السلفية التكفيرية تستهدف حاضر ومستقبل مصر
ما يحدث في العراق ومصر وليبيا وسوريا وافغانستان وباكستان ونيجيريا ومالي والصومال وغيرها من الدول العربية والاسلامية من حروب ونزاعات وصراعات تم تلوينها باللون الطائفي من قبل قوى تضمر الشر للعرب والمسلمين، دفع محبي مصر واهلها، في العالمين العربي والاسلامي، الى دق ناقوس الخطر، من تفشي ظاهرة الطائفية، التي تسللت الى المجتمع المصري منذ سبعينات القرن الماضي، واخذت تهدد امن واستقرار مصر واهلها.
ما يحدث في الدول العربية والاسلامية التي اشرنا اليها، هي التي دفعت هذه الاصوات للتحذير مما سيحدث لمصر لا سمح الله، فظاهرة الطائفية تسللت الى تلك الدول في البداية، عن طريق اشخاص يعدون على اصابع اليد الواحدة، الا انهم كانوا يمتلكون موارد مالية ضخمة، جعلتهم يتكاثرون وينفذون الى جسد الدولة والمجتمع والمؤسسات والمراكز الحساسة كالجامعات والجوامع واسسوا لهم منابر اعلامية ضخمة، وساعدهم في ذلك ان حقيقتهم لم تكن مكشوفة حينها كما هي اليوم، فلم يكونوا يتدخلون في اي شان من شؤون المجتمع السياسية والاجتماعية، وكل همهم كان نشر دعوتهم في هدوء ودون استفزاز، وهذا بالضبط ما يحدث اليوم في مصر، حيث انتقلت الجهات التي كانت ترفع لواء “الدفاع عن الصحابة والسلف ” من مرحلة الدعوة، الى تنفيذ هذه الدعوة، وتمكنت في تسميم بعض العقول، التي بدات بتنفيذ ما تراه واجبا دينيا، ولما كان هذا الواجب في العقيدة السلفية، لا يعني البناء والعلم والتطور الاقتصادي والاجتماعي، بل التكفير وزرع الاحقاد والكراهية وتقسيم عباد الله بين مسلم (سلفي) و كافر ومرتد ومشرك (غير سلفي ) ، فكانت التفجيرات والاغتيالات التي شهدتها مصر منذ عقود وتضاعفت في السنوات الاخيرة، واستهدفت جنودا ومسيحيين واتباع اهل البيت عليهم السلام، وكل ما يخالفهم من المسلمين السنة.
لما كانت التنظيمات السلفية، معروفة بنفورها من اي راي يخالف عقيدتها حتى في ابسط الاشياء، ويتضاعف هذا النفوراذا كان الاخر يحمل عقيدة اهل البيت عليهم السلام، فعندها سيجن جنونها، وهو ما ظهر جليا في الدعوة التي اطلقها رئيس ما يسمى ائتلاف “الدفاع عن الصحب والآل” علاء سعيد، الذي طالب فيها برفع دعاوى قضائية بسبب عرض كتب تتناول عقيدة اتباع اهل البيت عليهم السلام في معرض القاهرة الدولي في دورته الحالية التي بدات في 26 كانون الثاني/ يناير وتستمر حتى 10 شباط الحالي.
سطوة التنظيمات السلفية التكفيرية في مصر تكشفت بالتزامن مع معرض القاهرة، فتهديدات السلفي الوهابي علاء سعيد نُفذت على الارض وبسرعة حيث تفاجأ بعض المسؤولين عن دور النشر اللبنانية في المعرض، بظاهرة فريدة من نوعها تمثلت بقيام عناصر من الأمن المصري على توقيف أحد الموظفين اللبنانيين على خلفية وجود كتاب يتناول مذهب اهل البيت عليهم السلام، قبل أن يتم الإفراج عنه بعد ساعات، كما أغلقت الهيئة المصرية العامة للكتاب، المنظمة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، داري نشر هما “دار القدس” و”دار آل ياسر” ، بعد أن حررت شرطة المصنفات بلاغا ضدهم لبيعهم كتبا عن اهل البيت عليهم السلام، في وقت أكد مدير إدارة مكافحة جرائم المطبوعات بالإدارة العامة لمباحث المصنّفات أشرف مأمون، أن الإدارة “ضبطت كتبا شيعية” داخل الجناحين، مشيراً إلى أنهم قاموا بهذا الإجراء الإداري لـ”عدم نشر الفكر الشيعي داخل مصر”!!.
الطامة الكبرى، ان السلفية التكفيرية برموزها المعروفة في مصر، جاهلة حتى بالتراث الروحي والفكري لمصر، فهذا وليد إسماعيل، منسق ما يعرف ائتلاف الصحب وآل البيت، شن هجوما على معرض القاهرة للكتاب لانه تجرأ وعرض كتاب “نهج البلاغة” للامام علي عليه السلام ، وكتاب “بحار الانوار” للعلامة المجلسي، وكتاب “تفسير الميزان” للعلامة محمد حسين الطباطبائي، بينما حتى جهلاء هذه الامة يعلمون ان مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده كتب تفسيرا لكتاب “نهج البلاغة” قبل ان تتسلل الوهابية الى مصر.
السلفية التكفيرية لم تحصر نشاطها في معرض القاهرة، فقد عممت نشاطها على عموم مصر، حيث اعلن وليد إسماعيل عن بدء حملة جديدة باسم ائتلاف المسلمين للدفاع عن الصحب، مهمتها القيام بزيارة المكتبات على مستوى الجمهورية “للبحث عن كتب الشيعة” وأى كتب سيتم العثور عليها سيتم إبلاغ السلطات عنها لمصادرتها، وانه سيكون هاشتاج الحملة “مصر خالية من الكتب الشيعية!!.
