاً من المجموعة المعتادة من الذكور الذين يشكّلون المجموعة السكانية الهائلة من المهنيين الذين يسافرون إلى السعودية، هناك الآن نساء وأطفال على متن الطائرة.
قال براون، البالغ من العمر 49 عاماً، الذي يسافر عادة إلى الرياض في أسبوع العمل في المملكة من الأحد إلى الخميس: “الطائرة ليست مجرد رجال بيض في منتصف العمر يسافرون يوم الأحد، لقد بدأت في رؤية الناس ينتقلون مع عائلاتهم”.
سينتقل براون وعائلته قريبًا إلى الرياض بدوام كامل، لأنّ صاحب عمله “كونترول ريسكس”، وهي شركة استشارية عالمية للمخاطر، يؤسّس مقرًا إقليميًا لها هناك.
تريد الشركة الامتثال للقواعد السعودية الأخيرة التي تقيّد كيانات الدولة من ممارسة الأعمال التجارية مع الشركات الدولية التي ليس لها مقرّ إقليمي في البلاد بحلول يناير 2024، حتى لو كان ذلك قد يتطلب خطوة إلى الوراء فيما يتعلق بنوعية الحياة لموظفيها.
تهدف الإجراءات الجديدة إلى جذب الاستثمار الأجنبي والعمال، وهي جزء من طموح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لفتح البلاد أمام الأسواق الدولية، ووضع العاصمة بين أكبر 10 اقتصادات في العالم ومضاعفة عدد سكانها إلى 15 مليونًا على الأقل بحلول عام 2030، على الرغم من العديد من العوائق التقليدية المتعلقة بصرامة المملكة في تفسير الشريعة الإسلامية.
لم تمرَّ هذه الخطوة دون أن يلاحظها أحد في دبي، مركز الأعمال والسياحة الرئيسي في الشرق الأوسط، والتي لطالما كانت الخيار الافتراضي للمغتربين.
قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، إنه ابتداءً من نهاية عام 2022، تقدّمت ما يقرب من 80 شركة بطلبات للحصول على تراخيص لنقل مقرها الرئيسي إلى الرياض، مضيفًا أنّ المدينة ستصبح “العاصمة الكبرى للشرق الأوسط سياسياً واقتصادياً”.
لكنّ السؤال الكبير هو ما إذا كانت الرياض مستعدة من وجهة نظر البنية التحتية والإسكان ونمط الحياة وحتى وجهة النظر الإدارية لتدفق العمال الأجانب ذوي الياقات البيضاء وعائلاتهم.
وبالمثل، هناك علامة استفهام معلقة حول ما إذا كان الناس مستعدين للتخلي عن دبي الأكثر حرية والعالمية نسبيًا -وإن كانت أكثر تكلفة- للانتقال إلى هناك.
السعودية متأخرة عن البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة كوجهة مرغوبة للوافدين، وفقًا لتصنيف HSBC.
من المؤكد أنّ المملكة الغنية بالنفط لا تفتقر إلى المال لإجراء التغييرات اللازمة، ولكن الأدلة حتى الآن تشير إلى أن هناك طريقاً طويلاً أمامه لتقطعه.
على الرغم من التخفيف الأخير لبعض القواعد، فإنّ الكحول والعلاقات خارج نطاق الزواج والمثلية الجنسية هي “جرائم أخلاقية” يعاقب عليها القانون، وهناك خيارات محدودة عندما يتعلق الأمر بالمناطق السكنية ذات النمط الغربي والمدارس الدولية.
وبينما سُمح لنجم كرة القدم كريستيانو رونالدو بالعيش مع صديقته جورجينا رودريغيز بعد انضمامه إلى فريق كرة قدم سعودي العامَ الماضي، حصل عدد قليل من الآخرين على نفس الامتياز.
يشكو الأجانب أيضًا من طول الوقت الذي يستغرقه الحصول على تأشيرة عمل، حتى عندما يكون الحصول على تصاريح السياحة أسهل.
قال متين ميتشل، الذي يرأس شركة توظيف تنفيذية كان يعمل في السعودية منذ عام 1995: “هناك تحديات في البنية التحتية وهنا ستكون هناك مشكلات في النمو، والتأكد من توفر مساكن كافية، والمياه، وما إذا كان نظام الطرق يمكنه التحمل وما إلى ذلك”.
تمّ الإعلان هذا العام عن مشاريع عقارية براقة ومستقبلية في الرياض وحولها مثل المكعب -الذي وصف بأنه “أول وجهة تجريبية غامرة في العالم”، والذي سيضمّ مساحات تجارية وسكنية وتجارية وثقافية- ولكنّ المخطط الرئيسي الذي طال انتظاره لتوسعة الرياض قد تمّ تأجيله عدة مرات.
نظام المترو، الذي كان من المقرر أن يكتملَ بحلول عام 2019، لم يفتح بعد، وتتجلى بوادر الاضطرابات أيضًا في إقالة رئيس الهيئة الملكية لمدينة الرياض مؤخرًا، وهي الجهة المسؤولة عن تنفيذ المخطط الرئيسي، مما يشير إلى إحباط ولي العهد بسبب عدم إحراز تقدم.
