الشامتون والسنوار
بقلم: عبدالناصر بن عيسى...
في الحرب العالمية الصهيونية على أبطال المقاومة، لا يوجد فقط، كما عهدنا سابقا أو كما يبدو في الصورة الخارجية، عدوٌّ بأذنابه يبيد ما يدبّ في الأرض، ومقاومة فريدة وحيدة، تفتّت الصخر، وإنما هناك شعب صامت، وخاصة جيش كبير من الشامتين، الذين يترصدون الأخبار مثل “نساء صقلية”، ينتظرون أخبارا، تثلج صدورهم، خاصة إذا تعلّق الأمر، باستشهاد أحد أبطال المقاومة.
وإذا كان التعريف اللغوي العريق للشماتة، قد ربط هذه الخصلة المنبوذة بالجُبن، فقد قيل دائما إن الفارس المغوار لا يشمت في ضحيته عندما يجهز عليها، بل إن أكبر الجبابرة والظالمين في العالم، ما كانوا يشمتون في ضحاياهم من الأبرياء، كما يفعل حاليا الكثيرون من المحسوبين علينا، فيستكثرون على هؤلاء الأبطال أن نترحم عليهم، وبقدرة قادر يتحوّلون إلى علماء فقه، يعلكون فتاوى عُجنت في مخابر بني صهيون.
لم يطلب يحيى السنوار في حياته المساعدة من أحد، ولم يقل أبدا إنه وحده على حق، فقد عاش سنوات طويلة في السجون الصهيونية، ولم يقل فيه أيّ عالم كلمة حق، وعندما خرج من السجن راح يجتهد بمفرده بعيدا عن مغريات الحياة، ليحارب وحده من يريدون هدم بيت المقدس، واستعمار بلاد العرب والمسلمين، وحتى عندما استُشهد لا أحد تركه يهنأ في مثواه.
كانت الأمة مصابة بوباء ابتعاد الناس عن الجهاد المفروض على كل مسلم ومسلمة دفاعا عن الأرض والعرض، ولكن مصابها الآن جلل، بعد أن ظهر أناس من شيوخ وقادة وعامة الشعب، يُكفّرون المجاهدين، وإذا استُشهدوا يشمتون بهم، ويلعنونهم ويحرّمون الصلاة على أرواحهم والترحُّم عليهم، حتى صار في الأمة دينان لا يلتقيان، أو أمتان على خطين متوازيين.
أيّ بؤس هذا الذي وصلنا إليه، فقد عاشت الأمة الإسلامية الفتن، منذ ما بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، إلى سقوط بلدان الإسلام بين أنياب الاستعمار، ولكن الأمور لم تصل قطّ إلى هذا الحد الذي صرنا نجد فيه مشاعر محسوبين على الإسلام ومنهم دعاة وأئمة، مختلطة بمشاعر الصهاينة، يلتقيان على فرح واحد وفي قرح واحد، ويضيفون على فرحته، شماتة، وعلى قرحهم، نحيبا.
أي بؤس هذا الذي تحوّل فيه إتيان الشر، من السر إلى الجهر، ولبس ثوب الدين بعد السياسة، فقد كان بعض الشيوخ يخوضون في أحكام الطلاق وحرمة لبس الذهب للرجال، كلما اندلعت حرب بين المقاومة والصهاينة، ولكنهم هذه المرة صاروا يُخرجون كل كتب الدين، ويجتهدون بتكفير أبطال المقاومة، وكان الدور هذه المرة على رجل لا يعرفهم، عاش لأجل الأقصى، ومات في ساح المعركة، كما استُشهد مصعب بن عمير وحمزة بن عبد المطلب وعمر المختار والعربي بن مهيدي والشيخ ياسين…للأسف، صدق بايدن هذه المرة، عندما قال؛ “إن تصفية يحيى السنوار، تمثّل يوما جيدا لإسرائيل والولايات المتحدة والعالم”، فهو يعني “أناسا” بأعينهم، بكلمة العالم.
ارسال التعليق