هذا الموقف المرتعد والخائف والمرعوب للسلفية التكفيرية امام عقيدة اهل البيت عليهم السلام، لا يكشف تهافت العقيدة الوهابية فحسب، بل يكشف دورها المشبوه في ضرب كل عناصر القوة في الامة وفي مقدمتها “الوحدة الاسلامية ”، فالسلفية لا ترى في الصهيونية خطرا يهدد الامة، بل ترى في “الوحدة الاسلامية” خطرا داهما يتهدد عقيدتها الفاشلة، فهذا السلفي التكفيري سامح عبد الحميد، القيادي بالدعوة السلفية، يعلن جهارا نهارا رفضه لاي تقريب بين المذاهب الاسلامية، وشن هجوما على الدكتورالجليل الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، لدعوته للتقريب بين السنة والشيعة، فهو يرى : “ان الكثير من دعوات التقريب بين السنة والشيعة، هدفها تشييع أهل السنة، وغزو المجتمع السني .. ولا يوجد حل وسط بين السنة والشيعة .. وأن الحل يكمن في ضرورة اتباعهم القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، معتبرا أن الوحدة بين السنة والشيعة، لن تكون إلا بنهي الشيعة عن معتقداتهم الباطلة”، ترى اليس ما تفعله “داعش” اليوم في ديار المسلمين، الا تطبيقات عملية لهذا الفكر التكفيري الالغائي الاقصائي، والداعي الى اشعال الحروب والصراعات في المجتمعات الاسلامية لصالح الصهيونية العالمية؟.
يرى الكثيرون ان سبب الهجمة الشرسة ضد اتباع اهل البيت في مصر من قبل السلفية التكفيرية، هو الحصول على التمويل من الخارج، بمعنى انه كلما سمموا الاجواء الهادئة في مصر ونشروا الكراهية والحقد والبغضاء بين المسلمين وحاربوا كل جهد يصب في صالح زرع الوئام والمحبة بين المسلمين، كلما حصلوا على تمويل خارجي اكبر، وهذه الحقيقية كشفتها فضيحة السلفية التكفيرية في معرض القاهرة للكتاب هذا العام، فجميع الكتب التي اعتبرتها السلفية التكفيرية “ممنوعة” واستخدمت نفوذها في بعض اجهزة الدولة لمصادرتها، هي كتب كانت معروضة في معرض القاهرة في الاعوام السابقة، فهي ليست حديثة الإصدار، وفي اسوء الحالات حتى لو منعتها السلفية، عندها يتم مصادرة الكتاب المعني، وبالتالي لا يجب توقيف أحد للتحقيق معه وسؤاله عن مكان سكنه في لبنان أو طائفته، كما حصل هذا العام.
حجم التمويل الذي حصلت عليه الجماعات السلفية التكفيرية في مصر جعلها اكثر قوة وتاثيرا، وظهر ذلك جليا من خلال تصريحات رئيس الهيئة العامة للكتاب هيثم الحاج علي، عندما اكد أن الهيئة ليس لها أي صلاحية قانونية بمصادرة أو رفع بعض الكتب، فهذا الاجراء قد يعرضها لدعاوى وطلب تعويضات، وأنها لا تملك صلاحية لرفع أي كتاب إلا بحكم قضائي” ، ولكن الوهابية التكفيرية فعلت ذلك، واثبتت انها فوق القانون.
ان على النخب المصرية ان تدق ناقوس الخطر، قبل ان تخرج الامور عن السيطرة، فالسلفية التكفيرية لا تستهدف اتباع اهل البيت حصرا، فاتباع اهل البيت هم اعداء ثانويين للسلفية التكفيرية، وعدوهم الرئيسي هو الاسلام، فما فعلته السلفية التكفيرية في ليبيا والصومال ومالي وفي سيناء مصر، حيث لا وجود لاتباع اهل البيت هناك، يؤكد هذه الحقيقة، فالسلفية التكفيرية هي معول لهدم الدول والمجتمعات، وكثيرا ما تستهدف في بداية تحركها الحلقات الاضعف في المجتمعات التي تنتشر فيها، مثل الاقليات المذهبية والدينية والعرقية، من اجل كسب الانصار، وعندما يستفحل امرها، تنقض على المجتمع برمته وتحوله الى ساحة للفوضى والدمار والخراب، لذا على النخب المصرية توعية الشباب المصري وتحذيره من الوقوع في فخ الطائفية، فامتناع اعضاء المنتخب المصرى لكرة القدم من أداء صلاة الجمعة فى مسجد للمسلمين الشيعة في فى “الغابون”، واشادة رموز السلفية التكفيرية في مصر بموقفهم، هو عوارض لحالة مرضية خطيرة جدا، لا ترى في الكيان الصهيوني عدوا للعرب والمسلمين، وان بالامكان اقامة علاقات رياضية وفنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وحتى عسكرية وامنية مع الصهاينة المجرمين مغتصبي القدس والمسجد الاقصى، ولكن ترى في صلاة الشاب المصري في مسجد لاخوانه المسلمين الشيعة كفرا وشركا، وصدق الاستاذ راسم النفيس عندما قال إن بعض الدول الخليجية أنفقت مليارات الدولارات في حملات إعلامية لشيطنة الشيعة، حتى يتحول الصراع في المنطقة من عربي-إسرائيلي إلى سني-شيعي، وأن الشعوب العربية تأثرت بهذه الحملات وأصبحت ترى الشيعة أشد خطرًا على الأمة العربية من الصهاينة.
ارسال التعليق