ولم تستجب الهيئة الملكية لمدينة الرياض لطلبات متعددة للتعليق، على الرغم من أنّ وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم قال لتلفزيون بلومبرج: “الرياض جاهزة اليوم وستكون جاهزة غدًا عندما يأتي المزيد من الناس”.
على أرض الواقع، أدى العجز السكني الذي يلوح في الأفق في الرياض، إلى ارتفاع تكاليف الإيجار بشكل كبير.
ارتفعت المدفوعات السنوية لشقة من غرفتي نوم في أحد أفضل الأحياء في الرياض بنسبة 12٪ تقريبًا خلال العام الماضي، لتصل إلى نحو 181 ألف ريال سعودي (48،260 دولارًا أمريكيًا)، وفقًا لفيصل دوراني، الشريك ورئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط في نايت فرانك، شركة الوساطة والاستشارات العقارية العالمية.
وأوضح أنّ ذلك يرجع إلى عدد من العوامل: انتقال المزيد من المهنيين الأجانب إلى الرياض، ومحدودية توفر المجمعات السكنية التي يفضلها الغربيون بسبب قواعد اللباس المتراخية، ووجود الصالات الرياضية وحمامات السباحة فيها، والاتجاه المتزايد بين الشباب السعودي للانتقال الى الرياض حيث فرص عمل.
كما أصبح من الصعب على المرشحين للوظائف في السعودية المطالبة برواتب باهظة مقابل الانتقال، مما يقلل من الحافز للذهاب.
لقد تسبّب تباطؤ الاقتصاد العالمي والتسريح الجماعي للعمال في بعض الشركات الدولية في منح أرباب العمل السعوديين والمتعددي الجنسيات مزيدًا من النفوذ، وفقًا لكريس ريا، المدير المساعد في شركة مايكل بيج للتوظيف في السعودية.
قال ريا: “لم يعد الأمر يتعلق بالمطالبة بزيادة بنسبة 50٪ للانتقال، راي شخص يقول ذلك الآن فإنه يعني أنه يقول لا في الوقت الحالي”، مضيفًا أنّ الموظفين الذين ينتقلون إلى الرياض من دبي لا يزال بإمكانهم الحصول على زيادات في الأجور من 20٪ -25٪.
قال أحد كبار المنتجين في شركة mbc الإعلامية السعودية، التي تخطّط لنقل معظم موظفيها من دبي إلى مقرها الجديد في الرياض بحلول عام 2024، إنه وآخرين يحصلون على زيادات في الرواتب تتراوح بين 35٪ و40٪ على الأقل وضمانات بالاحتفاظ بوظائفهم لمدة خمس سنوات، ومع ذلك لا يزال كثيرون يخشون هذه الخطوة.
قال المنتج، الذي رفض ذكر اسمه للتحدث بحرية عن مخاوفه، إنك في دبي مغترب مثل غالبية الناس، لكن في الرياض عليك التعامل مع عقلية محلية. بحسب ما ترجم الصحفي زيد بنيامين.
قالت امرأة أوروبية تعمل في قطاع الضيافة الآخذ في الاتساع في المملكة، إن معظم المغتربين لن يكونوا مستعدين لنمط الحياة الذي تنطوي عليه الرياض وتقول إنها انتقلت إلى العاصمة السعودية من دبي قبل عام، وتذكر عدم قدرتها على ممارسة المسيحية بحرية والحظر الشامل للكحول كعوامل.
لقد تغير الكثير ومع ذلك، فقد تغيّر الكثير في المملكة العربية السعودية.
انضمت النساء إلى القوى العاملة بأعداد كبيرة بعد أن ألغى ولي العهد الأمير محمد قواعد اللباس الصارمة، والفصل بين الجنسين، وقيود القيادة والسفر كما أنه حدّ من سلطة المؤسسة الدينية المتطرفة التي سعت إلى فرض مراسيمها بالقوة على الجميع، مواطنين وغير مواطنين.
لكن في الوقت نفسه، يجب على الأجانب القادمين إلى المملكة أن يتذكروا أن أي انتقاد للقيادة والنظام يمكن أن يؤدي إلى الطرد أو السجن أو ما هو أسوأ.
تفرض الإمارات قيودًا مماثلة على حرية التعبير، لكنها ألغت تجريم المعاشرة، وسمحت بالزواج المدني، وألغت رسوم تراخيص المشروبات الكحولية.
نظرًا لأن دبي أصبحت مدينة أكثر تسامحًا، فقد يبدو الانتقال إلى الرياض بمنزلة تراجع.
بالنسبة للآخرين، هناك عواقب من نوع آخر.
براون، المسؤول التنفيذي في شركة كونترول رسكس، والذي يخطط للانتقال إلى الرياض خلال العام المقبل، يحاول اكتشاف طريقة لأخذ كلابه معه: هاسكي وسلوقي وسلالة مختلطة، حيثُ يعتبر جلب الحيوانات الأليفة إلى الرياض أكثر تقييدًا بكثير من دبي.
ارسال التعليق