القضاء السعودي وسياسة تفسيق المجتمع وقمعه
التغيير
أصدرت النيابة العامة في المملكة قراراً رسمياً في كافة فروع النيابة تقضي بعدم قبول أي بلاغات "تمس المرأة"، من قبيل تغيبها عن منزلها!، أو طريقة لبسها (حتى وإن كانت ملابسها خليعة)!، وأي ما من شأنه أن يقيد حريتها!.. إلى جانب السماح لها بالسكن المستقل حيث أرادت حتى وإن أرادت السكن مع شخص غريب؛ وذلك بعد عامين كان المشروع قد تعطل في أروقة مجلس الشورى بعد التي تقدمت بها كل من العضوين موضي الخلف، ولطيفة الشعلان المقربتان من محمد بن سلمان تلبية لطلب المنشار.
الصدمة كانت كبيرة لدى الشارع وتصدر وسم #القضاء_يسقط_التغيب وكذا وسم #سكن_المرأة_بدون_محرم!!، السوشيال ميديا رافضاً بين رافض لمثل هذا القرار وبين مؤيد، فكتب البعض: "ماذا يجري هل تريدون من"السمكة أن تبتلع الطعم المدسوس حتى يُخرجُوهن من عفتهن وحشمتهن وكرامتهن التي تربين على الفضيلة والحياء".. اللهم من أراد ببناتنا وبنات المسلمين بسوء اللهم فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره"، يا للعار على بلاد الحرمين الشريفين.
هذا القرار وحتى الكم الهائل من الرشاوي التي دفعت الرياض لبعض الأنظمة والحكومات العالمية، لم ولن يجدي نفعاً للسلطة الحاكمة في المملكة لفوزها بمقعد في مجلس حقوق الإنسان، التابع لمنظمة الأمم المتحدة، لسبب انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان في الداخل والخارج.
ففي الانتخابات التي أجريت قبل يومين في قاعة الجمعية العامة للمنظمة الدولية، ترشحت المملكة لعضوية المجلس عن مجموعة دول آسيا والمحيط الهادئ، لكنها فشلت في الحصول على الأصوات اللازمة للعضوية. حيث تقدمتها كل من أوزبكستان 179 صوتا، وباكستان 169، ونيبال 150، والصين 139 صوتا.
وقال لويس شاربونو، مدير منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية: "لا ينبغي مكافأة منتهكي حقوق الإنسان المسلسل بمقاعد في مجلس حقوق الإنسان". مشيراً الى ان سلطة سلمان ونجله لم ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الداخل فحسب، بل حاولت ايضا تقويض نظام حقوق الإنسان الدولي؛ فيما أكدت الاستخبارات الأمريكية مراراً من أن محمد بن سلمان، هو المسؤول المباشرة عن هذه الجرائم خاصة مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وقبل ذلك، أعلن مجلس جنيف للحقوق والحريات إن القضاء في المملكة فقد مصداقيته وتحقيق العدالة في المملكة يستدعي تدخلا حازما من المجتمع الدولي وعدم الاكتفاء بالادانات اللفظية. مشيراً الى إن القضاء في المملكة لم يصدر أي موقف بشأن تحول السجون لمقابر والشكوى من الإهمال الطبي والتعذيب وسوء المعاملة للمعتقلين، ويوفر مظلة لاتهامات خطيرة يفرضها النظام على معارضين وصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان منها “الانتماء للفكر الآخر” و”عدم إطاعة ولي الأمر” دون دلائل أو توفير حق الدفاع عن النفس؛ داعياً الى تحرك أممي ودولي بإجراءات فعلية لوقف قمع سلطات آل سعود للمعارضة العلنية وحرية الرأي والتعبير وتحقيق العدالة للضحايا والمعتقلين تعسفيا.
إن تفسيق المجتمع المحافظ في المملكة وتخديره بألفاظ انحرافية ملونة ساقطة للخلق والأخلاق، مشروع ابن سلمان جملة وتفصيلاً وقد بدأه بتشكيله "الهيئة العامة للترفيه" واستثمار 240 مليار ريال (نحو 64 مليار دولار) خلال السنوات العشر القادمة، غالبيته المطلقة من القطاع العام – وفق أحمد بن عقيل الخطيب رئيس الهيئة؛ فيما أبسط البنى التحتية بمجاري الصرف الصحي والمستشفيات والمدارس مفقودة أو غير كافية في غالبية مدن المملكة.
أزمة الصرف الصحي واحدة من الكثير الكثير من الأزمات التي تعيشها مملكة الذهب الأسود بفضل سياسة نهب الثروات التي يتقمصها سلمان ونجله وبقية الأمراء من آل سعود، حيث مرت أكثر من خمسة عقود والمشلكة قائمة على قدم وساق دون تغيير رغم مناشدات أهلية، ودعوات حقوقية، ومقالات صحفية، ترصد روتين أزمة الصرف الصحي وتبعاته على سكان المدن الكبرى سيما الساحلية منها، كمدينة جدة، ناهيك عن الوضع المأساوي التي تعيشه المنطقة المختلفة في المملكة.
