القرضاوي وآل الشيخ: أزمة قطر كشفت المستور
د.كاطم ناصر
الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والشيخ عبد العزيز آل الشيخ رئيس هيئة كبار العلماء في السعودية وجهان لعملة سياسيّة واحدة. الأول معروف بانتمائه للإخوان المسلمين وولائه لدولة قطر ودفاعه عنها، والثاني معروف بولائه للنظام السعودي ودفاعه المستمر عنه واصداره الفتاوى اللازمة لأسلمته وهّابيا وتبرير ممارساته الدينيّة والسياسيّة.
الرجلان أبليا بلاء حسنا في دعم الدكتاتوريّات والأنظمة الوراثية العربية، وساهما في بثّ فكر" طاعة ولي الأمر" كجزء من الدين وطاعة إرادة الله، وباركا " عاصفة الحزم " السعودية الاسلامية الأمريكية، وأفتيا بجواز التعامل مع أمريكا والغرب لتدمير العراق واليمن وسوريا وليبيا، وتجاهلا هرولة دول الخليج إلى تل ابيب، ولم يعترضا على الاستسلام الرسمي العربي لعجرفة نتنياهو، وساهما في إرسال جيش من المجاهدين للقتال في سوريا لتحريرها من السوريين، ولم يساهما في إرسال جهادي واحد لتحرير القدس، أو لنصرة المسلمين في بورما.
علاقة القرضاوي الطيّبة بالقيادة السعودية معروفة. فقد زار السعودية خلال الحجّ وعومل كأبرز شخصيّة إسلاميّة شاركت في المؤتمر الذي نظّمته وزارة الحج السعودية وحضره 500 من كبار رجال الدين في الدول الإسلاميّة، وزارها العام الماضي واستقبل استقبالا رسميا من قبل الملك سلمان بن عبد العزيز. كما سبق له أن التقى أغلب ملوك السعودية، وحافظ على علاقات متينة مع قادة السلطة الدينيّة فيها وعلى راسهم المفتي الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز، والمفتي الحالي عبد العزيز آل الشيخ، وحصل على جائزة الملك فيصل التي تعتبر أرفع جائزة في المملكة.
القرضاوي وآل الشيخ لم يجرآ يوما قبل اندلاع الأزمة الخليجيّة على انتقاد دول الخليج وأنظمتها الوراثية المعروفة بفسادها، ولم يدافع أحدهما عن حقوق المواطنين والمقيمين في قطر أو السعودية، ونسيا ان هاذين النظامين الوراثيّين التسلطيّين العميلين للغرب أضرا بالعرب والمسلمين من خلال تآمرهما على الوطن العربي وسماحهما بوجود قواعد عسكرية أمريكية ضخمة في البلدين لحماية المصالح الأمريكية وإسرائيل الأنظمة العربيّة الانهزاميّة العميلة.
البيان الذي أصدرته " هيئة كبار العلماء السعودية " يوم الخميس 26-10- 2017 ضدّ القرضاوي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يعبّر بوضوح عن عمق الخلافات بين قادة السلطات الدينيّة في العالم العربي، ويدلّ دلالة واضحة على مخالفتهم لشرع الله في إحقاق الحق والتصدي للباطل، وعلى تحيّزهم للأنظمة السياسية التي تتبناهم وتدعمهم وتمنحهم المناصب والمكاسب . لقد قالت الهيئة في بيانها " إنه ومن خلال رصدنا لما يصدر عن هذه الاتّحادات لا سيما ما يسمى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لاحظنا أنه ينطلق من أفكار حزبيّة ضيّقة، مقدّما مصلحة حركته على مصلحة الإسلام والمسلمين. " واضافت " كلن لهذا الاتحاد دور في اثارة الفتن في بعض الدول الاسلامية والعربية على وجه الخصوص."
ورد القرضاوي على بيان هيئة كبار العلماء السعودية يوم الاثنين الموافق 30- 10- 2017 بالقول " لا ندري أي فتنة يقصدون، إلا إذا كان الحديث عن الحق يعتبر فتنة " وتابع قائلا " أننا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لا نعرف الازدواجية في المواقف، ولسنا نحن من تحوّل وتلوّن مع أحداث الثورة السورية من النقيض الى النقيض. "
لقد نسي الشيخان عبد العزيز آل الشيخ رئيس هيئة كبار العلماء في السعودية ويوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنهما التقيا في تأييد كل المؤامرات التي قامت بها السعودية وشركاؤها ضدّ الوطن العربي، وأيّدا الحرب على اليمن وسوريا وليبيا والتدخل الأمريكي في العراق، وان أفكار منظماتهم دافعت عن الاستبداد وساهمت في قمع الحريات، ولم تفعل شيئا لإيقاظ الأمة وحضّها على رفض الظلم ومواجهة أعدائها.
كانت علاقات القرضاوي والاتحاد الذي يرأسه مع الدولة السعودية والسلطة الدينية فيها " سمن على عسل "، فلماذا تحول الود فجأة الى عداء؟ يبدو أن الأزمة الخليجية قد عصفت بالعلاقات الممتازة والشراكة المتبادلة بين الدولة السعودية والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لأنه أصدر بيانا ضدّ حصار قطر قال فيه ان "مقاطعة قطر وحصارها حرام شرعا."
هيئة كبار العلماء في السعودية، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وغيرهما من المؤسسات والجماعات الدينية لا تمثل الشعوب العربية والإسلامية. لقد أوجدها وموّلها ورعاها الحكّام العرب لمساعدتهم في استغلال الدين لخدمة أهدافهم السياسية والسيطرة على شعوبهم والاحتفاظ بكراسي الحكم. فلا عجب إذا ان يختلف قادتها وتتغيّر آراءهم وسياسات منظماتهم حسب تعليمات ودعم " أولياء الأمر" وليس حسب مصالح العرب والمسلمين
ارسال التعليق