وقدر مختصون في المياه حجم الاستثمارات المتوقع أن يتم ضخها في القطاع بنحو 350 مليار ريال، خلال الخمس سنوات المقبلة تمثل استثمارات القطاعين الحكومي والخاص؛ بغية تلبية الطلب المتزايد على المياه في البلاد؛ لكن السلطة الحاكمة أقدمت على تعطيل مشاريع البنى التحتية منذ العام 2016 بذريعة العجز في الموازنة العامة فيما تنفق مئات المليارات على ما يسمى "الترفيه" الذي لم نحصل منه سوى الرقص الماجن والمختلط، وبارات لشرب الخمور وصالات القمار في بلاد الحرمين الشريفين.
أما في مجال القمع المتواصل من قبل السلطة الحاكمة فقد قالت منظمة "ريبريف" المعنية بحقوق الإنسان في بريطانيا، إن أحكام الإعدام تضاعفت في المملكة خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث تم إعدام أكثر من 800 شخص في المملكة بين عامي 2015 و2020، غالبيتها المطلقة على خلفيات سياسية ودينية بينهم أطفال ومعاقين، لافتة الى أن 186 شخصا أُعدموا في المملكة عام 2019 وحده، بينهم 37 شخص، في إعدام جماعي لدوافع سياسية.
في هذا الإطار وصف ديفيد هيرست رئيس تحرير موقع ميدل إيست آي البريطاني، أن السلطات في المملكة تواصل حملات الاعتقال ضد المعارضين بلا هوادة، معتبراً أنها أكبر مقامرة يقوم بها محمد بن سلمان في مسيرته القصيرة وليا للعهد. ومضيفاً إن محمد بن سلمان ومستشاريه ربما يكونون أغبى من أن يتبينوا الخطأ الذي ارتكبه الأمير باعتقالاته الأخيرة، والأخطاء السابقة التي ربما تجعله يفقد عرش المملكة الذي يسعى إليه.
ومنذ تولي سلمان المصاب بمرض الزهايمر العضال ونجله المصاب بجنون العظمة، وسلطات ال سعود تواصل حملات اعتقال تطال دعاة وعلماء دين وحقوقيين وأكاديميين وإعلاميين وناشطين من كلا الجنسين، ووجهت لهم اتهامات بـ"الإرهاب والتآمر" على أمن المملكة وتهديد السلم والاستقرار، والتعاون مع جهات خارجية للإضرار بأمن البلاد، وغيرها من التهم؛ فيما الحقيقة تجافي ذلك جملة وتفصيلاً وذنبهم الوحيد هي المطالبة بحرية الرأي والمعتقد والمساواة والعدالة.
وتقول منظمة العفو الدولية في آخر تقرير لها: لقد "صعَّدت السلطات في المملكة من قمع حرية التعبير، وتعرَّض عشرات من منتقدي الحكومة والمدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك ناشطات حقوق المرأة وأفراد الأقليات وأهالي النشطاء، للمضايقة والاحتجاز التعسفي والمحاكمة على أيدي القضاء السلطوي.. وذلك بسبب تعبيرهم عن آراء معارضة. كما استخدمت السلطات عقوبة الإعدام على نطاق واسع، حيث أُعدم بعض الأشخاص، ومعظمهم من الأقليات، إثر محاكمات فادحة الجور".
ويؤكد مراقبون أن سلطات ال سعود تستخدم المحكمة الجزائية لإسكات الأصوات المعارضة، حيث لذلك وقع مخيف. خاصة وانها تصدر تلبية لنجل سلمان عقوبات شديدة ضد صحفيين، ومدافعين عن حقوق الإنسان، ونشطاء سياسيين، وكتّاب، ورجال دين، ونشطاء حقوق المرأة. انها محاكمات بالغة الجور، تصدر في الغالب أحكاماً بالسجن تصل مدتها الى 30 عاماً، والعديد من أحكامها الإعدام حرابة أو شنقاً أو صلباً.
وبالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام جددت التحالف العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام الذي يضم أكثر من 150 منظمة غير حكومية إلى محاكمات عادلة في المملكة ورفع عقوبة الإعدام عن معتقلي الرأي ومعارضي بن سلمان، فيما كشفت المنظمة الأوروبية لحقوق الانسان، أن المعتقلات في المملكة تعج بالمعتقلين الذين يواجهون خطر القتل في أي لحظة. مشيرة إلى أن 53 معتقلا يواجهون خطر الإعدام غالبيتهم معتقلين سياسيين.
ارسال التعليق